القراء الأعزاء،
من المواضيع المهمة التي وددت تناولها في أحد مقالاتي منذ زمن، والتي أخّرني عنها حرصي على مواكبة المستجدات المتعلقة بالشأن العام والتي تمس المواطن والانسان بشكل عام، والموضوع هو المخدرات وأثرها على المجتمع وعلى فئة الشباب بشكل خاص، والأمر الذي حرّضني على الكتابة الآن هو القصة التي سأرويها إليكم في الفقرة التالية.
سأروي لكم قصة (فهد) وهي قصة حقيقية وسأستخدم لسردها اسما مستعارا، وفهد هو شاب في العشرينات من عمره وهو ابن لعائلة عربية كريمة محترمة، حظي بحب عائلته واهتمامها بحسن تربيته وغرس مكارم الاخلاق فيه، وحرصت على منحه كل ما قد يحلم به شاب في عمره، فنشأ خلوقاً، صالحاً، طيباً محترماً ومُحباً لعائلته، ولكن أصبح لفهد أصدقاء سوء جمعته بهم الصدفة، وسُرعان ما انجرف معهم إلى طريق المخدرات، فأدمنها وبدأت الخسارات تنهال عليه، فخسر حُسن سيرته وسلوكه وخسر وظيفته وخسر معها الكثير من النعم التي كان منغمساً فيها، بل وقوّض بسلوكه هذا سكينة وسلام عائلته بأكملها.
وقبل يومين هاتفتني والدته باكية تشرح لي أحواله وتصرفاته التي أصبحت مصدر إزعاج وقلق لوالديه وبقية أفراد أسرته، وطلبت مني أن أتصل به وأنصحه، فسألتها ارسال رقم هاتفه فأرسلته، وقد فوجئت بالاسم الذي حفظت الأم تحته رقم ابنها، فقد كان اسمه في هاتفها (فهد الله يهديك).
لقد أبكتني قراءة الاسم، حيث شعرت بحجم ألم ولوعة هذه الأم ومعاناتها مع حالة ابنها، وبأن السُبل قد تقطّعت بها وأُسقط في يدها، حتى باتت تلتمس نجاة ابنها والطمأنينة لنفسها معاً في دعاء مستمر يظهر في كل مكالمة هاتفية صادرة أو واردة معه لعله يصل إليه عبر أثير المكالمة، لعله يتضافر مع دعائها غير المنقطع ليلاً ونهاراً لخلاص ابنها. فتخيّلوا معي أيها الأعزاء حجم ألم ومعاناة هذه الأم!! ومثلها كثر حفظ الله أبناءهم وأبناءنا من هذه الآفة.
وخطابي في هذا المقال موجه إلى الشباب وأسرهم أكثر من كونه موجها إلى الجهة الرسمية المختصة، والمشهود لجهودها الدؤوبة والملموسة وطنياً ودولياً في هذا الشأن، ففيما يتعلق بالجانب الرسمي، تُعد مملكة البحرين من أشد الدول مكافحةً لجرائم المخدرات، حيث تحظى مكافحة المخدرات والاتجار غير المشروع فيها باهتمام كبير ومراقبة دقيقة، بجانب برامج متعددة توعوية ووقائية تتعلق بتعاطيها وجهود علاجية أسهمت في الحد من نسبة تعاطي المخدرات، حيث أظهرت إحصاءات النصف الأول من عام 2023 بأن نسبة ضبط قضايا المخدرات بلغت 574 قضية، كما تتكثف الجهود في اليوم السادس والعشرين من شهر يونيو من كل عام عند احتفائها باليوم الدولي لمكافحة استخدام المخدرات، إضافة إلى دور التشريعات الوطنية، حيث شدد قانون العقوبات عقوبة الاتجار في المخدرات لتصل إلى عقوبة الإعدام.
إلا أن مسألة تعاطي الشباب المخدرات هي موضوع من أهم مواضيع الشراكة المجتمعية التي يجب أن تتضافر في الخلاص منه جهود الجميع بدءًا من النواة المجتمعية الأولى –الأسرة- إذ عليها فرض رقابة على أبنائها حتى وإن كانت رقابة غير مباشرة، وحسن متابعة سلوك أبنائهم ورفقتهم لرصد أوضاعهم قبل أن تتفاقم مسألة الإدمان.
ومن ثم يأتي دور المجتمع ومنظمات المجتمع المدني وجميع مؤسساته الأهلية لنشر الوعي حول مخاطر وتبعات تعاطي المخدرات للحد من تفشي مثل هذه الآفة، بالإضافة إلى التعاون مع الجهة المختصة.
ومع تقديرنا للجهود الرسمية البارزة، نأمل من الإدارة المختصة بمكافحة المخدرات إعلان حربها عليها من كل الاتجاهات وبكل السبل، من خلال مراقبة الوسائل التي يتم بها ترويج المخدرات وأشهرها دفنها في مناطق تسلّمها، التي غالباً ما تكون في المناطق السكنية، والاستفادة من إفادات المتهمين في قضايا المخدرات والتي يشير فيها المتهم إلى مصدر تمويله بها وأكثرهم من الآسيويين المختصين في هذا الشأن، لمراقبتهم وقطع دابر هذه الفئة المفسدة في البلاد.
وأخيراً، الرسالة إلى الشباب، أنتم أمل المستقبل وأعمدة أساسية في بناء هذا الوطن وبناء المجتمعات، وربما لا تعلمون حجم تطلعات أسركم وآمالهم لكم ولمستقبلكم ولكنها كبيرة جداً ولا تحُدّها آفاق، كما أثق بأن لا أحد منكم يستطيع أن يتصور مقدار الألم والخيبة والمعاناة التي تصيب والديكم في حال إخفاقكم في إدارة شؤون حياتكم ومستقبلكم، وبأن مشاعر الألم هذه قد تتضاعف ملايين المرات إذا ما وقع فلذة كبدهم في شرك المخدرات، ووضعهم في دائرة القلق والخوف على حياته، سلامة عقله، سلامة جسده، استقرار أوضاعه، وسلامة مستقبله، فرفقاً.. رفقاً بقلوب ومشاعر آبائكم وأمهاتكم.
layalialshoug@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك