كثيرا ما تجرى المقارنة في الصحافة العالمية بين المواقف السياسية الأمريكية والغربية والمواقف السياسية الروسية من جانب آخر حول العديد من القضايا والخلافات والأزمات تتضمن مفارقات غريبة عجيبة لا يتقبلها العقل، وخاصة في ضوء ما حدث خلال العشرين سنة الماضية سواء في هذا الجانب أو ذاك.
ومن هذه المفارقات على سبيل المثال العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، التي صورها الغرب على أنها غزو لأوكرانيا في حين صورتها روسيا على أنها عملية للدفاع عن الأمن القومي الروسي وحماية السكان الناطقين بالروسية في إقليم الدونباس، أما بالنسبة لنا كعرب فيمكننا المقارنة بين الموقف الأمريكي بالنسبة للوضع في العراق والموقف الروسي بالنسبة للوضع في سوريا.
إن الموقف الأمريكي في العراق ليس سوى احتلال كامل الأركان لما يعنيه الاحتلال السياسي والاقتصادي والعسكري، حيث كان التدخل الأمريكي بمساندة ودعم من بريطانيا ومن دون غطاء من الشرعية الدولية أو قرار من مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة، فكان ذلك بمثابة همجية وحشية عصفت بهذا البلد العربي الكبير الذي كان بوابة مهمة بالنسبة للأمن العربي عامة وأمن الخليج خاصة، وتم خلال ذلك اجتثاث النظام العراقي بكل مكوناته وتدمير البنية العسكرية العراقية بالكامل وحل وتفكيك الجيش العراقي والأمن والمخابرات العراقية وإحلال المليشيات الطائفية العميلة لإيران محلها، هذا إضافة إلى تحويل العراق إلى دولة فاشلة بالكامل يحكمها السيد بول بريمر باعتباره مقيما عاما أدار العراق وهندس نظامها السياسي الطائفي الجديد كما تريده الولايات المتحدة الأمريكية مدة عام كامل سلم بعدها سلطة الحكم إلى المليشيات الطائفية التابعة لإيران وإقامة نظام سياسي بعيد كل البعد عن تحقيق الأمن والاستقرار للعراق ولشعبه، حيث لا يزال القطر العراقي الشقيق يعاني من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني والاجتماعي رغم مرور عقدين من الزمان على إسقاط نظام صدام حسين. الاحتلال الأمريكي للعراق كانت نتيجته النهائية ليس سقوط النظام فحسب وإنما تدمير الدولة العراقية وتهجير ما لا يقل عن 6 ملايين عراقي يعيشون اليوم لاجئين سواء في الدول العربية أو في الدول الأوروبية إضافة إلى فتح الباب لسلسلة من الحروب الأهلية التي تذكرنا على الأقل بحرب الفلوجة التي استهدفت تدمير جزء مهم من الشعب العراقي لمجرد أنه يقاوم الاحتلال الأمريكي والحكام الجدد التابعين له.
وفي المقابل، فإن الموقف الروسي بالنسبة للوضع في سوريا يختلف تماما فقد جاء التدخل الروسي بناء على طلب رسمي من الحكومة السورية الشرعية التي استنجدت بالحليف الروسي لمساعدتها عسكريا وأمنيا في مواجهة التدخل الغربي واستعادة الجزء الأكبر من الأراضي السورية التي سيطرت عليها المليشيات المختلفة والقوى الأجنبية الغازية من الشمال والشرق. وعليه، فإن الدعم الروسي قد أوقف على الأقل مشروع تدمير سوريا، هذا البلد العربي الشقيق ووضع حدا لتلك الأوضاع غير المستقرة، وها هي سوريا تدريجيا تستعيد عافيتها وبدأت عجلة الإنتاج تدور من جديد وتحسن الحالة الأمنية في البلاد التي تشهد استقرارا إلى حد ما، وعادت سوريا إلى حضنها العربي واستعادت عضويتها في بيت العرب جامعة الدول العربية بمباركة عربية.
أما على المستوى الدولي، فإن المثل الفنزولي يؤكد هذه المفارقات في المواقف الغربية والمواقف الروسية، فقد سعت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإطاحة بالرئيس الفنزولي الشرعي نيكولاس مادورو وتعيين رئيس آخر اعترفت به الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والعديد من الدول الأخرى، في حين أن الموقف الروسي ساند الشرعية الفنزويلية وبفضل هذه المساندة فشل الغرب في الإطاحة بالرئيس الشرعي للبلاد. هذه مجرد أمثلة تؤكد التباين في المواقف الروسية الغربية، ومن خلال ما تقدم يمكننا وبسهولة الكشف بسهولة عن الفرق بين المواقف الأمريكية والمواقف الروسية بالنسبة للعديد من القضايا العالمية والأوضاع في العديد من الدول، فالمواقف الروسية دائما مع الشرعية في حين المواقف الغربية تنطلق من مصالحها السياسية والاستراتيجية لا يهمها مصالح الشعوب. وعليه، فإنه آن الأون لوضع حد للأحادية القطبية لإنقاذ العالم من سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على شؤون الكون والانتقال إلى التعددية القطبية التي بدأت ملامحها تتشكل من خلال ما يشهده العالم من تشكيل كيانات وتحالفات بعيدة عن التبعية الغربية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك