القراء الأعزاء
من أهم سمات المرحلة المعاصرة –من وجهة نظري الشخصية- أنها فترة يغلب عليها طابع انعدام الثقة الناجم عن ممارسة أسلوب التشكيك في الكثير من الأشياء في مقدمتها نوعان من التشكيك؛ أحدهما يُشكل مساساً بالنوع البشري وفلسفة خلقه، والآخر يمسّ بالدين الإسلامي دون الأديان جميعها السماوية منها والوضعية، فالأول والأكثر تأثيراً على البشرية هو مسألة التشكيك في جنس المولود إلى درجة أن ظهر اتجاه يطالب بعدم تحديد جنس المولود إن كان ذكراً أو أنثى على أن يُترك هذا الأمر له ليُقرره حينما يُصبح مميزاً بحسب شعوره وميوله إلى أي جنس ينتمي، ويأتي ذلك ضمن خطة ممنهجة لتقويض مكانة الأسرة الطبيعية في المجتمعات.
والثاني هو التشكيك في الدين والذي سيكون له نصيب الأسد من هذا المقال في الفقرة التالية، حتى باتت هذه المرحلة تستحق مسمى مرحلة التشكيك، وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل محوري في تعزيز ذلك وتسهيل إيصاله إلى جميع فئات المجتمع البشرية وبمختلف مستوياتهم العمرية على اطلاقها، ولن نستثني الأطفال منها طالما أن الطفل المعاصر بمجرد قدرته على تحريك يديه يصبح بقدرة قادر حاملاً لأحد الأجهزة أو الألواح الإلكترونية ويستطيع التنقل بين المواقع الالكترونية بكل حرية وأريحية.
ويُعد التشكيك في الدين الإسلامي أحد أهم أسلحة الحرب على الإسلام، الذي بات يقضّ مضاجع غير المسلمين دولاً وشعوباً، حتى أصبح الحقد على الإسلام يسوقهم سوقاً إلى ممارسة كل المظاهر المسيئة له بدءاً من الإساءة إلى رسوله وصولاً إلى حرق أهم مقدساته وهو القرآن الكريم والإساءة إليه، إشفاءً لغليلهم الذي يزيده سلوكهم اشتعالاً ومرارة، جاء ذلك بعد أن انتهت مرحلة الحرب على الإرهاب التي اتخذت ذريعة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين ورسمت صورة ذهنية تربط الإسلام بالإرهاب.
وإن كانت حرب غير المسلمين على الإسلام يُبررها حب السلطة والخوف من هيمنة الإسلام وتزايد انتشاره، فما الذي يُبرر حرب المسلمين أنفسهم عليه؟ إذ ليس هناك مبرر للمسلمين وبالأخص المحسوبين على رجال الدين، الذين يحاولون زعزعة ثوابت الإسلام والتشكيك فيما استقر في ضمير الأمة من السنة النبوية الشريفة التي حفظتها الأحاديث التي نقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حيث إنه من المواضيع المثيرة للجدل التي تثار بين الحين والآخر والتي قد ظهرت على السطح مُجدداً في إحدى منصّات التواصل الاجتماعي، هو تصريح لصاحب موسوعة علوم الحديث عام 2018 قال فيه: (إن 95% من أحاديث صحيح البخاري مكذوبة عن الرسول وبفعل ذلك ورثنا ديناً مُحرّفاً وأدخلنا فيه ما لبس فيه)، حيث خلص إلى هذه النتيجة بعد بحث واعتكاف على الأحاديث النبوية الشريفة ربع قرن بحسب روايته، وأعقبة تأييداً له في هذا القول تصريحات لأحد رجال الدين الشباب ما أثار ضجة ضده وقتها في وسائل التواصل الاجتماعي.
وتأتي إعادة نشر مثل هذه التصريحات في فترة تزايدت فيها وتيرة الحرب على الإسلام، فما الفائدة المرجوّة منها الآن؟ بعد أن استقرت الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في الصحيحين في ضمير المسلمين ما يربو على ألف وأربعمائة عام؟
ففي رأيي أن نتاج مثل هذه الأفكار والآراء لن يكون سوى زعزعة الإيمان بكل ما تواتر وتم تناقله من أحكام شرعية وتعاليم دينية في مرحلة هي أقرب ما تكون إلى قول الرسول عليه الصلاة السلام: (يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر).
وبناء عليه فإن احترام الدين، أي دين أو معتقد، يجب أن ينبثق أساساً من قناعات ومسلك معتنقيه، وتمسكهم بثوابته الأساسية في مقدمتهم المتفقهون في الدين، ومن المعلوم أن ثوابت الدين الإسلامي هي القرآن الكريم وسنّة نبي الله محمد عليه الصلاة السلام، أو فلنقل ما نقل عنه سواء من صحابته الطيبين أو من آل البيت الطاهرين، الذي استودعهما الرسول عليه السلام المسلمين عامة قائلاً: (إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله وسنتي، وفي رواية أخرى وعِترتي أهل بيتي، فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ)، فإذا ما طال أحدهما التشكيك في صحة ما ورد فيه، تزعزعت الثقة في الدين بأكمله لدى الجيل المعاصر، أما الأجيال القادمة فإنها –من حيث الأصل وفي زمن سلطة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي- فإنها لن تجد أرضاً صلبة للدين تستطيع أن تقف عليها، ما لم يتم تعزيز ثوابته واحترامها وحمايتها على الصعيدين الرسمي والأهلي، فديننا أمانة في أعناقنا وواجبنا جميعاً حماية ثوابته.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك