العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لا تشكُ أمام سوداني من المرض

علمتني‭ ‬التجربة‭ ‬ألا‭ ‬أشكو‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬أمام‭ ‬سوداني،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬كاد‭ ‬يوديني‭ ‬في‭ ‬ستين‭ ‬داهية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬ولولا‭ ‬أن‭ ‬أدركتني‭ ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬ربي‭ ‬لكانت‭ ‬النصائح‭ ‬التي‭ ‬تلقيتها‭ ‬من‭ ‬أصدقائي‭ ‬وأقاربي‭ ‬السودانيين‭ ‬قد‭ ‬جعلتني‭ ‬من‭ ‬قوم‭ ‬‮«‬حضارات‭ ‬سادت‭ ‬ثم‭ ‬بادت‮»‬‭. ‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬مناقشة‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬سوداني،‭ ‬صونا‭ ‬لأذني‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬الشمع‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية،‭ ‬كوسيلة‭ ‬تجارية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬طوفان‭ ‬النظريات‭ ‬العرجاء‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الجدل‭ ‬السياسي‭ ‬السوداني،‭ ‬وتوقفت‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬إزالة‭ ‬الشمع‭ ‬من‭ ‬أذني،‭ ‬أي‭ ‬تعمدت‭ ‬أن‭ ‬أصيب‭ ‬نفسي‭ ‬بالصمم‭ ‬الجزئي‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬أعصابي‭ ‬وما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬قواي‭ ‬العقلية،‭ ‬لأن‭ ‬السياسة‭ ‬مجال‭ ‬‮«‬مشاع‮»‬‭ ‬والكلام‭ ‬فيها‭ ‬ببلاش،‭ ‬وعندنا‭ ‬سياسيون‭ ‬يقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يفعلون‭ ‬وحلاقيمهم‭ ‬مواسير‭ ‬بها‭ ‬تسرب‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬الضخ،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬أجعل‭ ‬صحتي‭ ‬موضع‭ ‬نظريات‭ ‬تجعلني‭ ‬فأر‭ ‬تجارب؟‭ ‬يفتح‭ ‬الله‭!!‬

مثلا‭ ‬كلما‭ ‬عانيت‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭ ‬هضمي‭ ‬نصحني‭ ‬اختصاصيون‭ ‬بتاع‭ ‬كله‭: ‬عليك‭ ‬بالروب‭ ‬والزبادي‭ (‬والروب‭ ‬عندنا‭ -‬وهو‭ ‬الصحيح‭- ‬هو‭ ‬اللبن‭ ‬الحامض‭ ‬الرائب‭ ‬الذي‭ ‬يسميه‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭ ‬لبن‭ ‬بينما‭ ‬يسمون‭ ‬الزبادي‭ ‬روب‭) ‬عليك‭ ‬بهذه‭ ‬وتلك‭ ‬وبطنك‭ ‬تشتغل‭ ‬زي‭ ‬المرسيدس،‭ ‬واتبعت‭ ‬النصيحة‭ ‬وانتهى‭ ‬بي‭ ‬الأمر‭ ‬نزيل‭ ‬المستشفى،‭ ‬والله‭ ‬لا‭ ‬وراكم‭ ‬منظار‭ ‬القولون،‭ ‬ورجح‭ ‬الأطباء‭ ‬إصابتي‭ ‬بمرض‭ ‬اسمه‭ ‬السراتيف‭ ‬كولايتس،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬الطبيب‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬المرض‭ ‬يصيب‭ ‬عادة‭ ‬اليهود‭ ‬الغربيين،‭ ‬وأنه‭ ? ‬شفاء‭ ‬منه‭.. ‬يعني‭ ‬‮«‬يودي‭ ‬وما‭ ‬يجيب‭!‬‮»‬‭ ‬صحت‭: ‬الدوام‭ ‬لله‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭.. ‬جيت‭ ‬الخليج‭ ‬‮«‬تكوّن‭ ‬نفسك‮»‬‭ ‬لقيت‭ ‬نفسك‭ ‬مكوم‭ ‬في‭ ‬مستشفى،‭ ‬ومن‭ ‬أصل‭ ‬يهودي‭. ‬والتقطوا‭ ‬من‭ ‬قولوني‭ ‬عينة‭ ‬وبعثوا‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مختبر‭ ‬في‭ ‬كندا‭. ‬ويا‭ ‬للسعادة‭: ‬طلعت‭ ‬براءة‭ ‬من‭ ‬السراتيف‭ ‬كولايتس،‭ ‬وعرفت‭ ‬فيما‭ ‬عرفت‭ ‬أن‭ ‬أساس‭ ‬كل‭ ‬المصائب‭ ‬التي‭ ‬أعاني‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬حساسية‭ ‬اللاكتوز،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬أمعائي‭ ? ‬تحتمل‭ ‬سكر‭ ‬اللبن‭/‬الحليب‭ ‬ومشتقاته‭. (‬كل‭ ‬العرب‭ ‬سيم‭ ‬سيم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التشخيص‭ ‬والعلاج‭ ‬بالفهلوة‭).‬

تسمى‭ ‬موريتانيا‭ ‬بلد‭ ‬المليون‭ ‬شاعر،‭ ‬والجزائر‭ ‬بلد‭ ‬المليون‭ ‬شهيد،‭ ‬وهناك‭ ‬إربد‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬جميع‭ ‬سكانها‭ ‬في‭ ‬الجيش،‭ ‬ويسميها‭ ‬الأردنيون‭ ‬بلد‭ ‬المليون‭ ‬عريف،‭ ‬أما‭ ‬السودان‭ ‬فبلد‭ ‬الثلاثين‭ ‬مليون‭ ‬سياسي‭. ‬سعيد‭ ‬ومبارك‭ ‬عليكم،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬الجدل‭ ‬السياسي‭ ‬يستفزني،‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أتنرفز‭ ‬إذا‭ ‬سمعت‭ ‬للمرة‭ ‬الألف‭ ‬أن‭ ‬حال‭ ‬البلد‭ ‬لن‭ ‬ينصلح‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬‮«‬يمسكها‮»‬‭ ‬فلان‭ ‬الفلتكاني،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لن‭ ‬تتم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يصبح‭ ‬جافر‭ ‬أباس‭ ‬محافظا‭ ‬لبنك‭ ‬السودان‭ ‬المركزي،‭ ‬وأن‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬أو‭ ‬حمدوك‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيقودنا‭ ‬نحو‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬ويمنحنا‭ ‬الحريات‭ ‬بالدُّش‭ ‬وليس‭ ‬بالقطارة‭.‬

ولكن‭ ‬أن‭ ‬أشكو‭ ‬من‭ ‬ورم‭ ‬أو‭ ‬خراج‭ ‬في‭ ‬اللثة‭ ‬فيتطوع‭ ‬أحدهم‭ ‬بنصحي‭ ‬بأن‭ ‬أشرب‭ ‬ملعقة‭ ‬زيت‭ ‬خروع‭ ‬مخلوطة‭ ‬بلبن‭ ‬تيس،‭ ‬ويقاطعه‭ ‬آخر‭ ‬بأن‭ ‬أمسح‭ ‬موضع‭ ‬الورم‭ ‬بفيكس‭ ‬مخلوط‭ ‬بالثوم‭.. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أطيقه‭!! ‬بعضهم‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ويعطيك‭ ‬قرص‭ ‬دواء‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬ابلع‭ ‬هذه‭ ‬وستشعر‭ ‬بتحسن‭ ‬فوري‭ ‬وبالفعل‭ ‬يختفي‭ ‬الألم،‭ ‬بل‭ ‬بكل‭ ‬يختفي‭ ‬الإحساس‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬حولك،‭ ‬لأنه‭ ‬أعطاك‭ ‬قرص‭ ‬بنسلين‭ ‬وأنت‭ - ‬تدري‭ ‬أنك‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬حساسية‭ ‬البنسلين‭ ‬وتدخل‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬قد‭ ‬تجيب‭ ‬أجلك،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ينتبه‭ ‬أحدهم‭ ‬إلى‭ ‬حالتك‭ ‬ابتداء‭ ‬بهرش‭ ‬وحك‭ ‬الجلد‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬انقطاع‭ ‬النَّفَس‭.‬

ويذكرني‭ ‬التنظير‭ ‬السوداني‭ ‬العشوائي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التداوي‭ ‬بفلاح‭ ‬تركي‭ (‬كتبت‭ ‬عنه‭ ‬كثيرا‭) ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أضراسه،‭ ‬وكما‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬الشرائح‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عندنا‭ ‬فقد‭ ‬نصحه‭ ‬أحدهم‭ ‬بشرب‭ ‬الخمر‭ ‬البلدية‭ (‬العرق‭)‬،‭ ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬جماعة‭ ‬العرق‭ ‬يتعصبون‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تعصبهم‭ ‬للأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬أندية‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬فهو‭ ‬عندهم‭ ‬علاج‭ ‬للإمساك‭ ‬والإسهال‭ ‬والسكري‭ ‬وارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬وهو‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الفياجرا‭ ‬ويحتوي‭ ‬على‭ ‬فيتامين‭ ‬بي‭  ‬وسي‭ -‬‮«‬دبليو‭ ‬سي‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬أتى‭ ‬الفلاح‭ ‬التركي‭ ‬بزجاجة‭ ‬عرق‭ ‬وشفط‭ ‬محتوياتها‭ ‬بالكامل‭ ‬ولكن‭ ‬ضرسه‭ ‬ظل‭ ‬ينبح‭ ‬وينقح،‭ ‬ومن‭ ‬ميزات‭ ‬الخمر‭ ‬أنها‭ ‬تجعل‭ ‬الشارب‭ ‬ميالا‭ ‬إلى‭ ‬الخلق‭ ‬والإبداع‭ ‬والابتكار،‭ ‬واهتدى‭ ‬الرجل‭ ‬إلى‭ ‬طريقة‭ ‬ناجعة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬الضرس‭: ‬أتى‭ ‬بمسدسه،‭ ‬ووضع‭ ‬فوهته‭ ‬على‭ ‬الضرس‭ ‬الوقح‭ ‬وضغط‭ ‬على‭ ‬الزناد،‭ ‬وارتاح‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬الضرس‭ ‬والحياة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا