في الخامس والعشرين من شهر أبريل 2016 أشهرت المملكة العربية السعودية رؤيتها الاستراتيجية لمواجهة التحديات التنموية وتحقيق إصلاحات اقتصادية شاملة، التي أطلقت عليها (رؤية المملكة العربية السعودية 2030)، وحيث إن الرؤية هي إطار إصلاحي شامل لأهداف المجتمع المستقبلية مدعومة بمؤشرات رقمية لتيسير صياغة الخطط الاستراتيجية في المديين المتوسط والبعيد، فضلا عن التقييم ومتابعة التنفيذ، لذا فقد سلط الفصل التمهيدي من الكتاب الضوء على قضايا وانشغالات وفلسفة الاصلاح الاقتصادي التي اعتمدتها الرؤية، بدءا من مفهوم الإصلاح الذي يعني تغيير قواعد عمل او سلوك جزء أو كل النظام المجتمعي ومعالجة القصور والاختلال الذي يشوبه، والسعي للنهوض بالمجتمع من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. اي انه أسـلوب ومدخل جديد لإعادة ترتيب وتنظيم وتكامل العلاقات الداخلية والخارجية للمجتمع بالشكل الذي يقوده إلى الارتقاء والنهضة والتقدم.
وفي هذا الإطار عرف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رؤية المملكة – أثناء تقديمه لها – بالقول «يسرني أن أقدّم لكم رؤية الحاضـر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليـوم لِلـغد، بحيث تعبر عن طموحـاتنا جميـعاً وتعكس قـدرات بلادنا». لذا جاءت رؤية المملكة 2030 كمشروع اصلاح اقتصادي استراتيجي وطني شامل، نابع من حاجة وإدراك وطني، ولم تكن نتاج ضغوط خارجية كما هو معتاد في العديد من تجارب الاصلاح في البلدان النامية، وانما منطلقة من بيئة المملكة وثقافة المجتمع ومستوى وعيه ومعتقداته، وهادفة الى نقل المملكة من مرحلة الاقتصاد الريعي القائم على انتاج وتصدير النفط إلى الاقتصاد المتنوع الموارد، وصولا إلى تعظيم إنتاجيته وإرساء قواعد ديناميكية لمتطلبات النهوض والتطور، مواكبة للمتغيرات الاقتصادية والمالية والتقنية والعلمية التي يشهدها العالم، وخاصة ان التنويع الاقتصادي يؤمّن الاستقرار الاقتصادي مقابل مخاطر عدم اليقين في السوق العالمية التي ترافق الاقتصاد الريعي، فضلا عن تحفيزه لجذب واستنبات التقنية والابتكار، وتوفيره المرونة في الروابط الصناعية المتداخلة، وفي عوامل الإنتاج الأخرى التي تؤدي إلى تحسين الإنتاجية وزيادة الصادرات غير النفطية، التي تدعم استدامة النمو وتغذية واستخدام عنصر التكنولوجيا في الاقتصاد.
ولم يكن نموذج الاصلاح الاقتصادي السعودي نتاج وصفات دولية جاهزة، على الرغم من استفادته من تجارب الدول الاخرى التي سلكت طريق الإصلاح، الأمر الذي أسهم في تحقيق الرؤية نجاحات سريعة ومشهودة خلال خمس سنوات من تنفيذها، منطلقة من حقيقة أن عالم اليوم عالم سريع الإيقاع، تجري متغيراته بسرعة غير مألوفة من قبل، أصبحت المرحلة الزمنية في منظوره، متغيرا لحظيا، لا يحتمل امتداد السنين ولا يقبل التأجيل، لذا فقد ارتقت سريعا بمعايير ومؤشرات التطور الاقتصادي بالمملكة العربية السعودية. وهذا ناجم عن إدراك قيادة المملكة بأننا نعيش في ظل حقبة جديدة من التحدي الحضاري والاقتصادي والسياسي من النوع الذي يترك بصماته على مسيرة تاريخ الأمم والشعوب، والذي يتطلب تواصلا متسارعا لمسيرة الإصلاح والتحديث والتنمية، ومواكبة ديناميكية، لا بل استباقا للمستجدات السياسية والفكرية والتنموية والتقنية التي تشهدها المنطقة والعالم. وقد حرصت قيادة المملكة العربية السعودية على ان تتوافر في المؤسسات التي يوكل اليها الاشراف على برامج الرؤية وتنفيذ إجراءاتها، الفاعلية والديناميكية، وان تعتمد الشفافية والوضوح في مختلف القرارات التي تتخذها. وان تكون مواردها البشرية مؤمنة أشد الايمان ومقتنعة تمام الاقتناع بمبادئ وسياسات الاصلاح الاقتصادي التي تستهدفها، ومؤهلة ومستعدة للدفاع عنها، وقادرة على مواجهة القوى المشككة بضرورة الاصلاح وفاعلية سياساته. كما سعت قيادة المملكة وبكل قوة الى الربط المحكم بين الإصلاح الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والرفاهية، حيث ان الإصلاح مهما بلغت درجة كفاءة سياساته في المجال الاقتصادي سيفشل إن لم يحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والرفاهية لجميع الفئات والمكونات الاجتماعية، ذلك ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- بالقول: «لقد انطلقت رؤية المملكة 2030 من أجل وطن مزدهر يتحقق فيه ضمان مستقبل أبنائنا وبناتنا، بتسخير منظومة متكاملة من البرامج؛ لرفع مستوى الخدمات من تعليم وصحة وإسكان وبنية تحتية، وإيجاد مجالات وافرة من فرص العمل، وتنويع الاقتصاد ليتمتع بالصلابة والمتانة في مواجهة المتغيرات عالميا، لتحتل المملكة مكانتها اللائقة إقليميا وعالميا».
وفي ذات الاتجاه يوضح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس الوزراء السعودي تطلعات الشعب السعودي إلى الإصلاح والتي جاءت الرؤية ملبية لها بالقول «نحن نريد – كما يريد الشعب السعودي – استثمار الأيام المقبلة، والتركيز على تطوير مجتمعنا، وتطوير أنفسنا أفرادا وأسرا، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ديننا وتقاليدنا، نحن لا نريد أن نستمر في العيش في حقبة مضت، لقد ولى زمان تلك الحقبة، والآن نحن نستشرف مستقبلا جديدا مليئا بالأمل والعمل والخيرات».
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك