القراء الأعزاء
لقد نشط الحراك الأهلي والبرلماني في الأسبوعين الماضيين نحو السعي لتحريك مياه مشكلة البطالة الراكدة في مملكة البحرين، ومن أبرز مظاهر هذا الحراك عقد مؤتمر تنسيقية الجمعيات السياسية المعنون (البطالة وتحديات البحرنة)، وأتبعه قيام جمعية تجمع الوحدة الوطنية بإطلاق منصة (اختارني) المهتمة بمساعدة الباحثين عن عمل وأخيراً الاقتراح النيابي بوضع قيود على شغل الأجانب للوظائف العامة.
ومن المؤكد أن هذا الحراك يُعد خطوة ايجابية في طريق حل مشكلة البطالة الشائك والعسر، والتي تؤرق المواطن والسلطة في الوقت ذاته، وأن كل جُهد يُبذل لإيجاد حل لها هو جهد مشكور ويستحق التقدير قطعاً، لذا سألقي بعض الضوء في هذا المقال على آخر هذه الجهود، وهو الاقتراح الذي وافقت عليه اللجنة التشريعية والقانونية في مجلس النواب بتعديل قانون الخدمة المدنية بوضع قيود على توظيف الأجانب في الوظيفة العامة، ولا شك بأن أهداف هذا التعديل نبيلة وتصب في دائرة التزام السادة النواب الموقرين بتعهداتهم لناخبيهم وللمواطنين بحل مشكلة البطالة، وأن الخطوة في حد ذاتها موفقة ولكن المقترح من وجهة نظري لن يؤدي إلى حل مشكلة إحلال البحريني محل الأجنبي في الوظائف الحكومية لأسباب كثيرة.
وأولها هو فهم دلالة صريح نص الفقرة (أ) المادة (16) من دستور مملكة البحرين المعدل 2002 على أن الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة. ولا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون.
والذي فصّله نص الفقرة الأخيرة من المادة 11 من المرسوم بقانون رقم 69 لسنة 2014 على أنه (واستثناء من حكم البند (1) الذي اشترط شرط الجنسية البحرينية للتوظيف في الوظائف الحكومية، يجوز شغل الوظيفة بغير البحرينيين بطريق التعاقد في حالة تعذر الحصول على المرشحين البحرينيين الذين يستوفون شروط شغل الوظيفة المطلوبة...)
فالوظيفة العامة وفقا للنص الدستوري هي من حقوق المواطنة وهي خدمة وطنية وشرف لن يُخلص في حمله سوى المواطن أولاً، ثم من رحِم ربي من المخلصين سواهم، لأنها لو خُليت خربت، وإن النص في تقرير تولي الأجانب للوظائف العامة، قد جاء على سبيل الاستثناء الناهي، فلا يُولى الأجانب الوظائف العامة إلا على سبيل الاستثناء ولضرورة تقتضي ذلك، لذلك يتوجب على المشرّع عدم التوسع فيها، بل رفع مستوى التقييد لها بالتشددّ في الشروط.
كما أن النص على أن يكون توظيف الأجنبي في حالة تعذر الحصول على المرشحين البحرينيين الذين يستوفون شروط شغل الوظيفة المطلوبة، يعتبر شرطا جوهريا ومحوريا لتوظيف الأجنبي، في حين أن واقع الحال يقول بأنه من غير الممكن أن يتعذر الحصول على مرشح بحريني يستوفي شروط شغل أي وظيفة حكومية، وبالتالي فإن الواقع العملي والتعليمي والخبراتي للمواطن البحريني يستبعد وجود ضرورة تستدعي تولية الأجنبي وظيفة عامة في الوقت الحاضر، باعتبار توفر الكفاءات البحرينية الحقيقية التي تغطي وتستوعب جميع الخبرات العملية والتخصصات العلمية وبدرجات علمية عالية تُغني البلاد عن توظيف الأجنبي، في حين أنه من الأدهى والأمرّ بأن بعض أصحاب المؤهلات العلمية العليا قد انضموا إلى صفوف البطالة فيما يشغل أجنبي وظيفة حكومية هو أولى بها.
أما عن الشروط التي تضمنها مقترح تعديل القانون وتلك المتعلقة منها باشتراط درجة الماجستير وخبرة عشر سنوات، فهي محل نظر لأنها شروط غير مُحصّنة، إذ لا يصعب على الأجنبي توفيرها، لاسيما في ظل ظواهر الشهادات العلمية غير الموثوقة والتي يتم الحصول عليها شكلياً ودون جهد، والحال أن شخصا لم يُعجزه الحصول على الشهادة فلن يُعجزه التحصّل على شهادة خبرة تستوفي متطلبات التوظيف، كل ذلك مقارنة بمواطن ربما يكون قد تلقى تعليمه في الجامعات الحكومية، يتفوق على الأجنبي في شروط التوظيف بالجنسية وبالشهادة الموثوقة، أما موضوع الخبرة فلن تتراكم لديه إلا من خلال اتاحة الفرصة لعمله وتدريبه وتميزه بمرور الوقت.
وختاماً، لا شك بأن مشكلة البطالة قد أصبحت هماّ للأسر البحرينية التي لا يخلو بيت منها من وجود شخص عاطل على الأقل، في حين تُثبت الاحصائيات شغل نسبة كبيرة من الأجانب للوظائف الحكومية التي كانت الوجهة الأولى للمواطن المضمونة عبر عقود من الزمن، وأن الوظيفة الحكومية ترتبط بإدارة الشأن العام في الدولة وكفالة الحقوق وتعزيزها، والتي يجب أن يؤتمن عليها المواطن تعزيزاً لانتمائه وحبه لهذا الوطن، لأن هذه التفاصيل تلعب دوراً هاماً في ارتباط الشخص بوطنه وشعوره بأنه جزء منه.
وأقترح أن يتم تعديل هذا المقترح بجعل المواطن هو الخيار الأول والأخير لشغل الوظيفة الحكومية وألا يتعدى نسبة الأجانب العاملين في الحكومة نصف الواحد بالمئة من نسبة العاملين فيها إن استدعت الضرورة ذلك.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك