احتضنت روسيا الاتحادية قمة روسيا إفريقيا في دورتها الثانية التي انطلقت في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبمشاركة 49 دولة بينهم 17 رئيسا من بين 54 دولة إفريقية، حيث تشكل هذه القمة نقطة مهمة وضربة موجعة للاستراتيجية الغربية والأمريكية بوجه خاص في إفريقيا بالرغم من الضغوطات الكبيرة التي مارستها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لمنع مشاركة الدول الإفريقية في هذه القمة، فإن معظم الدول الإفريقية حرصت على المشاركة والحضور في هذا المنتدى الكبير الثاني بعد المنتدى الأول الذي عقد في عام 2019.
الطريف في هذا الأمر، أن الدول الغربية قد حرصت على التشويش على قمة البريكس المنتظرة في شهر أغسطس في جنوب إفريقيا عبر تخويف جنوب إفريقيا لمنعها من مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه القمة، وإذا بروسيا الاتحادية تجلب إفريقيا بأكملها إلى مدينة سانت بطرسبورغ في هذه القمة السياسية الاقتصادية لتقول للعالم إن روسيا لا يمكن عزلها ولا يمكن أن تكون خارج العلاقات الدولية والنفوذ السياسي والاقتصادي الذي يتناسب مع مكانة روسيا وقوتها كدولة من الدول العظمى.
وبغض النظر عن تفاصيل هذه القمة التي تدور بشكل رئيسي حول التعاون الروسي الإفريقي في المجالات الاقتصادية والتنموية والأمنية وبناء الشراكة التي تنقل الخبرة الروسية والتقنية الروسية والغذاء الروسي إلى البلدان الإفريقية، فإن الاستراتيجية الروسية التي تحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع زعماء بريكس وخاصة مع الرئيس الصيني تجعل من الانفتاح على مختلف دول العالم ركنا أساسيا من أركان العالم الجديد الذي تطمح روسيا والصين إلى إانشائه على أنقاض العالم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية إلى الآن، فإفريقيا كما آسيا كما بلدان أمريكا اللاتينية جميعها مكونات أساسية من العالم المتعدد الأقطاب إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وفي هذا السياق نفهم أهمية هذه القمة إضافة إلى المعنى الأكثر أهمية بالنسبة الى الدول الإفريقية وهو حرص روسيا الاتحادية على حل مشكلة الغذاء في إفريقيا بضمان توفير الإمدادات الضرورية من الحبوب والأسمدة وغيرها من المواد الأساسية التي تؤمن الاستقرار الغذائي للدول الإفريقية، وخاصة بعد خروج روسيا من اتفاقية تصدير الغذاء مع أوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة بعد أن تبين للعالم كافة أن روسيا قد ظلمت في هذا الاتفاق وان الطرف الأوكراني والأوروبي لم ينفذ الجانب الثاني من الاتفاق الذي يتعلق بتصدير الحبوب والاسمدة الروسية .
وقد تبين من خلال القمة الروسية الإفريقية أن رهان روسيا الاتحادية على إفريقيا هو رهان رابح وموفق تماما، خصوصا بعد أن ملت الدول الإفريقية من السياسات الغربية الاستعمارية ومن الوعود الأمريكية بتعزيز أمن واستقرار وتنمية الدول الإفريقية دون جدوى وبعد أن تبين أيضا أن روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية تبحثان عن المصالح المشتركة وليس عن السيطرة والاستغلال مثلما يحدث مع الدول الغربية.
إن افريقيا في الاستراتيجية الموجهة إلى السياسة الخارجية الروسية تعد ركنا أساسيا من أركان هذه السياسة في الحاضر والمستقبل وإن أبرز ما يمكن استنتاجه من التحركات الروسية المستمرة والمتكررة تجاه إفريقيا هو رؤية روسيا للسياسة الدولية الحالية على أنها سياسات للقوة يحكمها منطق التنافس والصراع والهيمنة في حين ترى روسيا أن العلاقات الدولية يجب أن تبنى على التعاون والشراكة وتبادل المصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول،. ومن هنا جاء تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه القمة على ضرورة جعل الاتحاد الإفريقي عضوا دائما في مجموعة العشرين بما يتماشى مع مكانتها وقوتها وما تمتلكه من موارد كبيرة بما يجعل الدول الإفريقية قوة في النظام الدولي الجديد الذي تطمح روسيا والصين إلى إنشائه ويطمح العالم غير الغربي كله إلى إقامته بعدما تبين أن الهيمنة الغربية كانت تخدم فقط المصلحة الغربية الأمنية والاقتصادية والسياسية.
إن القارة الإفريقية سوف تكون حلبة أولى من حلبات هذه المعركة التي انطلقت مع الحرب، وهي معركة بناء عالم متعدد الاقطاب قائم على التعاون والشراكة بدلا من الهيمنة والاستعمار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك