نشرت «أخبار الخليج»، على صفحتها الأولى، يوم الخميس 20 يوليو 2023 خبراً حول دراسة ناقشتها طالبة بحرينية استكمالاً لدرجة الماجستير في جامعة البحرين، بعنوان «وعي أولياء الأمور بمخاطر استخدام الأجهزة المحمولة لدى الأطفال»؛ ومن المؤكد أن أخبار الخليج وضعت الخبر على الصفحة الأولى للصحيفة تعبيراً عن أهميته، وكرسالة موجهة إلى الأطراف المعنية، وهم أولياء الأمور من جهة، ومؤسسات التربية والتعليم والإعلام، والتنمية البشرية والاجتماعية والتنمية المستدامة من جهة أخرى، لأنها مؤسسات تعمل على بناء المجتمع السليم، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا ببناء الإنسان السليم، المعافى من الأمراض والمشاكل والانحرافات الاجتماعية والأخلاقية.
تكشف الدراسة عن «أن نصف أولياء الأمور في البحرين لا يقومون بمتابعة استخدام أطفالهم للأجهزة المحمولة، ولا يبادرون بحظر المحتويات المسيئة»، مع الإشارة إلى أن «النسبة الكبرى من أولياء الأمور لا يعون خطورة استخدام الأطفال لهذه الأجهزة».
وأضيف إلى هذه الفقرة بعض ما أعرفه بحكم حياتي الاجتماعية، بأن العديد من أولياء الأمور الغافلون عن أبنائهم، سواء الذين يتقنون التعامل مع التكنولوجيا، أو الأميون تكنولوجياً، يتباهون باستخدام أبنائهم للتكنولوجيا عموماً، والأجهزة المحمولة خصوصاً، من دون أن يتحملوا عناء الاطلاع أو التعرف على ما يتعرض له هؤلاء الصغار من خلال تلك الشاشات التي تضم الصالح والطالح... الجيد والسيئ، ولا يعرفون مدى خطورة وبشاعة الجانب السلبي في المحتوى التكنولوجي بشكل عام... ويمكن أن نرجع بعض أسباب غفلة أولياء الأمور في مجتمعاتنا عن التربية التكنولوجية لأطفالهم إلى أمور عديدة، وبحسب خبرتي البسيطة أرى أن تدني الوعي الثقافي والمجتمعي يعد أحد أهم هذه الأسباب.
وهنا يجب أن يكون لنا وقفة، قد لا يراها بعض الشباب أنها سليمة، ولكن هي واقعية بدون أي شك... وقفة تؤكد أن نسبة عالية من أولياء الأمور اليوم بحاجة إلى الدخول في حياة أبنائهم وحياة أسرهم بأسلوب سليم يتناسب مع ما يتعرضون له في العالم الافتراضي. على أولياء الأمور أن يتزودوا بالخبرة الكافية والسليمة في شأن هذا العالم الافتراضي الجديد الذي يجتاح حياة أبنائهم، وهو عالم بات يفرض نفسه على كل بيت وكل مجتمع.
نعم إننا مجتمعات تفتقر إلى أهم مقومات التقدم العلمي والفكري للتحول من عصر الثورة الصناعية إلى عصر الثورة التكنولوجية والرقمية.. إلى عصر المعلومات الذي يُفقدنا صلاحياتنا كأولياء أمور في تربية أبنائنا. إننا مجتمعات تفتقر إلى القدر الكافي من المعرفة والقيم السليمة التي تحمي المجتمع والأسرة من سلبيات التكنولوجيا، وتعمل على اكتساب الدرجات القصوى من إيجابيات هذه الأداة المهمة والخطيرة.
والأخطر من كل هذا، أننا مجتمعات لا تعي أنها لا تعي، بل إن مجرد كوننا مستخدمين لهذه التكنولوجيا يبعث فينا الخيلاء والغرور والفخر بأننا علماء وأباطرة في علوم الجوجل ومتحدثون جيدون مع «سيري»، وقادرون على «صناعة المحتوى».. وغير ذلك من التفاهات التي تشغلنا عن معرفة حقيقة هذا العالم الجديد وتوجهاته الخطيرة على مجتمعاتنا الحاضرة والقادمة.
أتوقف هنا لأضع سؤالي الأزلي، لماذا لا تحصل بعض الدراسات الأكاديمية «ذات القيمة» على اهتمام السلطة التشريعية والتنفيذية، لتكون مصدراً علميا لمشاريع القوانين، ولتكون قاعدة علمية في وضع برامج الحكومة، عوضاً عن التشريع بدون أسس بحثية واقعية، وعوضاً عن رسم البرامج والاستراتيجيات الحكومية بدون ركائز بحثية علمية؟؟
وسؤالنا الآخر نوجهه إلى وزارتي التعليم والإعلام، ووزارات التنمية المتعددة التي حتى الآن لم نتعرف على برامجها واستراتيجياتها؛ تُرى ما دورها في حماية الأسرة والمجتمع في هذا العالم الجديد، وما دورها في حماية الأبناء ضمن المنظور الذي جاء في تلك الدراسة البسيطة؟؟
وإلى حين معرفة الرد المقنع على تساؤلاتنا، سيبقى للحديث بقية.
مي زيادة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك