في أبريل 2007، نشرت «أخبار الخليج» حوارا مع مسؤولين بمجمع السلمانية الطبي تحت عنوان (أكدوا أننا سنلمس الفارق خلال ثلاثة أشهر.. مسؤولون بالسلمانية: خطوات جادة لعلاج أزمة الأسرّة).
وكانت خلاصة الموضوع ان وزارة الصحة وإدارة المجمع الطبي اعتمدوا خطة استراتيجية لمعالجة مشكلة نقص الأسرة في السلمانية، وتقليص مدد المواعيد من أشهر إلى أيام معدودات، مع تحسين مستوى وجودة الخدمات.
اليوم وبعد مرور 16 عاما من الحديث عن هذه الخطة الاستراتيجية، من حقنا أن نتساءل: إلى أي مدى نجحت هذه الاستراتيجية؟
لعل من العبث بمكان أن نناقش فرضية تحسن الوضع. لأن ما تلهج به ألسِنة المواطنين من معاناة يثبت عكس ذلك.
نود التأكيد في البداية أننا لا نرمي من إعادة فتح هذا الملف، الانتقاص من تلك الجهود الجبارة التي تقوم بها وزارة الصحة مشكورة في تقديم الخدمات الطبية للمواطنين والمقيمين الذين يتزايد عددهم بشكل ربما يفوق قدرة الوزارة على مجاراة تلك الزيادة. كما أننا لا نقلل من حجم الخدمات الكبيرة التي يقدمها مجمع السلمانية الطبي العريق الذي يعود تاريخه إلى عام 1979.
ما نريده، انطلاقا من مسؤولية الصحافة، هو أن نعيد لفت انتباه كبار المسؤولين إلى أن الأزمة في تفاقم. ولسان حال المواطنين يجأر بالشكوى وخلاصتها: أصبح الوضع لا يطاق. فهل من المعقول.. أو المقبول أن يطول انتظار المريض للموعد عاما كاملا؟ هل من الإنصاف أن يتحمل المريض الألم أكثر من عام انتظارا لموعد عملية؟ أو أن يقبع في قسم الطوارئ أياما انتظارا لسرير شاغر؟ هل من المنطقي أن يشكو بعض ذوي المرضى وفاة مريضهم وبعد أشهر يأتيهم اتصال يذكرهم بأن الموعد الموعود والمنتظر منذ أشهر طويلة، يحين بعد يومين؟!
وبالطبع، أمام هذا الضغط من البديهي أن تحدث الأخطاء، ويحدث التقصير. وكل حالة إهمال او خطأ طبي يعتبر ضربة قاصمة لسمعة وخدمات أي مستشفى.
ومازال صدى الصدمة يتردد بسبب الحالة الأخيرة التي توفيت فيها مواطنة بمجمع السلمانية الطبي مع بدايات هذا الشهر (يوليو)، حيث أكد أهل المتوفى ونواب، أن الوفاة حدثت بسبب إهمال طبي بعد أن بقيت المريضة في الانتظار من دون سرير يوما كاملا قبيل وفاتها.
بين المطرقة والسندان
قد يقول قائل إن هناك خيارا آخر أمام المواطنين والمقيمين هو المستشفيات الخاصة التي تتحمل أساسا مسؤولية تخفيف الضغط على مجمع السلمانية الطبي والارتقاء بمستوى الخدمات.
ولكن للأسف، لم يسلم الطب الخاص هو الآخر من فيض الشكاوى التي مفادها أنه تحول في كثير من الأحيان إلى «استثمار تجاري» أكثر من كونه «رسالة إنسانية»، وأن (بعض) الأطباء و(بعض) المستشفيات الخاصة باتت تتاجر بأمراض المراجعين وتتفنن في سلب البقية الباقية من الدنانير التي يمتلكونها!
وهذا ما يجعل المواطنين فعلا بين المطرقة والسندان. مطرقة السلمانية، وسندان الطب الخاص.
«أخبار الخليج» قابلت عشرات المواطنين الذين يحملون قصصا لا تنتهي مع معاناتهم من تأخر المواعيد والانتظار الطويل. تقابلها قصص أخرى حول معاناتهم مع بعض المستشفيات الخاصة.
وحفاظا على خصوصية المعلومات، فضلنا عدم نشر الأسماء والاكتفاء بنشر الحروف الأولى منها، مع التأكيد أن بيانات وأرقام جميع من تنشر قصصهم متوافرة لدى المحرر.
ما باليد حيلة
نبدأ مع أمّ قدمت شكوى لأحدى النائبات، مفادها أن ابنها الذي لم يتجاوز من العمر ست سنوات، اضطر إلى البقاء على الكرسي أكثر من يوم ونصف اليوم في السلمانية، لسبب بسيط هو: نقص الأسرّة!. وعلى ذلك تعلق النائبة بقولها: كلنا يعلم طبيعة الآلام التي يعاني منها مريض السكلر والحالة النفسية التي يعيشها، فما بالنا إذا كان طفلا ولا يحظى بالرعاية الكافية؟!
المواطنة (أم تقوى) تعاني من صداع مزمن. وتطورت حالتها إلى أن تصاب بحالات متكررة من الدورا ثم ألم شديد في الرأس يعقبه غثيان وترجيع. تم تحويلها إلى السلمانية. وبالفعل حصلت على موعد، ولكن بعد ستة أشهر! وهي تتساءل: هل أعيش هذه الآلام ستة أشهر انتظارا لموعد الأشعة والمراجعة؟
بالطبع ككثير من المواطنين اتجهت محدثتنا إلى الطب الخاص ودفعت (دم قلبها) لتسديد الرسوم من أجل تخفيف آلامها. إحدى المريضات (ش ع) تعاني من مشاكل في الكلى. وخلال مراجعتها للاختصاصية في مستشفى السلمانية قبل أيام، أخبرتها أنها بحاجة إلى بعض التحاليل ويجب أن تراها مرة أخرى خلال شهر. ووضعت ملاحظة على الورقة بأنه من الضروري إعطاء المريضة موعدا أقصاه شهرا، ولكن فوجئت المريضة بأن الموعد بعد أربعة أشهر. وعندما عادت إلى الطبيبة لتشكو لها، تنهدت هذه الأخيرة، وقالت: ما باليد حيلة، نطلب منهم موعدا عاجلا، ونصدم بحصول المريض على موعد بعد ستة أشهر! ونحن نعلم أن الحالة لا يمكن ان تنتظر هذه المدة! ولا نستطيع عمل شيء.
تضيف المريضة نفسها: أعاني من نزيف في الرحم، وقالوا إن هناك خلايا غير مستقرة قابلة أن تتطور إلى ورم خبيث. وفي المركز الصحي أكدت الطبيبة ضرورة إجراء فحص (مسحة) بشكل عاجل. وتم تحويلي إلى السلمانية في بداية شهر يوليو، ولكن أقرب موعد حصلت عليه هو في نهايات شهر أكتوبر القادم، ما يعني ان أبقى أكثر من ثلاثة أشهر بالنزيف وبالقلق من أن يكون أو يتحول إلى ورم!
أكثر من عام
مواطن آخر (ك ع)، تعاني ابنته من مشكلة في الأسنان، وأكد طبيب المركز الصحي حاجتها إلى التحويل إلى السلمانية. وكالعادة، كان الموعد بعد سنة وشهرين.
يعلق المواطن على ذلك بقوله: تخيل أن ابنتي تدرس في الصين، وقد رجعت إلى الجامعة وأكملت فصلين دراسيين وعادت إلى البحرين ولم يحن موعدها بعد!
(ع س) لديه تجارب عديدة مع السلمانية، وكما يؤكد قطع على نفسه عهدا ألا يدخلها مرة أخرى. وفي ذلك يقول: تعاني زوجتي مشاكل في القلب. وكانت المواعيد تتراوح بين ستة أشهر وعام كامل.. تبقى خلالها تعاني كثيرا. مما اضطرني إلى الذهاب إلى طبيبها في عيادته الخاصة. ومن هناك حولني إلى مركز القلب في عوالي.
ويتابع: قبل مدة أخذت أخي إلى الطوارئ، حيث يعاني من مشاكل في الرئة. وبمجرد ان فحصوه قالوا إنه بحاجة إلى إدخاله المستشفى، ولكن للأسف لا يوجد سرير في الجناح المخصص. فأخرجته على كفالتي واخذته إلى مستشفى خاص.
ويضيف محدثنا: لا ننكر أن السلمانية تضم طاقات وأطباء أكفاء، ولكن المواعيد تمثل إشكالية حقيقية. والأسوأ من ذلك، أن الاختصاصي المشرف على حالة المريض إذا خرج في إجازة او اضطر إلى السفر فتر طويلة، يبقى المريض منتظرا عودته ولا يتم تحويله إلى اختصاصي آخر. وقد مررت بهذه المشكلة مرتين حيث رفضوا تحويلي إلى طبيب آخر بحجة أن الأول هو المشرف على حالتي.
وعلى الوتيرة ذاتها تقول المواطنة (ف ح): أعاني من آلام في الركبة ولا أستطيع المشي، بل أحيانا لا أستطيع النوم من شدة الألم. وبعد تحويلي إلى السلمانية حصلت على موعد بعد ثلاثة أشهر. وتحملت الألم حتى الموعد. وللأمانة، استفدت من العلاج وخف الألم نوعا ما مع استمرار المرض، ولكن المشكلة أنه بين الموعد الأول والثاني أربعة أشهر، أي في نهاية أكتوبر القادم.
وربما الحالة القادمة أسوأ من سابقتها. فالمواطن (ع س س)، يعاني من مشكلة جلدية (صدفية) في قدمه. ومع تقدم الحالة ومعاناته من مرض السكر ايضا، تم تحويله من مركز مدينة حمد إلى مدينة عيسى. يقول: وهناك دخلت على الطبيب، ثم اعطوني موعدا بعد ستة أشهر!. عندها عدت إلى مركز مدينة حمد وأخبرت طبيبي بالأمر وطلبت تحويلا إلى مستشفى السلمانية. وبالفعل تم التحويل وحصلت على موعد (بعد سنة كاملة).
المشكلة أنهم كانوا قد أعطوني دواء مدة ستة أشهر. وعندما انتهى وطلبت كمية إضافية لأن الموعد لم يحن بعد، قالوا إنه لا يمكن أن أحصل على دواء إضافي الا بأمر من الاختصاصي. أي أن عليّ الانتظار. هنا اضطررت إلى التوجه إلى مستشفى خاص.
الصيدلية
(صيدلية السلمانية عبارة عن مقتل). بهذه العبارة لخص أحد المرضى مشاكله مع السلمانية. واستطرد شارحا: في إحدى المرات اضطررت إلى الانتظار أكثر من ثلاث ساعات بسبب الزحام الشديد. والمشكلة هو طبيعة النظام. فقد تضطر إلى الانتظار طويلا من أجل التصنيف. وبعدها تحصل على رقم لتسلم الدواء. وهنا يبدأ الانتظار الأطول. ولا ننسى هنا أن اغلب الموجودين مرضى وهم قلقون ولا يستطيعون الانتظار. لذلك نرى الكثير من حالات التذمر والشكوى والاستياء وأحيانا الشجار. بل إن الكثير من المراجعين يلقون الأرقام ويرحلون.
نعود مرة أخرى أي إلى قصص التحويلات من المراكز الصحية. وصاحبة القصة هنا المواطنة (أم هادي) التي شعرت بمشاكل في منطقة الصدر. وبتوجهها إلى مركز الكويت الصحي وإجراء الفحوصات الأولية، اخبرتها الطبيبة ان هناك أليافا في المنطقة ويجب فحصها للتحقق من كونها حميدة أو خبيثة.، لذلك تم تحويلها إلى السلمانية، ولكن كان موعد الأشعة بعد شهرين ونصف الشهر. وبعد الأشعة كان عليها أان تأخذ موعدا للاختصاصية. وبالطبع، الموعد سجل لها بعد ثلاثة أشهر.
تعلق أم هادي بقولها: هذا ما يعني انه عليّ الانتظار قرابة ستة أشهر بين شعوري بالمشكلة ودخولي على الاختصاصية بالسلمانية. كيف أضمن أالا يتطور الأمر إلى ورم وعندها لن يجدي معه العلاج؟
قريبة محدثتنا مرت بتجربة مشابهة. حيث تعاني من مشاكل في الكلية، وتم تحويلها إلى السلمانية من أجل أشعة (الموجات فوق الصوتية). واضطرت إلى الانتظار شهرين ونصف الشهر لموعد الاشعة، وبعدها راجعت الطبيبة، ولكن صدمت بأن اخبرتها الطبيبة أن النتيجة غير واضحة لذلك عليها إجراء اشعة مقطعية. وعادت إلى المربع الأول، حيث حصلت على موعد لهذه الأشعة بعد ثلاثة أشهر. ومازالت تنتظر!
هل تنتظر الخلايا؟
ونستمر في عرض قصص المواطنين مع السلمانية، ومحطتنا هذه المرة مع (أم جاسم)، وملخص الحكاية كما ترويها: لدي مشاكل في الرحم، وقد أجريت عملية تجميد للخلايا قبل سنوات واخبرتني الاستشارية انه يجب اجراء فحوص دورية للتأكد من عدم عودة النشاط اليها وتحوليها إلى خلايا سرطانية. وبالفعل استمررت في عمل الفحوصات. ولكن قبل عام شعرت بمشاكل في الرحم والتهابات وبعض النزيف، وتم تحويلي إلى السلمانية ولكن الموعد كان بعد ثلاثة أشهر. عندها اقترضت من احدى صديقاتي مبلغا وذهبت إلى طبيبة خاصة.
المشكلة ان الاعراض عادت لي مرة أخرى، وفي المركز أخبروني ان هناك التهابا شديدا ولا يعرفون سبب النزيف. ومن ثم حولوني إلى السلمانية. وكالعادة أيضا، الموعد بعد ثلاثة أشهر. ومازلت انتظر الموعد، ولكم ان تتخيلوا حجم القلق الذي اعيشه وانا أخشى ان تتطور الحالة وتتحول الخلايا إلى ورم.
وتضيف أم جاسم: لا ننكر أن مجمع السلمانية الطبي يعاني ضغطا كبيرا. ولكن يفترض ان يكون هناك تصنيف للحالات المستعجلة او الخطرة او القابلة للتطور. فليس من المعقول أن نضمن عدم تطور الخلايا أشهرا طويلة.
(أبو أحمد)، مواطن بسيط متقاعد. سألناه عما إذا كان يعاني مشكلة في مواعيد السلمانية. ابتسم وقال: لا أتعامل مع السلمانية مطلقا. لا أستطيع الانتظار أشهرا. كانت لدي تجارب سابقة واضطررت إلى انتظار المواعيد 7 أشهر وأحيانا أكثر من سنة. لذلك قررت التوجه إلى الطب الخاص عند الحاجة حفاظا على صحتي. فعلى الرغم من إمكانياتي المحدودة، أدفع مبالغ كبيرة في الطب الخاص حتى لا أتبهدل. ثم إن مستوى الخدمات ليس كما كان، والأطباء المميزون ذهبوا إلى القطاع الخاص. وأنا أتساءل: ماذا يفعل من لا يستطيع تأمين رسوم المستشفيات الخاصة؟
2024!
الحاج (ع ق)، له هو الآخر تجاربه التي لم يبخل علينا بسردها. يختصر كلامه بقوله: كنت أعاني ألما كبيرا في الركبة. وحولني استشاري في الطب الخاص إلى السلمانية وأبلغني انني بحاجة إلى عملية بعد ان فشلت جميع العلاجات في تخفيف حدة المشكلة. بعد العملية ارتحت كثيرا. ولكن كان عليّ انتظار سنة كاملة لموعد العملية. سنة من الألم وصعوبة المشي.
والان مازالت معاناتنا مستمرة. فزوجتي تحتاج إلى موعد في عيادة العظام، ذهبت في نهاية شهر يونيو الماضي للحصول على موعد، وبكل ثقة أعطوني موعدا في عام 2024 لرؤية نتيجة الأشعة!
موعد أشعة
«الأمر لا يقتصر على المواعيد، بل يمتد إلى أسلوب التعامل» بهذه العبارة ابتدأت (أم محمد) حديثها الذي لم يخل من بعض الغضب بعد تجربة وصفتها بالمريرة.
خلاصة القصة كما تصفها أم محمد: أخذت والدتي موعدا بالسلمانية في تمام الساعة الثامنة صباحا. ونظرا لشدة الازدحام لم ندخل على الطبيب الا في الساعة العاشرة. وطلب الطبيب منها اخذ موعد لأشعة. فتوجهنا إلى قسم المواعيد ولكنهم أخبرونا ان طلب الأشعة غير واضح وغير مدرج في (السستم)، وطلبوا العودة إلى الطبيب لإدخاله في النظام. وبالفعل رجعنا إلى العيادة وأخبرنا الممرضة، وبقينا ننتظر ساعة كاملة حتى جاءت الممرضة واخبرتنا ان الطبيب قد ادخل طلب الموعد في النظام. عندها عدنا إلى قسم الأشعة، ولكن قالوا انه لا يوجد شيء في النظام! ولان الوقت تأخر، طلبوا منا العودة في اليوم التالي لأنه قد يكون هناك مشكلة في النظام نفسه، وقد تظهر المعلومات لاحقا.
ولم تنته الحكاية هنا، بل بدأت. حيث عدنا في اليوم التالي صباحا واستفسرنا عن الموعد، فأخبرونا انه لا يوجد شيء في النظام، وعلينا العودة إلى الطبيب للتحقق. رجعنا إلى العيادة واخبرت الممرضة التي طلبت الانتظار. ومع شدة الازدحام، انتظرنا ثلاث ساعات كاملة حتى تجد الممرضة فرصة لإخبار الطبيب. وبعدها اخبرتنا انه قد أعاد طلب الأشعة وعلينا التوجه إلى القسم لحجز موعد. فعدنا إلى قسم الاشعة، واستفسرت عن الامر، فقالوا لا يوجد شيء، تعالوا غدا!!
ذهبنا في اليوم الثالث للتحقق من الأمر في عيادة الطبيب. فأبلغونا أن الطبيب لا يدوام في العيادة هذا اليوم. عندها يئست منهم، ورجعت مع والدتي المريضة إلى المنزل ونسينا الامر.
الغريب أنهم بعد شهر ونصف اتصلوا وقالوا: كان عندكم موعد اليوم لماذا لم تأتوا؟!
هجروا السلمانية
(أ ج)، شاب بسيط يعمل حارس أمن بإحدى الشركات، لم تخل نبراته من بعض الحسرة وهو يقول: لا أحب الذهاب إلى السلمانية، اقترض من الأصدقاء أو البنك واذهب إلى المستشفيات الخاصة، ولكن لا اذهب إلى السلمانية على الرغم من وضعي الاقتصادي المتواضع، وذلك لسبيين، الأول هو تأخر الموعيد بشكل غير طبيعي، والثاني ان اغلب الأطباء المعروفين هجروا السلمانية واتجهوا إلى المستشفيات الخاصة.
أما (أبو هادي) فقد اضطر كما يروي إلى اقتراض 1500 دينار من اجل عملية قولون لابنه. حيث يدرس الابن في الخارج ويعاني من مشاكل في القولون اثرت على رحلته الدراسية. وعندما عاد إلى البحرين في الاجازة، حاول الحصول على مواعيد في السلمانية، لكنه صدم بانها ستكون بعد أشهر طويلة. لذلك اضطر الاب إلى اقتراض المبلغ وإجراء العملية في مستشفى خاص. ومازال يسدد القرض!
هل تحولت بعض المستشفيات الخاصة إلى مشاريع استثمارية؟
سردنا في السطور السابقة عينات من شكاوى ومعاناة المواطنين مع السلمانية، وهي فيض من غيض. ولكن هل يعني ذلك ان المستشفيات الخاصة بمنأى عن الشكاوى؟
للأسف الواقع يقول العكس. فربما لا تتشابه الشكاوى بشأن بعض العيادات والمستشفيات الخاصة مع وضعها في السلمانية. ولكن لا يخلو الامر من مشاكل ملخصها ان بعض هذه المستشفيات تحولت إلى متاجر او استثمار تجاري أكثر من كونها عيادة طبية تحمل معاني الإنسانية قبل كل شيء. بل كما أسلفنا، يصفها البعض بأنها تتفنن في جعل المراجع يدفع أكثر وأكثر، وخاصة إذا ما امتلك تأمينا صحيا.
مرة أخرى نعيد التأكيد بأن هدفنا ليس الإساءة إلى أي طرف او شخص او جهة، فهي ملاحظات وجروح يجب وضع الإصبع عليها. وبنفس الوقت نشدد ونؤكد ان هناك من الأطباء والمراكز والعيادات الطبية من نرفع لهم القبعة احتراما وإجلالا بما يقدمونه من معاني الإنسانية والعطاء والتفهم لظروف المرضى.
تبادل المرضى
يقول الشاب (هـ س): كنت أراجع عند طبيب معروف بعيادة الباطنية في إحدى المستشفيات الخاصة. وقابلت الاستشاري المختص الذي طلب اجراء العديد من الفحوصات قبل ان يخبرني أنني اعاني إلى جانب مشكلتي الأساسية من مشكلة أخرى، وطلب مني التوجه إلى طبيب متخصص في مستشفى خاص آخر. وقال إنه سيتصل به ليوصيه عليّ. وبالفعل اتصل به وأبلغه انه سيرسل له حالة تحتاج إلى فحص وربما عملية.
الغريب في الأمر -يقول المواطن- إنه خفض صوته وقال باللغة الانجليزية: كم واحدا أطلبك؟
ويضيف: لم استوعب الأمر في البداية. وتوجهت إلى الطبيب الآخر الذي طلب هو الآخر فحوصات عديدة دفعت لها الكثير من الأموال، ثم أخبرني بأنني بحاجة إلى عملية جراحية.
ولكن في إحدى الجلسات معه، جاءته مكالمة هاتفية واستأذن ليرد عليها، ويبدو أنه كانت من أحد المرضى. وبعد نقاش معه، قال له اخبرتك أن تذهب إلى الطبيب فلان بالمستشفى الفلاني.
هنا استوعبت الأمر، فهمت أن بينهم أاشبه باتفاق بأن يحول كل منهم مرضى للآخر.
لا أنكر أنني استفدت من كليهما، ولكن بقيت حانقا من أسلوب المتاجرة هذا.
ابتزاز
أما (م س) فله قصة لا تقل غرابة. خلاصتها أن ابنه كان تحت المخدر الكلي في غرفة العمليات بمستشفى خاص لإجراء عملية بالمنظار. وقد دفع مبلغ (480 دينارا) للمنظار. ولكن فوجئ خلال انتظاره بالممرضة تخرج من غرفة العمليات وفي يدها ورقة صغيرة، واخبرته ان عليه التوجه إلى قسم الحسابات ودفع مبلغ 55 دينارا لان الطبيب يريد أخذ عينة إضافية خلال العملية.
يقول المواطن: قلت لها إن قسم الحسابات في الطابق الأرضي، وانا سأدفع المبلغ بعد ان ينتهي الطبيب مباشرة. لكنها أصرت وقالت ان الطبيب لن يكمل عمله إذا لم تحضر الرصيد مختوما!
وعندها ذهبت مسرعا إلى قسم الحسابات ودفعت المبلغ وتسلمت الرصيد وعدت به إلى الممرضة التي تحققت من صحته ثم دخلت إلى الغرفة لتبشر الطبيب بان عملية الابتزاز تمت بنجاح!
تجارة
وتتواصل الحكايات، وتستمر الشكاوى. والراوي هذه المرة (ح ص) الذي يقول: لا ادخل إلى السلمانية ولا أشعر بالأمان فيها، بل صار لدينا انا وزوجتي هاجسا وتخوفا من المكان. لذلك اذهب إلى العيادات والمستشفيات الخاصة.
ولكن مع الأيام والسنوات اكتشفت للأسف أن الكثير من هذه العيادات تحولت إلى تجارة، وصار بعض الأطباء يتفنن في اخذ الأموال منا خاصة من يمتلك تأمينا صحيا. وللأسف الكثير ممن يقوم بهذه التصرفات هم أطباء بحرينيون.
فمثلا أذهب إلى طبيب وهو يعرف المشكلة جيدا، ولكن يطلب مني إجراء فحوصات فورية في المختبر التابع للعيادة أو المستشفى. وبعد عمل الإشاعات والفحوصات يصف لي مرهما او مسكنا للألم!
وفي مرة طلب مني طبيب أشعة (الرنين المغناطيسي)، ودفعت من أجلها 300 دينار، وعندما عدت اليه طلب مني فحوصات أخرى، ثم طلب إجراء منظار كلفني 600 دينار. وبعد هذا كله أعطاني مسكنا وقال جربه فترة، وإذا لم تستفد نجري لك عملية.
لماذا اجبرتني اذن على دفع أكثر من ألف دينار؟ لماذا لم تعطني هذا المرهم مسبقا ثم تقرر إجراء الفحوصات والعملية؟
والمشكلة - يضيف المواطن - انهم يعرفون انه لا خيار آخر أمامنا وإننا إذا اتجهنا إلى السلمانية فقد نضطر إلى الانتظار سنة أو أكثر.
أحيانا اذهب للعيادة الخاصة بسبب ارتفاع الضغط، ولا أخرج من العيادة بعد ساعة الا وقد دفعت 100 دينار على الأقل من أجل الفحوصات. والأسوأ ان طبيبا يصف لي دواء يكلفني 25 دينارا، ثم اذهب إلى طبيب اخر يصف لي دواء يقول انه أفضل ويكلفني مبلغا أكبر. وبعضهم يحثني على الشراء من صيدليات معينة.
ولا تختلف معاناة (أ س) عن سابقيه، حيث احتاجت زوجته إلى عملية في مفصل الركبة. وعندما راجع في السلمانية وجد ان المواعيد تمتد إلى أكثر من عام. هنا توجه إلى القطاع الخاص. ووجد نفسه في النهاية قد دفع 5000 دينار على الرغم من إمكانياته الضعيفة. وهذا ما يعلق عليه: ماذا أفعل؟ مازلت أسدد القرض حتى اليوم، وبنفس الوقت لم تستطع زوجتي الانتظار سنة كاملة بسبب الألم.
ويضيف: نفس الأمر تعاني منه شقيقتي، حيث تنتظر موعد العملية منذ ثمانية أشهر ومازال أمامها قرابة خمسة أشهر من الانتظار. وهي لا تستطيع تحمل تكاليف الطب الخاص.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك