طوال الحملة المتصاعدة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة على يد الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، والتي تضمنت سلسلة من الهجمات العنيفة من قبل المستوطنين، والتهجير القسري للمدنيين في القدس الشرقية المحتلة، وتوسيع المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، والهجوم العسكري الشامل على مدينة جنين في أوائل يوليو؛ والتي أدت مجتمعة إلى مقتل أكثر من 200 فلسطيني في عام 2023 حتى الآن؛ فشلت «الإدارة الأمريكية»، في تحميل رئيس الوزراء الإسرائيلي، «نتنياهو»، وحكومته المسؤولية بشكل جدي وفعال عن هذه الانتهاكات ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم.
وبدلا من ذلك، ركز المسؤولون الأمريكيون في تعليقاتهم وتصريحاتهم على دعمهم لأمن إسرائيل، بالقول إن من «حقها الدفاع عن شعبها»، كما جاء في تصريح «البيت الأبيض»، وأن «واشنطن»، تدعم بقوة إسرائيل من أجل توقيع المزيد من «اتفاقات التطبيع»، مع دول أخرى في المنطقة، باعتبار أن ذلك كما وصفه «آرون ميللر»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، سيكون «إنجازا كبيرا»، للرئيس الأمريكي، فيما يجلب مكاسب لإسرائيل، ونتنياهو شخصًا».
ومع استمرار فشلها في محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها الصارخة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكد المعلقون الغربيون أن هناك انقسامات بين «واشنطن»، و«إسرائيل»، منذ عودة نتنياهو إلى السلطة في أواخر عام 2022. وأشار «ماكس بوت»، في صحيفة «واشنطن بوست»، إلى كيف ألحق «نتنياهو»، ضررًا دائمًا بالعلاقة بين البلدين من خلال محاولته تمرير تعديلات مناهضة للديمقراطية على منظومة القضاء ببلاده. وأضاف «كيفن ليبتاك»، و«هاداس جولد»، من شبكة «سي إن إن»، أن سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة، أثارت «خلافًا دبلوماسيًا محتدمًا» مع واشنطن.
وعلى وجه الخصوص، تم تسليط الضوء على تردد «بايدن» في دعوة «نتنياهو»، للقيام بزيارة رسمية لواشنطن -وهي أمر مشترك يُقدمه تقليديًا شاغلو البيت الأبيض لقادة إسرائيل الجدد– وهو ما يُدلل على أن العلاقات قد أضحت «متوترة»، حتى لو كرر المسؤولون الأمريكيون علنًا دعمهم القوي لاحتياجات إسرائيل الدفاعية من دون تغيير. وكتبت «لورا كيلي»، في صحيفة «ذا هيل»، أن تحفظ الرئيس الأمريكي على عرض زيارة رسمية لنتنياهو لمدة سبعة أشهر بعد عودته إلى منصبه، كان يُنظر إليه على أنه «ازدراء كبير» من قبل واشنطن.
ومع أن «ميللر»، قد رأى أن «بايدن»، واجه حقيقة أن «صديقه الحميم نتنياهو» قد «خضع لتغيير وتحول من شريك صعب، إلى سياسي يائس جاهز للمخاطرة»، فقد أوضح أنه وسط انتقادات النواب الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، بشأن رفض توجيه الرئيس دعوة رسمية لنتنياهو لزيارة واشنطن، تحول عقد لقاء محتمل بينهما في النهاية، إلى «أمر حتمي».
وعليه، وبمناسبة زيارة الرئيس الإسرائيلي «إسحاق هرتسوغ»، الشهر الجاري إلى «واشنطن»، للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس إسرائيل؛ وجه «بايدن»، دعوة رسمية لنتنياهو عبر الهاتف. وصرح «جون كيربي»، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، بأن «الرئيس الأمريكي يعتقد أن هذا التوقيت هو المناسب لإجراء محادثة شخصية مع نتنياهو»، دون تحديد الوقت والمكان وهذا دليل من وجهة نظر «ميلر»، أن رفض تأكيد مثل هذه التفاصيل، هو «أوضح دليل» على «انزعاج»، بايدن من سياسات وأفعال الحكومة الإسرائيلية، وأن الدعوة بمثابة فرصة لنتنياهو. فيما أوضح «كريس ماكريال»، في صحيفة «الجارديان»، أن الدعوة تأتي بعد أشهر من تجاهله؛ بسبب محاولات «ضم حكومته للضفة الغربية، والانتهاكات ضد الفلسطينيين»، وهو ما يؤكد مرة أخرى كيف توفر الولايات المتحدة الحماية لإسرائيل، وتتغاضى عمدا عن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.
ولعل ما يُظهر كذلك ازدواجية معايير «واشنطن»، تجاه إسرائيل وافتقارها للمساءلة، هو كيف وجه «بايدن»، هذه الدعوة على الرغم من إقرار الحكومة الإسرائيلية والكنيست تعديلات داخلية مُناهضة للديمقراطية؛ والتي تعرضت لانتقادات شديدة على الصعيد الدولي. وفي مارس 2023، استشهد الرئيس الأمريكي، بالاضطرابات والاحتجاجات الجماهيرية داخل إسرائيل بسبب الإصلاحات المقترحة من قبل نتنياهو، لاستبعاد دعوته على المدى القريب. وعلى الرغم من استمرار هذه الخطط، والاحتجاجات الواسعة ضدها في جميع أنحاء إسرائيل، فقد اقتصرت انتقادات «بايدن»، على حث نظيره على عدم التسرع في التعديلات، والسعي بدلاً من ذلك، إلى حشد «أوسع إجماع ممكن».
وعندما يقترن تصنيف الرئيس الأمريكي، لبعض المشرعين الإسرائيليين في الحكومة على أنهم «متطرفون»، وفي الوقت نفسه إبدائه الأمل في أن «نتنياهو»، سيتحرك نحو «الاعتدال»؛ فلا يمكن تجاهل الافتقار إلى النفوذ الذي تمارسه «الولايات المتحدة» على إسرائيل، وذلك على الرغم من توفر الوسائل للقيام بذلك، باعتبارها الداعم الاقتصادي، والعسكري، والجيوسياسي الأساسي لها.
وعلى الرغم من إخفاق «إدارة بايدن»، في محاسبة الحكومة الإسرائيلية، إلا أن هذا أدى إلى حدوث انقسامات داخل النظام السياسي الأمريكي. وأوضح «ماكغريل»، أنه احتجاجا على تقاعسها عن إصلاحات إسرائيل المناهضة للديمقراطية وانتهاكاتها بحق الفلسطينيين، قاطع العديد من أعضاء الحزب الديمقراطي خطاب «هرتسوج»، أمام اجتماع مشترك للكونجرس، مع تعليق النائبة الديمقراطية، «كوري بوش»، بأن الرئيس الإسرائيلي لا ينبغي أن يُمنح منبرًا؛ كون بلاده «مسؤولة عن الفصل العنصري وانتهاك حقوق الفلسطينيين». وفي حالة زيارة «نتنياهو»، المقترحة في وقت لاحق من هذا العام يمكن توقع إجراء مماثل من قبل المشرعين الديمقراطيين الرافضين للسياسات الإسرائيلية.
ومع ذلك، تبقى حقيقة أنه بدون اتخاذ إجراء حازم وجدي وأخلاقي وحقوقي من قبل «الولايات المتحدة»، وحلفائها، ستتواصل الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية وضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مع ردود أفعال غربية «محدودة»، تتمثل في حث حليفهم على التحلي بالحذر وضبط النفس، لكن دون عواقب تردع الإسرائيليين. ولاحظت «زها حسن»، من «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، أن «إدارة بايدن»، «غير راغبة» في مناقشة الانتهاكات ضد الفلسطينيين مع المسؤولين الإسرائيليين حتى بعد أن «أظهرت حكومتهم نيتها تجاه الضفة الغربية». ومع تشككها فيما إذا كان لواشنطن مصلحة حقيقية في «تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني»، فقد رأت أنها أكثر اهتمامًا بـ«الاستقرار» حيث أجندته «محدودة»، فيما لا تريد «إفساد العلاقة مع إسرائيل».
ومع إشارة «كيلي»، إلى أن أحدث مكالمة هاتفية لبايدن ونتنياهو، تركزت حول «كبح التهديدات من إيران، والتوسط في علاقات جديدة بين إسرائيل وجيرانها العرب؛ فقد ظهر مرة أخرى التغاضي عن حماية الفلسطينيين بالأراضي المحتلة في الأولويات الأمريكية للشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، أثارت آلية تطبيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية المعلنة، والمتمثلة في تمكين تقرير المصير الوطني، وحماية حقوق الإنسان؛ دعوات المراقبين لحث «واشنطن»، على تنفيذها في حالة الفلسطينيين. ودعا «جيريمي بن عامي»، من مجموعة «جي ستريت»، «واشنطن»، لوضع شروط للحكومة الإسرائيلية، بشأن استخدامها الأسلحة أمريكية الصنع ضد المدنيين الفلسطينيين -خاصة مع تقديمها دعمًا عسكريًا لها قدره 3,8 مليارات دولار سنويًا- مشيرًا إلى أنه يجب أن تكون هناك «إرشادات وقيود واضحة»، يضعها البيت الأبيض في هذا الصدد.
وفي التعليق الغربي على دعوة «بايدن»، لنتنياهو لزيارة «الولايات المتحدة»، لم يأخذ العديد بعين الاعتبار، كيف تراجع الرئيس الأمريكي مرة أخرى عن الضغوط الداخلية، وفشل في محاسبة إسرائيل. وأوضح «مايكل شير»، و«باتريك كينجسلي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، بأن الدعوة «لا ينبغي تفسيرها» على أنها «تخلٍ من بايدن عن اعتراضاته على الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من أن توقيتها في وقت تصاعد الانتهاكات في الأراضي المحتلة، وإحياء الجهود لدفع التعديلات المناهضة للديمقراطية؛ يشير إلى موافقة «البيت الأبيض».
وبالمثل، فإن وصف «ميللر»، الوضع بـ«غير المرغوب»، خاصة مع التوقعات بأن تتحلى إدارة بايدن «بالصرامة» تجاه إسرائيل؛ تقوضها حقيقة أن الرئيس الأمريكي «مشغول خارجيا بإدارة استجابة الغرب لحرب أوكرانيا، وداخليا بالاستعداد لحملة إعادة انتخابه في نوفمبر 2024، هي حجة غير مقنعة، لا سيما بالنظر إلى الطريقة التي أعرب بها عن استمرار دعمه لإسرائيل. وفي يوليو 2023، صرح «كيربي»، أن التزام «واشنطن»، بالأمن الإسرائيلي، «أمر لا جدال فيه»، وأنها ستستمر في «توضيح ذلك، وإثباته في كل فرصة تسنح لها».
على العموم، فإنه في ظل هذا الوضع يجب تفهم طبيعة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية الراسخة، التي تعد أكبر بكثير مما يواجهه الفلسطينيون الذين يتم ضم أراضيهم عبر التوسعات الاستيطانية غير القانونية. وعلى الرغم من أن «ميللر»، قد خلص إلى أنه مع وجود «نتنياهو» في السلطة، ستبقى علاقة «إسرائيل»، و«واشنطن»، على «المحك»؛ فإنه بالنسبة للفلسطينيين، ومع وجود حكومة إسرائيلية متطرفة تقدم دعمًا مباشرا للعنف الذي يمارسه المستوطنون، وتدفع بنشاط التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وتهويد الأراضي، وتهجير السكان، جنبا إلى جنب مع عدم وجود رد أمريكي على هذه الانتهاكات؛ فإن الآفاق الأمنية المستقبلية، تبدو أسوأ بكثير وأكثر خطورة لاستتباب الأمن وحماية حقوق الإنسان.
ومع تقدير المحللين والمراقبين أن عام 2023، سيكون العام الأكثر دموية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة «منذ 15 عامًا على الأقل»، فإن الخلافات بين «أمريكا»، و«إسرائيل»، تتضاءل مقارنة بالخسائر البشرية جراء الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية، وهو الأمر الذي رفضت الولايات المتحدة، وبقية دول التحالف الغربي على مدى عقود التدخل فيه، أو إصدار إدانة من نمط الإدانات الشاملة التي وجهت لروسيا جراء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ما يدل على ازدواجية المعايير الغربية الواضحة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك