هذه قصة يعود تاريخها إلى بداية اتصالي بصحيفة أخبار الخليج عام (1976م)، وكان تاريخ ميلاد الصحيفة هو نفس تاريخ ميلادي ككاتب بدأ كتابة المقالات في صفحة (بأقلام القراء) التي كان يشرف عليها الأستاذ سيد حجازي، الصحفي بأخبار الخليج حتى صرت من كتاب الصحيفة المعتمدين رغم أني لم أكن من كتاب الصحيفة (الرسميين)، ويبدو أن استمراري في الكتابة أسبوعيًا لفت نظر الأستاذ محمد العزب موسى «مدير التحرير» فطلب من الأستاذ سيد حجازي رؤيتي، وعند مقابلتي للأستاذ محمد العزب موسى، أثنى على كتاباتي، كما أثنى على حماسي وطلب مني أن أكون أحد كتاب الصحيفة من الخارج، فلما حاولت أن أعتذر لأن ذلك ليس في إمكاني وأنا أخطو خطواتي الأولى في عالم الصحافة رفض الأستاذ محمد العزب موسى، وقال لي لو لم يكن في إمكانك ذلك لما اخترتك لهذا، وعرض علي أن أحرر يومية من يوميات الصحيفة التي بدأت الصحيفة بتخصيص كل يوم لأحد الصحفيين، وكنت الكاتب الوحيد من خارج الصحيفة الذي طلب منه الأستاذ العزب ذلك ربما لقناعته الشخصية، وطلب مني أن اختار يومًا في الاسبوع، فاخترت يوم الجمعة، وكانت اليومية التي أحررها بعنوان: «إسلاميات».
هذه كانت البداية في علاقتي غير الرسمية مع صحيفة أخبار الخليج عام 1976م، وكانت القصة التي سأرويها لكم بسبب مقالة نشرت لي في صفحتي الاسبوعية، وكانت بعنوان (في بيتي) وهي عرض لكتاب للأستاذ المفكر عباس محمود العقَّاد، الذي تعودت على أن أكتب عنه مقالة كل عام بمناسبة وفاته، هذه بداية القصة التي سوف أرويها لكم.
كنت في مبنى الصحيفة حيث كنت يوميًا أزور الأستاذ محمد العزب موسى في مكتبه، وكثيرًا ما كان اللقاء يمتد ساعات طويلة نتجاذب فيها أطراف الحديث ونناقش خلالها بعض القضايا الإسلامية، وفِي إحدى لقاءاتي بالأستاذ العزب، أعطاني رسالة من أحد القراء، ولما قرأت الرسالة وجدت صاحب الرسالة يتهمني بأنني سرقت المقالة التي كتبتها من كاتب نشر مقالته في إحدى أعداد مجلة العربي التي تصدر في دولة الكويت، صدمت لهذه التهمة التي أنا بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، كما يقولون في المثل، وأردت أن أقسم بالله العظيم على أني حتى لم أقرأ هذه المقالة في مجلة العربي، فقال الأستاذ العزب: لا تقسم، أنا أعرف أنك بريء، لكن لا بد من تفسير لهذا الاتهام، فإما أن تكون بريئًا وأنا واثق من ذلك أو أن هناك تعليلًا مقنعًا، وأنا بحكم موقعي لا أحكم بمقتضى علمي، بل لا بد من دليل مقنع، فطلبت منه أن يمهلني حتى الغد لأحضر المجلة وأتأكد من المقالة، وخرجت من مبنى الصحيفة وأنا في حالة نفسية سيئة، وبمجرد وصولي إلى البيت اتجهت مباشرة إلى غرفتي حيث أحتفظ فيها بأعداد مجلة العربي التي اشتريها بانتظام حتى عثرت على العدد المذكور ووجدت أن هناك تشابها في الفقرات، أو الاقتباسات التي اخترتها من كتاب العقَّاد وعزوت ذلك إلى اتفاق اختياراتي مع اختيارات صاحب المقالة المنشورة في مجلة العربي، وفي اليوم التالي حملت صورة من مقالتي ومجلة العربي وعرضتهما على الأستاذ العزب، وقلت له إن سوء الفهم الذي وقع فيه صاحب الرسالة أنه لم يقرأ كتاب العقَّاد، ولو فعل ذلك لأدرك أن السبب في التشابه بين المقالتين أنني وكاتب مقالة مجلة العربي اخترنا نفس الاقتباسات من الكتاب، وإذا كنت أنا سارقًا، فمن باب أولى كاتب المقالة التي نشرت في مجلة العربي هو السارق الأول، فاقتنع الأستاذ العزب، وقال: كنت أعلم هذا ولكن لا يكفي العلم في هذه القضية بل لا بد من الدليل، ثم قام الأستاذ العزب، مدير التحرير بالرد على القارئ، ونشر الرد في اليوم التالي، وحمدت الله تعالى على ذلك، وعلى ثقة الأستاذ محمد العزب موسى مدير التحرير في محلها، وتلوت في نفسي قوله تعالى: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون» البقرة/216.
هذه هي القصة، ولكن هل انتهت عند هذا الحد أم أن لها تتمة!! لم يدر في بالي أن هناك تتمة لهذه القصة حتى كنت في زيارة لأحد الأصدقاء، وكان من الكتاب الذين أنشر له مقالات في الصفحة التي أشرف عليها، وبينما كنا نتناقش في بعض المواضيع إذ دخل علينا أحد الإخوة، وهو شخص لا أعرفه وقال لي صديقي هذا فلان، وذكر اسمه الأول فقط، ثم عرفه علي فذكر له اسمي كاملا، وقال له هذا فلان المشرف على الصفحة الإسلامية، ثم فوجئت بسؤال صديقي لي عن الرسالة التي وصلت إلى الصحيفة، ويتهمني فيها كاتب الرسالة بأني سرقت مقالة نشرت في مجلة العربي، واستغربت من هذا السؤال وقلت في نفسي هذا سؤال ليس له مكان من الإعراب -كما يقولون- ورغم ذلك وجدتها مناسبة لأوضح اللبس الذي وقع فيه صاحب الرسالة، وانتهى الحديث على ذلك، ولما ودعت صديقي وأنا أستأذن بالخروج استوقفني صديقي وقال لي وهو يشير إلى الأخ الذي كان معنا: هذا فلان ابن فلان صاحب الرسالة التي كتبها عنك، وفوجئت بهذا ولُمت صدقي، وقلت لِمَ فعلت ذلك أما كان الأجدى منك أن تعرفني بالأخ ثم تفتح الموضوع للمناقشة؟! وقلت الحمد لله أنني لست سليط اللسان، ولا بذيء الكلام لأنه كان من الممكن أن أغضب لنفسي وأتفوه بكلمات أسيء فيها إلى أخٍ أتعرف عليه للمرة الأولى، فشعرت بحرج الأخ وهو يعتذر لي، ويتأسف لسوء الفهم الذي وقع فيه، وخرجت من عند صديقي وأن أفكر في المكيدة التي وضعني فيها هذا الصدِّيق.. وهذه هي تتمة القصة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك