خلال العام ونصف العام الماضيين ساد سوق الطاقة العالمي حالة من عدم اليقين، بشأن اتجاهات الطلب على المدى القصير والطويل، مع التحذيرات من الركود العالمي، وهو ما ساهم في الانخفاض المُطَّرِد في سعر برميل النفط الخام من 120 دولارًا للبرميل في يونيو 2022، لينخفض لاحقًا إلى 78 دولارًا في ديسمبر 2022، ثم إلى 70 دولارًا فقط بحلول يونيو 2023.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، لم تتمكن جهود مجموعة «أوبك بلس»، من الحد من هذا الانخفاض مع إقرار خفض في إنتاج النفط المشترك؛ بهدف الحد من هبوط الأسعار. ومنذ أن فرضت أول سلسلة من التخفيضات الرئيسية لإنتاج النفط في أكتوبر 2022، بمقدار 2 مليون برميل يوميًا، لا يزال سعر التداول الدولي لخام برنت منخفضًا بنحو 20%، مع خفض إضافي للإنتاج قدره 1,6 مليون برميل، تمت إضافته يوميًا في أبريل 2023، وانخفاض طوعي للإنتاج بمقدار مليون برميل يوميًا من قبل «السعودية»، في صيف عام 2023.
ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن جميع مصدري الطاقة يواجهون انخفاضًا في الإنتاج والأرباح. وعلى العكس، تمكنت «إيران»، و«روسيا» -وهما تخضعان لعقوبات اقتصادية صارمة من قبل الغرب- من تعزيز تجارتيهما في النفط والغاز الطبيعي من خلال بيع الصادرات المخفضة إلى المشترين من قارة آسيا. ومن خلال القيام بذلك، لم يتعاونا فقط للتهرب من الرقابة الدولية، ولكن أيضًا -على حد تعبير «جوليان جيجر»، في مجلة «أويل برايس»- خلق نشاط البلدين «تهديدًا جديدًا» لأعضاء «أوبك»، في «قبضتهم على السوق»، بما في ذلك دول الخليج، وعلى السياسة النفطية المستقبلية والجهود المبذولة لدعم الأسعار لحماية المصالح الاقتصادية المتبادلة لمصدري الطاقة.
وفي حالة «إيران»، فإنه على الرغم من أن «الولايات المتحدة»، تفرض حاليًا عقوبات صارمة على قدرتها على تصدير إنتاجها النفطي في سوق التجارة الدولية المشروعة؛ فقد لوحظ أن حجم صادراتها قد ارتفع رغم ذلك في الأشهر الأخيرة. وفي منتصف عام 2023، بلغت صادراتها النفطية أعلى مستوى لها في خمس سنوات. وأوضح «بينوا فوكون»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أنها أضافت «كميات كبيرة من النفط الخام المخفض إلى سوق الطاقة العالمية التي تكافح بالفعل وسط مخاوف بشأن الطلب».
ووفقًا لشركة «كبلر»، بلغ إجمالي شحنات النفط الإيرانية في مايو 2023، ما يقرب من 1,5 مليون برميل يوميًا، وهو ما يشير إلى تضاعف حجم صادراتها مقارنة بعام 2022، وبذلك تكون أعلى مستوى لتصدير النفط منذ فرضت «إدارة ترامب» مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية عليها عام 2018. وفيما يتعلق بمستويات إنتاجها، صرحت «طهران»، بأنها زادت إنتاجها من 2,5 مليون برميل يوميًا في 2018، إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا في 2023.
وفي ظل إشارة «البنك الدولي»، إلى أن الاقتصاد الإيراني يتسم منذ فترة طويلة «بالتضخم المرتفع»، وهو ما أدى بدوره «إلى انخفاض كبير في القوة الشرائية للأسر»، فضلاً عن فرص عمل «غير كافية» «لاستيعاب تدفق أعداد كبيرة من الشباب إلى سوق العمل»؛ فقد أوضح «فوكون»، أن مبلغ 28 مليار دولار، الذي كسبته إيران من مبيعات النفط الخام في مارس 2023، قدم «شريان حياة» ماليًا لها.
وحول آليات تمكن «طهران»، من زيادة صادراتها مع تعرضها لعقوبات خارجية، فقد تمت الإشارة إلى عدم وجود رقابة وعقاب من قبل «إدارة بايدن»، التي تحرص على استعادة الاتفاق النووي؛ لكبح طموحاتها النووية المتسارعة. وأشار «بوبي غوش»، من وكالة «بلومبرج»، إلى أن «واشنطن»، «تعرض عليها تصدير المزيد من النفط، في حال ما إذا كانت ستحد من مستويات تخصيب اليورانيوم لديها، وتتعاون بشكل كامل مع المراقبين النوويين التابعين للأمم المتحدة». علاوة على ذلك، اقترحت «سارة فاخشوري»، من مؤسسة «إس في بي إنرجي إنترناشونال»، أن العقوبات الغربية الحالية ضد صادرات النفط الإيرانية، ربما «لا يتم تنفيذها أو مراقبتها بالكامل»، مع عملية نقل النفط الخام حاليًا في «السوق السوداء»، حيث «لا توجد شفافية»، أو مراقبة دولية فعالة.
وهناك عامل آخر يُمكن «إيران»، من زيادة صادراتها النفطية، هو «التعاون في التهرب من العقوبات مع روسيا»، التي نجحت في نقل قاعدتها الاستهلاكية الأوروبية التقليدية لمنتجات النفط والغاز، إلى العملاء في «الصين»، و«الهند»، نتيجة خضوعها لعقوبات غربية. بالإضافة إلى ذلك، هناك ناقلات النفط في «أسطول الأشباح الإيراني». وأشار «كريس كوك»، و«ديفيد شيبرد»، في صحيفة «فاينانشال تايمز»، إلى «السفن التي تخفي ملكيتها وتحركاتها من أجل تسهيل انتهاكات العقوبات»، والتي تنقل صادرات الطاقة الروسية عن طريق البحر، وشبكات السكك الحديدية، كما تم استغلالها بين «موسكو»، و«طهران»، للتهرب من العلاقات الدولية خلال عمليات نقل النفط والغاز.
وكما في الحالة الإيرانية، أشار «فوكون»، إلى أن «الشحنات الروسية الرخيصة»، قد غمرت سوق الطاقة العالمي، منذ أن فُرضت العقوبات الغربية على «موسكو»، جراء حربها بأوكرانيا في فبراير 2022، مما أثر على الحصة السوقية لدول الخليج. وفي عام 2022، ارتفعت واردات «الصين»، من النفط الخام الروسي بنسبة 8%، بما يعادل 1,72 مليون برميل من النفط يوميًا. في حين أوضحت «صوفي لاندرين»، في صحيفة «لوموند»، أن طلبات «الهند»، من النفط الروسي «زادت 22 ضعفًا» العام الماضي، مع استيرادها ما معدله 1,64 مليون برميل يوميا.
وفيما يتعلق بصادرات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب «قوة سيبريا»، المملوك لشركة «غازبروم»، الروسية، فقد بلغ إجماليها إلى الصين 15,5 مليار متر مكعب في عام 2022، ومن المقرر أن ترتفع إلى 22 مليار متر مكعب في عام 2023. وبينما تعهدت «موسكو»، بخفض أرقام إنتاجها بمقدار 500,000 برميل يوميًا، وفقًا للخفض الطوعي -المذكور أعلاه والبالغ مليون برميل يوميًا- فقد أشارت «روكساندرا يورداتش»، من شبكة «سي ان بي سي»، إلى كيف تظل «الأسئلة» من مراقبي الصناعة حول ما إذا كانت ستتصرف وفقًا لتعهداتها، خاصة وأنها قد علقت نشر الإحصاءات الرسمية لإنتاج النفط والغاز الطبيعي ومكثفات الغاز حتى أبريل 2024.
ومع إشارة وكالة «رويترز»، إلى أن مبيعات النفط الروسية الأرخص ثمنا، وفرت مدخرات للصين تبلغ «حوالي 5 مليارات دولار»؛ فإنه من المتوقع وجود تأثير غير مباشر على صادرات دول الخليج إلى شرق آسيا. ومع قيام «طهران»، ببيع النفط للمشترين في الصين بسعر مخفض يبلغ 30 دولارًا فقط للبرميل؛ فقد استشهد «فوكون»، بأن «بكين» الآن هي «العميل الأول» لها لمبيعات النفط المخفضة؛ ما يجعل زيادة الصادرات الإيرانية تهدد السوق الراسخة لدول الخليج في منطقة شرق آسيا.
ووفقًا لبيانات شركة «كبلر»، استوردت «الصين» في مايو 2023، ما يقرب من 360 ألف برميل من النفط الخام الإيراني يوميًا، بزيادة قدرها 100,000 برميل تقريبًا عن عام 2022. ومع ذلك، أوضح المراقبون أن الرقم الفعلي «أعلى بكثير على الأرجح»؛ بسبب «الطبيعة السرية»، التي تكتنف عمليات التصدير في طهران، وكيف يتم شحنها عبر مجموعة مختارة من دول الشرق الأوسط وآسيا.
علاوة على ذلك، فإن زيادة «إيران»، صادراتها النفطية الرخيصة إلى آسيا، قد تؤثر على خطط دول الخليج للتنمية الاقتصادية المحلية. ومع إشارة «فوكون»، إلى أن «المملكة العربية السعودية تحتاج إلى نفط يزيد على 80 دولارًا للبرميل؛ لتمويل برنامجها الاقتصادي التوسعي»، رأى أن «الزيادة» في صادرات النفط الإيرانية، «تهدد جهود المملكة والشركات الكبرى، ومنتجي النفط الخام لدعم الأسعار عن طريق خفض الإنتاج»، وتوفير استقرار مالي طويل الأجل لتغطية فترة التنويع الاقتصادي التي يمرون بها.
وبالنسبة لتحالف «أوبك»، الذي تقوده «الرياض»، كتبت «جيجر»، أن صادرات إيران المتزايدة تشكل تحديًا متزايدًا «لسيطرة المنظمة على سوق النفط». وبدلاً من «عودة مفاجئة» للنفط الإيراني بشكل جماعي، أشارت «جيجر»، إلى أن نمط «التدرج البطيء»، سيكون مرجحًا، حيث يُعتقد أن لدى طهران قدرة إنتاجية إضافية تبلغ مليون برميل أخرى من النفط يوميًا.
وبالتالي، على الرغم من أن «إيران»، هي نفسها عضو في «أوبك»، فقد رأى «فوكون»، أن فرض العقوبات الأمريكية يعني تعليق حصتها من الإنتاج، كما أن سياساتها الآن «تقوض من المحاولات لإبقاء الأسعار أعلى من خلال الحد من الإنتاج». علاوة على ذلك، أشارت «جيجر»، إلى أن اتفاقًا بشأن تطلعات طهران النووية من شأنه أن يمنحها على الأرجح «الإذن باستئناف الصادرات» للسوق الدولية، مع توقعات بشأن «تدفق محتمل للنفط الإيراني إلى السوق»؛ مما يؤدي إلى «إحداث مأزق بأسواق النفط العالمية».
ومع ذلك، فإن زيادة الإنتاج من إيران ليست الديناميكية الوحيدة المؤثرة. وقدّر محللون من مصرف «جي بي مورغان»، أن حالة الإمداد داخل «أوبك بلس»، تنمو «خارج الأعضاء الأساسيين»، حيث ساهمت «فنزويلا»، و«نيجيريا»، جنبًا إلى جنب مع «طهران»، في زيادة بنحو 600 ألف برميل يوميًا من أحجام الإنتاج خلال نوفمبر 2022.
وحول كيفية استجابة «أوبك» لهذه التحديات. ففي حين وافقت المجموعة في يونيو 2023 على بدء تخفيضات بقيمة 1,4 مليون برميل من النفط يوميًا لعام 2024، وأضافت السعودية «خفضًا اختياريًا» آخر قدره 500,000 برميل في محاولة لدعم الأسعار، فقد لاحظ المراقبون مشاكل طويلة الأجل في كيفية استدامة تخفيضات الإنتاج المتكررة في محاولة للحفاظ على الأسعار عند مستوى 80 دولارًا للبرميل. وعلى سبيل المثال، أشارت «جيجر»، إلى كيفية تحمل «الرياض»، «العبء الأكبر»، بشأن تخفيضات الإنتاج داخل «أوبك»، حتى الآن.
ومع تسجيل «كارستن فريتش»، من «كومرتس بنك»، كيف جاء التعافي الاقتصادي الصيني من القيود المفروضة على وباء كورونا العام الماضي، «بطيئًا أكثر مما كان متوقعا»؛ فقد قدرت مجموعة «أوراسيا»، أن تخفيضات الإنتاج الإضافية من المنظمة، «لن تؤدي الكثير لتغيير الهبوط» في سوق الطاقة العالمية.
على العموم، فإن نمو صادرات النفط الإيرانية، إلى جانب استمرار بيع روسيا للمنتجات الهيدروكربونية المخفضة إلى «الصين»، و«الهند»، يمثل مشكلة لأعضاء أوبك، الذين يسعون إلى الحفاظ على سعر النفط فوق 80 دولارًا للبرميل. إلى جانب ذلك، انعكس ذلك في قيام الخبراء والمنظمات بتقديم تنبؤات بشأن انخفاض الطلب والإنتاج خلال الفترة المتبقية من عامي 2023 و2024. أما عن كيفية استجابة «المنظمة»، فهناك دعم لفكرة أنه لا يمكن الاتفاق على سياسة تخفيضات الإنتاج وحدها، خاصة إذا كانت تعتمد بشكل شبه كامل على السعودية ودول الخليج الأخرى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك