بناءً على دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، كان انعقاد القمة الأولى لمجلس التعاون الخليجي، ودول آسيا الوسطى (أوزبكستان ــ تركمنستان ـــ كازاخستان ــ طاجيكستان ــ قرغيزستان) في جدة يوم 19 يوليو، برئاسة ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، وحضور قادة دول مجلس التعاون، وأمينه العام وقادة هذه الدول.
وكان الاجتماع الأول رفيع المستوى بين هاتين المجموعتين، قد عُقد في العاصمة الكازاخية «آستانا» يوم 12 أكتوبر2021، وتم خلاله توضيح أهمية التعاون بينهما، والتعبير عن الرغبة في بدء حوار استراتيجي، وهو ما أسس له المؤتمر الوزاري لوزراء خارجية المجموعتين في 7 سبتمبر 2022، نحو تأسيس شراكة مستقبلية قوية وطموحة بين دولهم وشعوبهم، وتم اعتماد خطة العمل المشتركة (2023 – 2027)، التي تتسع للمجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاستثمارية، والتواصل الشعبي وشراكات قطاع الأعمال.
وفيما تتعدد مستويات الأمن الخليجي، فتشمل الجوار المباشر، والإطار الإقليمي الموسع، والمستوى الدولي، وفي حين يشمل الجوار المباشر، الدول التي يجمعها بدول الخليج صلة جغرافية مباشرة، وتؤثر عليها أمنيًا بشكل مباشر، وتشمل هذه الدول، «إيران، والعراق، واليمن»؛ فإن هذا الجوار يدعمه مستوى آخر هو الإطار الإقليمي الموسع، الذي يتمثل في جميع الدول المحيطة بالخليج، سواء في منظومة البحر الأحمر أو المتوسط أو شبه القارة الهندية، إضافة إلى دائرة القوقاز ودائرة آسيا الوسطى، التي تشمل هذه الدول الخمس إضافة إلى أفغانستان.
وقبيل انعقاد هذه القمة، قام أمير قطر الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» في يونيو 2022 بجولة آسيوية شملت زيارة أربعة من هذه الدول هي «أوزبكستان ـــــ كازاخستان ـــــ طاجيكستان ــــــ قرغيزستان»، كما استقبل ولي العهد السعودي، الرئيس الكازاخستاني «قاسم جومارت في الرياض في يوليو 2022. وفي الشهر التالي استقبل الرئيس الأوزباكستاني «شوكت مير ضايف». وفي يناير2023، قام الرئيس الكازاخستاني بزيارة رسمية للإمارات، وفيما ترجع العلاقات التاريخية والثقافية بين المجموعتين إلى قرون عدة، فإن العلاقات الدبلوماسية قامت بينهما في أعقاب استقلال دول آسيا الوسطى عن الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ومن المعلوم، أن دول آسيا الوسطى الخمس، تمتد على مساحة تتجاوز أكثر من أربعة مليون كم2، بعدد سكان يربو على 73 مليون نسمة، فيما يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 300 مليار دولار، ولدى هذه الدول احتياطات كبيرة من المعادن والنفط والغاز والفحم والمياه، وأكبر اكتشافات الغاز كانت في تركمنستان وكازاخستان، فيما تمتلك طاجيكستان نحو 60% من منابع المياه في هذه المنطقة، التي غدت محل تنافس بين القوى الدولية والإقليمية، بل إن من القوى الإقليمية غير العربية ما تعتبرها امتدادا جغرافيا وثقافيا لها.
وفي حين أن علاقات دول آسيا الوسطى بدول الخليج، كانت تكاد تقتصر على المساعدات والدعم من قبل الأخيرة، سواء من خلال «الصندوق الكويتي لتنمية جمهوريات آسيا الوسطى»، أو «الصندوق السعودي للتنمية»، أو«منصة المساعدات السعودية»؛ إلا أنه مع التطور الذي أخذت تسير فيه هذه الدول، فقد بدأت العلاقات بينهما تتجه نحو الاستثمار والشراكات الاقتصادية، كاستثمارات «صندوق الاستثمارات العامة السعودي»، في كازاخستان، واتفاقية شركة «أكوا باور» السعودية في مارس الماضي، مع وزارة طاقة كازاخستان، و«صندوق الثروة السيادي الكازاخي»، لبدء وإدارة مشروع إنشاء محطة لإنتاج طاقة الرياح، وتخزين الطاقة المتجددة، بحجم استثمارات أولية بلغ 1,5 مليار دولار، وقد حصدت «أوزبكستان»، استثمارات سعودية بقيمة 14 مليار دولار، وإماراتية بقيمة نحو 3 مليارات دولار، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين المجموعتين نحو 3,1 مليارات دولار.
وعليه، غدت دول آسيا الوسطى، تمثل «مشهدًا اقتصاديًا واعدًا»، ينمو بوتيرة سريعة، حتى غدا المستثمرون يصفونها بـ«الحصان الرابح»، الذي يجب أن يُراهن عليه. ويُذكر أن «تركمنستان»، هي رابع دولة عالميًا في احتياطيات الغاز الطبيعي، ولهذا جاء البيان الختامي للقمة، يؤكد أهمية تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية بين الجانبين على المستويين الجماعي والثنائي، بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتعزيز مواجهة التحديات، فضلاً عن أهمية الحوار والشراكة نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات، بما فيها الأمني، والاقتصادي، والاستثماري، والتجاري، والتعليم، والصحة، والشباب، والسياحة، والرياضة، والإعلام، والثقافة، وفق خطة العمل المشتركة بين الجانبين (2023 – 2027).
واتصالاً بتطوير مصادر جديدة للطاقة، شددت «القمة»، على تعزيز التعاون في مجال الاقتصاد الأخضر، والرقمي، والابتكار، والتكنولوجيا الخضراء، فيما رحبت باستضافة «السعودية»، منتدى الاستثمار بين الجانبين في الربع الأخير لعام 2023، ومبادرتي «تركمنستان»، و«قرغيزستان»، استضافة منتدى الاستثمار في 2024.
وفيما شهد عام 2022، اجتماعات على المستويات الوزارية والفنية بين الجانبين للحوار الاستراتيجي، والتعاون في المجالات الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والصحة، والثقافة، والتعليم، والشباب، والسياحة، والإعلام، والرياضة؛ فقد حثت «القمة»، الجهات المعنية على اتخاذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ الفوري لخطة العمل المشتركة، واستمرار بذل الجهود لتعزيز التعاون في هذه المجالات من خلال المؤسسات المالية والاقتصادية، وقطاعات الأعمال؛ بما يحقق التكامل والمنفعة المتبادلة.
ودعما لهذه الخطوات، أكد القادة دعمهم لترشيح «السعودية»، لاستضافة «اكسبو2030» في الرياض، وبذل كل الجهود لدعم هذا الترشيح، أخذًا في الاعتبار، أن تنظيم المعارض الدولية والإقليمية والمشاركة فيها، يعزز التعاون الاقتصادي والثقافي بين الجانبين، فيما أكدوا أيضا على استمرار التعاون في كل المحافل والمنظمات الدولية، كصندوق النقد والبنك الدوليين؛ لمواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.
وفي واقع الأمر، جاء انعقاد هذه القمة في وقت تتزايد فيه مظاهر الكراهية ضد أقليات ورموز إسلامية في بعض المجتمعات الغربية. وعليه، فإنه في مواجهة خطاب الكراهية والتمييز ضد الأقليات والرموز الإسلامية، أكد قادة المجموعتين في بيان القمة الختامي يوم 19 يوليو، على أن التسامح والتعايش السلمي هما من أهم القيم والمبادئ للعلاقات بين الأمم والمجتمعات، مرحبين في هذا الشأن بقرار «مجلس الأمن»، رقم «2686»، الذي أقر بأن خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من أشكال التعصب والتمييز بين الجنسين وأعمال التطرف، يمكن أن يسهم في اندلاع النزاعات وتصعيدها وتكرارها.
وفيما تستضيف دول الخليج على أرضها بشرًا من كل جنسيات العالم، يتعايشون فيها معًا في إطار من التسامح والمودة؛ فقد أعرب قادة المجموعتين عن قلقهم إزاء تزايد خطاب العنصرية والكراهية، وأعمال العنف ضد الرموز والأقليات الإسلامية، وأثنوا على نتائج وأهداف مؤتمر قادة الأديان العالمية والتقليدية، الذي يُعقد في كازاخستان منذ عام 2003؛ لمناقشة المبادئ التوجيهية العالمية لتحقيق الاحترام والتسامح بين الأعراق والأديان ونتائج ملتقى البحرين 2022 للحوار من أجل التعايش الإنساني، تحت رئاسة جلالة الملك «حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين»، وبالتعاون مع شيخ الأزهر، وبابا الفاتيكان.
وفي الوقت الذي شددت فيه «القمة» على إدانة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وتجفيف مصادر تمويله؛ فقد أشارت أيضا إلى نتائج مؤتمر العاصمة الطاجيكية «دوشانبة»، رفيع المستوى، بشأن التعاون الدولي والإقليمي في مجال تعزيز أمن الحدود وإدارتها، ومنع حركة الإرهابيين، والذي عُقد يومي 18، 19 أكتوبر 2022، والاجتماع الوزاري للتحالف العالمي ضد داعش، الذي انعقد بالرياض في 8 يونيو 2023.
علاوة على ذلك، أشاد قادة المجموعتين، بما تحقق في مواجهة ظاهرة «التغير المناخي»، خاصة أن القمة تنعقد في وقت يشهد فيه العالم موجة جديدة من تزايد الاحترار، حيث جددوا دعمهم لاحتضان «الإمارات»، مؤتمر «كوب28»، وأكدوا مبادئ وأحكام اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية باريس، خاصة فيما يتعلق بالإنصاف والمسؤوليات المشتركة، وضرورة أن يراعى في تنفيذ الاتفاقيتين الأثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية الناجمة عن تدابير الاستجابة، خاصة على الدول النامية الأكثر عرضة لها، فيما يعد «كوب28»، فرصة لتقييم هذه المسائل، والتقدم المحرز في جهود تنفيذ هذه الاتفاقات، مع تأكيدهم على تعزيز التعاون البيئي والمناخي، وحماية الأنهار الجليدية والموارد المائية، وجذب الاستثمارات لآسيا الوسطى؛ لتعزيز تكيفها مع التغيرات المناخية.
وفي حين يتطلع القادة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، فقد أكدوا على أهمية تطوير طرق النقل المتصلة بينهما، وبناء شبكات لوجستية وتجارية متقدمة. ويرتبط بالتعاون الاقتصادي، التعاون في مجالات التعليم العالي، والبحث العلمي، والتدريب المهني، وبين الجامعات، وفي المجالات الصحية والثقافية، وإلى هذا فقد أشاروا إلى مبادرة «كازاخستان»، لإنشاء هيئة صحية متعددة الأطراف في الأمم المتحدة، وهي الوكالة الدولية للسلامة البيولوجية، التي تم إعلانها في الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتسهم في الوقاية من التهديدات البيولوجية، وتبادل البيانات حول الأمراض الخطرة.
ودعمًا للروابط الثقافية للعلاقات الخليجية بدول آسيا الوسطى، أكد قادة المجموعتين على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي المشترك، وتعزيز التعاون الثقافي والإعلامي، وتشجيع الحوار الثقافي، وتعزيز فرص التعاون ذات الصلة، فضلاً عن التعاون في مجال الشباب والرياضة، والذي يمثله في هذا العام استضافة «قطر»، مباريات كأس آسيا 2023.
وفيما يتعلق بتعزيز التعاون بين «منظمة التعاون الإسلامي»، ومؤسساتها وهيئاتها، فقد أشار القادة إلى أن أجزاء من العالم الإسلامي، تواجه انعدام الأمن الغذائي؛ نتيجة الأوضاع الجيوسياسية والجيواقتصادية، ما يقتضي ضرورة التعاون ودعم جهود المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي، لضمان وصول الإمدادات الغذائية إلى البلدان المحتاجة.
على العموم، تنعقد هذه القمة على مقربة من قمة «مجلس التعاون الخليجي»، مع «منظمة الآسيان»، التي تنعقد في نهاية هذا العام، مؤكدة انفتاح المجلس على شراكات مع مختلف تكتلات المجتمع الدولي، بما يعزز مكانته عالميًا، ومن الجدير بالذكر أن هذه القمة، لم تقتصر على تناول المسائل المشتركة بين المجموعتين فقط، لكنها تناولت أيضًا القضايا الدولية، مؤكدة احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي الوقت ذاته، أكدت أن بوصلة تحرك المجموعة الخليجية هي الانحياز لما يحقق مصالحها في عالم يموج بالصراعات، وبناء التعاون على ما يربط الشعوب من صلات وفرص تنموية واعدة تحقق المصالح المتبادلة، وبما يعزز دورها الإنساني العالمي المتسم بروح المسؤولية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك