كانت جلسة مجلس الوزراء الاخيرة التي حضرها الرئيس جمال عبدالناصر أشبه بجلسة الوداع. في هذه الجلسة ركز الرئيس على مناقشة كل ما يهم المصري، حيث كانت كلماته وصية أخيرة لكل وزير، قال الرئيس جمال: أنا لا أريد أن أسمع شكاوى من الناس، وعلى الوزراء أن يهتموا بمشكلات الشعب وأن يضعوا لها الحلول في حينها، قال الرئيس مكررا لا بد أن نعمل، ولا بد من الاستجابة لكل مشكلات الشعب، لا بد من فتح باب الأمل أمام الناس، ولا بد أن يكون هناك أمل في أن يأتي اليوم الذي تختفي فيه المشكلات، لا أن أسمع شكاوى عن اختفاء أي مادة غذائية أساسية كما قلت في شهر رمضان الفضيل.
وتابع الرئيس جمال عبدالناصر حديثه للوزراء قائلا: «الميه لازم مشكلتها تنحل، لا أريد أن أسمع أي كلام عن الميه في السنين القادمة كما أريد أيضا، والكلام للرئيس، تقريرا كاملا عن حالة المستشفيات، هل يستقبلون المرضى كويس؟ وهل الكشف الذي بيعملوه على المرضى يؤدي الى اكتشاف أمراضهم؟ والدواء الذي يصرف لهم: هل هو حاسم في علاجهم، أنا أريد المرضى الذين يترددون على المستشفيات يلاقوا معاملة جيدة، وكشف حقيقي للدواء وفاعليته».
كان هذا أسلوب الرئيس عبدالناصر للوزراء ومناقشته لهم، وكان الرئيس في كل لقاء مع أي مسؤول وفي أي مكان يسأله عن كل الاحوال، ومعروف لدى الجميع ففي خلال الأيام العشرة الاخيرة من حياة الزعيم جمال عبدالناصر شهد مطار القاهرة الدولي نشاطا تعود عليه في فترات كثيرة طوال حكمه، فقد كانت أزمة الاقتتال في الاردن قد تفجرت، ونادت تونس بضرورة عقد مؤتمر قمة للملوك والرؤساء العرب، وتحمس الرئيس للفكرة التونسية وبدأت وفود البلاد العربية تصل تباعا إلى القاهرة، وكان الرئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية والوزراء في استقبال الملوك والرؤساء العرب في مطار القاهرة الدولي. كان الرئيس ينتظر وصول أحد الضيوف واقترب عبدالمحسن أبو النور، عضو اللجنة التنفيذية العليا من السيد الرئيس وقال له: إنني ألاحظ أنك مجهد والله يكون في عونك، فقال الرئيس كل شيء يهون في سبيل منع سفك الدماء العربية، وكل شيء يهون من أجل الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، ثم أضاف الرئيس بتأثر واضح، لا بد من حسم هذا الأمر ووضع حد للدم المسفوك، مهما واجهنا في سبيل ذلك من عقبات ومشكلات، فكل يوم يقتل أطفال ونساء وشيوخ ويموت أبناء الشعب الفلسطيني، هذا لا يمكن احتماله.
وقال أيضا: مهما كانت الصعوبات ومهما كانت جهودنا التي يجب أن نبذلها فلا بد أن تخرج الأمة العربية من هذه الازمة التي تمر بها، لان البديل خطير جدا.
لم ينتقل جمال عبدالناصر إلى جوار ربه إلا بعد أن منع (البديل الخطير) وفي المطار وقبل ذلك بيومين كان يهم بالخروج من غرفة الانتظار لكي يستقبل أحد الضيوف الكبار نظر الى الدكتور لبيب شقير، رئيس مجلس الامة وعضو اللجنة التنفيذية العليا وقال: لقد تمت انتخابات الاتحاد التعاوني للفلاحين ويجب أن نمكن الفلاحين مباشرة من دورهم في مجتمعنا من خلال قيادتهم لهذا الاتحاد وألا نترك أي عوامل تضعف من أدائهم لهذا الدور، ثم قال مؤكدا ومشيرا بيده الى الدكتور لبيب شقير، وانت باعتبارك رئيس اللجنة الاقتصادية باللجنة المركزية مسؤول عن ذلك، ثم قال للدكتور معقبا، وسوف نجلس معا نبحث كل الجوانب اللازمة لذلك، وهنا قال الدكتور شقير، لقد كانت قضية الفلاحين وقضية العمال تشغله دائما، بل تحتل المركز الرئيسي في اجتماعاته وفي فلسفته وسياسته وفي تحقيق التطور الاجتماعي للشعب المصري.
كان آخر لقاء مع الرئيس مع الدكتور صفي الدين أبو العز وزير الشباب يوم 19 سبتمبر، كان صفي أبو العز هو رئيس بعثة الشرف المرافقة لرئيس الوزراء في سنغافورة، وتطرق حديث الرئيس مع الدكتور صفي الدين أبو العز الى مشكلات الشباب، وقال الرئيس الحقيقة شبابنا يتحملون الجزء الأكبر في بناء المجتمع الجديد وهم الآن واقفون كلهم على الجبهة لصد العدوان، وهذا شيء طبيعي لأن العدوان يستهدف أساسا حرمان الجيل الجديد من مكاسب الثورة.
لا لم يمت عبد الناصر وستظل أحاديثه ومبادئه راسخة في عقولنا ولا مكان للأحزان، فقد عودنا الزعيم الخالد في حياته أن الحياة هي الوطن وهذه بعض الكلمات التي قيلت في الزعيم جمال عبدالناصر: إنه رسالة والرسالة باقية، هو مبدأ والمبدأ قائم، هو عقيدة، والعقيدة في كياننا، هو إيمان والإيمان لا يفتر (إحسان عبد القدوس).
يا من فاجأتنا جميعا بثورتك، أكان لا بد أيضا أن تفاجئنا بموتك (يوسف إدريس).
نستودعك الله يا أكرم من ذهب، كلنا ماضون ومصر هي الباقية (نجيب محفوظ).
كما عجزت عن التصديق وأتصور حدوث ذلك.. مكثت أياما بعد الرحيل لم استسلم رغم أنني كنت بين شهود ملحمتك الرائعة في الصراع مع الألم وكيف ذلك وقد كنت واحدا من الذين وقفوا بجوار فراشك ساعة الرحيل.. لكن لا أعرف (محمد حسنين هيكل).
وأخيرا قال فتحي رضوان وزير الإرشاد القومي الأسبق: أيها الباكون، أيها الحزانى إن الموت العظيم ختام الحياة العظيمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك