في 24 يوليو الماضي انطلقت أعمال قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية في العاصمة الإيطالية روما، بتنظيم من «الأمانة العامة للأمم المتحدة»، و«منظمة الأغذية والزراعة» «فاو»، و«برنامج الأغذية العالمي»، و«الصندوق الدولي للتنمية الزراعية»، بحضور أكثر من 2000 مشارك من 180 دولة، من بينهم 20 رئيس دولة وحكومة، إضافة إلى أكثر من 125 وزير زراعة حول العالم، وأكثر من 150 منظمة غير حكومية، كما حظيت بمشاركة خليجية متميزة وفعالة.
وفيما ترأس جلسة الافتتاح الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيرش»، ورئيسة وزراء إيطاليا «جورجيا ميلوني»؛ فقد استمرت هذه القمة 3 أيام حتى 26 يوليو. وترجع تسميتها بـ«النظم»، إلى أن كل شيء متعلق بها مترابط، فيما أضحى النظام الزراعي الغذائي مجهدًا، ومن ثم كيف يتسنى له أن يأتي بحلول، حيث أصبحت هذه القدرة غير متاحة، ومن ثم يتعين البحث في وسيلة لجعله أقوى، ومساعدته على توفير حلول مع الحاجة إلى التنوع الإنتاجي والبيولوجي، وإفادة البيئة وتنويع الأغذية.
ومن المعلوم، أن النظام الغذائي يشمل جميع جوانب إطعام الناس وتغذيتهم؛ «زراعة، حصاد، تعبئة، معالجة، نقل، تسويق، استهلاك»، وجميع التفاعلات بين الناس والعالم الطبيعي؛ «الأرض، المياه، المناخ»، وما إلى ذلك من تأثيرات العالم الطبيعي على صحة الإنسان وتغذيته، كما يشمل المدخلات والمؤسسات والبنية التحتية والخدمات التي تدعم أداء جميع هذه الجوانب، فضلاً عن دور النظم الغذائية والممارسات القائمة في التنمية المستدامة. وفي الواقع، يكون النظام الغذائي «مستدامًا»، عندما يوفر طعامًا مغذيًا كافيًا للجميع دون المساس بصحة الكوكب، أو قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الغذائية والتنموية، وقد أصبحت هناك حاجة إلى تغير النظم الغذائية الحالية، بسبب انتشار الجوع، وسوء التغذية، وارتفاع كلفتها، والتغيرات المناخية.
وللتحضير للمشاركة العربية في قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية 2023، عقد مركز تنسيق النظم الغذائية التابع للأمم المتحدة في 13 مارس الماضي، اجتماعًا عربيًا إقليميًا بالتعاون مع «الإسكوا»، والمكاتب الإقليمية للفاو، وجامعة الدول العربية، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، حيث تناول التقدم المحرز في تحويل النظم الغذائية منذ مؤتمر2021، ووجهات النظر المختلفة، والإجراءات ذات الأولوية، التي من شأنها تسريع عملية التحويل.
وقد انعقدت هذه القمة في وقت تتحدى فيه مجموعة من العوامل قدرة النظم الزراعية الغذائية في العالم على توفير أغذية مغذية، وحياة أكثر استدامة للجميع، منها «النمو السكاني، والتوسع الحضري، وتغير الأنماط الاستهلاكية، والتغير المناخي». فيما تشكل النظم الغذائية الحالية سببًا لعدم المساواة، وتفشل في معالجة ارتفاع مستويات الجوع وسوء التغذية، وفي نفس الوقت، فإن فقدان التنوع البيولوجي، والتلوث، وانبعاثات الكربون، تهدد الأسس التي تعتمد عليها النظم الغذائية، ومن ثمّ، يحتاج العالم إلى توجه متكامل ومستدام، يأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وأن يتعاون الجميع للتعامل مع هذه التحديات. وقد وفرت القمة، مساحة للدول المشاركة لمراجعة تعهداتها الوطنية التي قطعتها على نفسها في قمة «النظم الغذائية الأولى»، التي انعقدت بنيويورك في سبتمبر عام 2021.
وفي حين ركزت قمة 2021، على قضايا الأمن الغذائي، والتوصل إلى حلول محتملة، ركزت قمة 2023 على نقل الأفكار والأهداف، التي تحددت في القمة السابقة إلى موضع التنفيذ؛ بهدف القضاء على التأخير في تنفيذ السياسات أو البرامج، وكذلك تسريع عملية التحول في النظام الغذائي نفسه، وتعزيز دور النظم الغذائية المستدامة والعادلة والصحية في التنمية الشاملة، فيما أحرزت «الأمم المتحدة»، تقدمًا كبيرًا في الحفاظ على الحوار المنسق والوعي العالمي بقضايا الأمن الغذائي، إضافة إلى حشد دعم القطاع الخاص وأصحاب المصلحة الرئيسيين.
وفي هذه القمة، توافق قادة العالم وأصحاب المصلحة في قطاعات مهمة؛ بما فيها صنع السياسات والزراعة والأعمال التجارية والمساعدات الغذائية على العمل معًا لتطوير أنظمة غذائية مستدامة، وتعزيز الأمن الغذائي للفئات الضعيفة، وحددت 5 مسارات للعمل هي؛ «ضمان الحصول على طعام آمن ومغذي للجميع»، «التحول إلى أنماط الاستهلاك المستدامة»، «زيادة الإنتاج الإيجابي للطبيعة»، «النهوض بسبل العيش العادلة»، و«بناء المرونة في مواجهة نقاط الضعف والصدمات والندرة». ووفقًا لـ«منظمة الأغذية والزراعة»، فإنه قبل انعقاد القمة الأولى واجه الجوع ما بين 720 و811 مليونا من البشر في عام 2020، فيما ارتفع معدل نقص التغذية إلى حوالي 9.9%، ولم يتمكن واحد من كل ثلاثة أشخاص من الحصول على الغذاء الكافي.
وعن التقدم المحرز في المسارات المشار إليها، فإنه وفقًا للأمين العام للأمم المتحدة، قدمت 101 دولة تقارير طوعية، وفيما دعا «جوتيرش»، «روسيا»، للعودة إلى اتفاق الحبوب، وتخصيص 500 مليار دولار سنويًا على الأقل لمساعدة البلدان النامية على القيام باستثمارات طويلة الأجل لنظم غذائية أفضل، ففي خلال مشاركتها في فعاليات اليوم الثاني والختامي في القمة، استعرضت «مريم المهيري»، وزيرة التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات، مسؤولة ملف النظم الغذائية في مؤتمر الأطراف «كوب28»، تجربة «الإمارات»، في توفير نظم غذائية وزراعية مستدامة من خلال الاستثمار في الزراعات؛ العضوية والعمودية والمائية، وحلول الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
علاوة على ذلك، أكد وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي، المهندس «عبدالرحمن الفضلي»، التزام ودعم المملكة للجهود الدولية الرامية إلى بناء نظم غذائية، تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مؤكدا أن نجاح تحول النظم الغذائية في بلاده قد أسهم في زيادة نسبة تمويل الاستثمارات الزراعية بنحو 1000% خلال السنوات الخمس الأخيرة، ورفع حجم القروض الزراعية إلى نحو 7 مليارات ريال في 2022، إضافة إلى تخصيص 12 مليار ريال لبرنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة.
ومع تحفيز القطاع الخاص لتنويع مصادر استيراد الغذاء، وبناء احتياطيات غذائية استراتيجية مستدامة، وارتفاع الإنتاج الزراعي؛ حدثت وفرة في المعروض الغذائي، واستقرار في الأسعار، وارتفاع في نسبة الاكتفاء الذاتي، فيما أطلقت «الرياض»، استراتيجيات وطنية تعنى بالأمن الغذائي، والزراعة، والمياه، والبيئة، وإنشاء هيئة مختصة بالأمن الغذائي، إضافة إلى توطين الصناعات الغذائية، وتمكين المرأة والشباب، وتحسين الأنماط الاستهلاكية، وزيادة الاستثمارات الزراعية المسؤولة.
وفيما تبلغ عائدات الصناعات الغذائية حول العالم نحو10 تريليونات سنويًا، وتخصص الدول الغنية نحو 700 مليار دولار لدعم مزارعيها؛ فإن عدم التحرك لتطوير النظم الغذائية يكلف العالم طبقًا لما أوضحه «الصندوق الدولي للتنمية الزراعية»، نحو 12 تريليون دولار سنويًا. وعليه، لفتت «منظمة الأغذية والزراعة»، الانتباه إلى الحاجة إلى تحول جذري في طريقة إنتاج الغذاء، ومعالجته وتسويقه واستهلاكه لإطعام سكان العالم، بينما تشهد أعدادهم تزايدًا. وبينما يعاني 462 مليون شخص حول العالم من نقص الوزن، يعاني أكثر من ملياري شخص من زيادة الوزن أو السمنة، ولهذا فإن القمة تتناول النظم الغذائية، وتهدف إلى تخصيص مبالغ إضافية للاستثمار في أنظمة أكثر إنتاجية واستدامة في كل أنحاء العالم.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، قدمت قمة 2023 لحظة تقييم للحالة الراهنة، وما تم القيام به، وما الذي يتعين عمله للمضي قدمًا. ومن بين نتائجها الرئيسية؛ «تحديد المسارات الوطنية لمواجهة العوامل الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية»، التي تفاقمت بسبب تغير المناخ والصدمات الاقتصادية والصراعات المستمرة في جميع أنحاء العالم. ومن بين الموضوعات الرئيسية التي تناولتها، «الحاجة إلى الاستثمار في البنية التحتية لضمان الوصول إلى الأسواق العالمية»، و«تطوير سلاسل القيمة للمساعدة في جعل النظم الغذائية أكثر مرونة»، و«تعزيز النظم التجارية»، و«أهمية الأغذية المائية في المساعدة في القضاء على الجوع وسوء التغذية»، و«تعزيز التعاون الدولي»، و«تسليط الضوء على التكاليف الفعلية للنظم الغذائية من أجل اتخاذ قرارات أكثر كفاءة».
وفي ختامها، أعلنت «أمينة محمد»، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة «نافذة تمويل جديدة» للنظم الغذائية، منبثقة من صندوق الأمم المتحدة المشترك المعني بأهداف التنمية المستدامة، وهذا التمويل الجديد سيسهم في تحويل الأولويات الوطنية إلى واقع مؤثر يتجاوز النظم الغذائية، ما يساعد على إنقاذ أهداف التنمية المستدامة، وإعادة تشكيل الهيكل المالي العالمي، ويبث الحياة في استراتيجية الاستثمار في النظم الغذائية المدعومة من الأمم المتحدة والمنسقين الوطنيين للنظم الغذائية، فضلاً عن تحفيز الإجراءات اللازمة لتحويل النظم الغذائية في إطار مركز النظم الغذائية التابع للأمم المتحدة.
وتعمل هذه النافذة التمويلية، كآلية حشد للتمويل والخبرة في مجال النظم الغذائية، من قبل جميع المعنيين عبر القطاعات والمناطق الجغرافية والدوائر المختلفة. فيما وجهت «أمينة محمد»، دعوة للعمل مطالبة نيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة، باتخاذ إجراءات عاجلة على نطاق واسع، لجسر الهوة فيما يتعلق بتنفيذ عملية التحول للنظم الغذائية. وسلطت الضوء على الربط بين التمويل والتنمية وتخفيف أعباء الديون، والإدماج والمشاركة مع الجهات الفاعلة غير الحكومية، والوصول إلى التعليم والتكنولوجيا والابتكار للجميع، وحددت الأولويات الرئيسية لمزيد من العمل، بما في ذلك وضع استراتيجيات النظام الغذائي عبر السياسات الوطنية كافة، وتعزيز الشراكة بين أصحاب المصلحة المتعددين.
من جانبها، أكدت «الفاو»، التزام «المنظمة»، بدعم الدول الأعضاء، ومساراتها الوطنية نحو تحقيق إنتاج وتغذية وبيئة وحياة أفضل دون التخلي عن أحد، فيما أكدت أنه مع الصعوبات توجد فرص، وأن هناك حاجة لمناقشات، بشأن أهمية التوصل إلى التزام سياسي رفيع المستوى وطويل الأمد.
على العموم، فإنه فيما يستحوذ سداد الديون وفوائدها على نصيب كبير من عوائد صادرات الدول النامية؛ فقد أكد البيان الختامي لقمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية، الذي أعلنته «أمينة محمد»، أهمية الربط بين التنمية وتخفيف عبء الديون على الدول النامية، بما يمكنها من تعزيز دورها في الأمن الغذائي. ورغم الصراعات التي تسود عالمنا اليوم، والتي جعلت «الأمم المتحدة»، غير قادرة على اتخاذ أو إنفاذ أي قرارات، فإنه من المتوقع في ظل المخاطر المشتركة، التي تواجه البشر أن ترى نتائج قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية 2023 طريقها إلى التنفيذ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك