في الفترة ما بين 11 و13 يوليو 2023 اجتمع قادة التحالف عبر الأطلسي في العاصمة الليتوانية «فيلنيوس»، لحضور المؤتمر السنوي للحلف. ومع استمرار هيمنة الحرب الأوكرانية على قضايا النقاش أشار «شون موناغان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إلى أن الاجتماع يُعقد في «لحظة حرجة للأمن الأوروبي»، ولا سيما مع تصاعد الأحداث، وإطلاق الهجوم المضاد لكييف، والتمرد الفاشل من قبل مجموعة «فاجنر» داخل روسيا.
وعلى الرغم من أن «فريدريك كيمبي»، من «المجلس الأطلسي»، أشار إلى أن الاجتماع كان «وضعا دراميا»، بشأن أوكرانيا، حيث أظهر الخلاف حول عضويتها المحتملة، فإنه كان أيضًا «فرصة تاريخية»، حيث تمت الموافقة على انضمام «السويد» إلى الناتو، وكذلك اعتماد «سياسة دفاعية جديدة»، فيما سعى أيضًا إلى معالجة العديد من المسائل المتعلقة بالأمن الأوروبي، بما في ذلك الحاجة إلى تحديث قدرات الدفاع الجوي، وتفسير الاختلال العسكري بين الدول الأوروبية في الحدود الشرقية والغربية.
وقبل انعقاد القمة كان أحد الأسئلة هو ما إذا كان سيتم قبول عضوية «السويد» رسميًا في التحالف؛ بسبب اعتراض الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، ونظيره المجري «فيكتور أوربان»، على عكس رغبة أغلبية الأعضاء بقبول انضمامها. ومع ذلك، فقد أنهت «تركيا» حق النقض الذي استمر مدة عام قبل القمة، بعد تلقي المزيد من الضمانات من الدول الغربية. ووفقًا لـ«آنا ويزلاندر»، من «المجلس الأطلسي»، فإنه على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح متى ستنضم «ستوكهولم»، فإن «التعديلات العسكرية والسياسية السويدية تجاه عضوية الناتو» يمكن الآن «المضي قدمًا بشأنها بأقصى سرعة»، وهو أمر لم يكن «مفيدًا لها فحسب؛ لكن للدفاع عن دول شمال أوروبا أيضًا». وبحسب تقدير «كيمبي»، فإن «توسع الحلف في الدول الاسكندنافية يترك روسيا في مواجهة الناتو أكبر وأكثر توحدًا»، ويعمل على «تعزيز الدفاع في دول البلطيق ومنطقة أعالي الشمال».
وبالنسبة إلى «تركيا»، أشارت «ألكسندرا شارب»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى نجاحها في تحقيق مطالبها من السويد «بتعديل دستورها، وفرض قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، وتسليم العديد من القوميين الأكراد»، فضلاً عن تأمين دعمها لمحاولة أنقرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي». ويشير «ريتش أوتزن»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن هذه المناورة الدبلوماسية كانت بمثابة «خطوة نموذجية لأردوغان» في مفاوضات عالية الخطورة، لإحراز تقدم في مطالب أخرى رئيسية تخدم مصالحه.
ومع حل مسألة عضوية «السويد»، أوضحت «ماري ساروت»، من جامعة «جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة»، أن التساؤل التالي يدور حول ما إذا كان الحلف «سيتحول إلى تناول عضوية أوكرانيا»، أو حتى العرض عليها عندما تنتهي حربها مع روسيا». وبينما أشارت إلى أن كييف «سئمت انتظار قرار بشأن عضويتها»؛ فإن العديد من الدول الأوروبية مترددة في اتخاذ هذه الخطوة، نظرًا إلى حقيقة أنها لا تزال في حالة حرب، لا توجد مسارات واضحة لنهايتها. ومع أن القوى الغربية الرائدة قدمت الدعم الاقتصادي والعسكري إليها منذ بداية الحرب فإنهم لا يزالون منقسمين بشأن مستوى الدعم الذي يجب أن يقدموه بشكل جماعي.
من جانبه، أشار الأمين العام السابق لحلف الناتو «أندرس فوغ راسموسن» إلى أن القادة الغربيين «بحاجة إلى الاعتراف بأن السلام والاستقرار في أوروبا يعتمد على بقائها آمنة ومستقلة»، وأن هذا يعني «ضم كييف إلى الناتو». ومع تقدمها نحو مسار «ملموس» للانضمام إلى الحلف؛ أشار «فرانكلين كرامر»، و«هانس بنينديجك»، و«كريستوفر سكالوبا»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن هذا التقدم ضروري لأن «أشكال الردع الأخرى التي تبنتها فشلت مرارًا منذ عام 2014». واعترافًا من الباحثين أنه «لا تزال هناك خلافات»، حول انضمامها، أشاروا إلى ضرورة تشكيل «مجموعة رفيعة المستوى» تقدم تقاريرها مباشرة إلى الأمين العام، وتضم سفراء وممثلين من جميع الأعضاء، والتي من شأنها السماح بتبني تدابير سريعة مماثلة لتلك المستخدمة لتوسيع نطاق العضوية إلى فنلندا والسويد.
ومع ذلك، فإن هناك من يعارض تلك النقطة. وأصر «جوستين لوجان»، و«جوشوا شيفرينسون»، من «معهد كاتو»، على أن «كلفة توسيع التحالف تفوق المزايا والفوائد»، ولا سيما أنه مع انضمام «كييف» هناك خيارات من بينها «احتمال التورط في الحرب مع روسيا». وأشار «جون ديني»، في مجلة «فورين بوليسي»، إلى أن ضمها لن يتسبب فقط في تقوية عزم موسكو على إلحاق الضرر بالأمن الأوروبي، لكن أيضًا سيعيق أي مفاوضات سلام مستقبلية لإنهاء الحرب.
في غضون ذلك، سجل «كيمبي» «حالة الغليان وراء الكواليس»، بين أوكرانيا وأعضاء الناتو، وخاصة بعدما اطلع «زيلينسكي» على مسودة بيان نصي بأنه سيتم النظر في عضوية بلاده عندما «يتفق الحلفاء واستيفاء الشروط». وبالإضافة إلى رفض الرئيس الأمريكي «جو بايدن» انضمامها الفوري، ووصفه بأنه «سابق لأوانه»، أشار «كيمبي» إلى أن رد فعل الرئيس الأوكراني كان «غاضبًا عبر تويتر»، وأعرب عن أسفه، معلقا أنه «لا يوجد استعداد لدعوة كييف للانضمام إلى الناتو». ومع ذلك، أكد الباحث أن موقف «واشنطن» ظل «ثابتًا»، مع عدم إشارة «بايدن» في خطابه إلى احتمالية انضمامها مستقبلا إلى الحلف، الأمر الذي جعل هناك «أجواء متوترة» بين الأوكرانيين وداعميهم الغربيين، التي من المحتمل أن تستمر في المستقبل.
وعلى الرغم من انتقاد المراقبين قرار منح أوكرانيا العضوية في الوقت الراهن، فإن هناك اتفاقا على أن ضمها سيكون لصالح الأمن الأوروبي. ووصف «ساروت» عضويتها بأنها «مثالية» حال انتهاء الحرب، واستعادة وحدة أراضيها، بحيث يمكن أن تكون «بمثابة خط أمامي قوي ضد موسكو»، ولكن إذا انضمت قبل تحقيق ذلك فستكبد عضويتها «كلفة عالية» للدول الأعضاء الأخرى، جراء خطر التصعيد مع روسيا.
ولتحقيق أفضل النتائج المرجوة للنجاح العسكري الأوكراني، يظل تقديم الدعم لكييف هو الأبرز. وأوضح «ديني» أن «التوسع الدراماتيكي للمساعدات الغربية المقدمة لها سوف «يوفر دعما لها ضد روسيا، بدلاً من عضوية هذا التحالف».
ومع ذلك، فإن قرار «الولايات المتحدة» مؤخرا بتسليح الأوكرانيين بالذخائر العنقودية قد أثار ردود فعل غاضبة داخل الحلف. وأوضح «مارك كانسيان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن مثل هذه الأسلحة «مثيرة للجدل، بسبب الأخطار الناتجة عن ذلك على المدنيين». ورغم تأكيد «جاك واتلينج»، و«جوستين برونك»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أن توفير مثل هذه الذخائر أمر «ضروري وقانوني ومبرر أخلاقياً»، فقد اعترضت «المملكة المتحدة»، و«إسبانيا»، على القرار. وأشارت وزيرة دفاع مدريد، «مارغريتا روبلز»، إلى «الالتزام بأن أسلحة وقنابل معينة من تلك النوعية لا يمكن تسليمها تحت أي ظرف من الظروف».
وبالإضافة إلى هذه القضايا، تمت مناقشة المخاوف الأمنية المستمرة للتحالف الغربي، فيما يتعلق بالأمن الأوروبي. ويرى «ويس ميتشل»، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون أوروبا وأوراسيا، أنه بعد مرور عام ونصف العام على حرب أوكرانيا؛ فإن القادة الأوروبيين «ليسوا جادين في الدفاع عن الحدود الشرقية الأوروبية ضد الاعتداءات الروسية، موضحا أن التعهدات بتعزيز استعداد الناتو في «بولندا»، ودول البلطيق «تظل غير محققة إلى حد كبير»، وتظل موجودة كـ«تعهد ورقي» فقط من جانب الحلف؛ لكن ليس لتعزيز قدرة الردع لدى هذه الدول. وبينما أوضح أن البنية التحتية «الأقل تطورًا» في أوروبا الشرقية أدت إلى تباطؤ عمليات الانتشار الغربية، فقد لاحظ أن «المشكلة الأعمق لا تزال قائمة في الإرادة السياسية»، وتحفظ باريس وبرلين في الموافقة على تنفيذ إنفاق دفاعي هائل يعقبه المزيد من الزيادات على المدى الطويل.
في سياق آخر، أوضح «بن هودجز»، القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا، أنه نظرًا إلى أن روسيا تمكنت من شن حملة من الهجمات الجوية ضد أوكرانيا، فقد «حسنت نطاق وجودة واستدامة الدفاع الجوي والصاروخي» في أوروبا، وهي «المهمة العسكرية الأكثر أهمية» للناتو، وهو أمر يتطلب من الدول الأعضاء بالحلف «دمج قدراتها المختلفة بشكل أفضل، وتطوير السياسات والعمليات المطلوبة للرد الفوري على أي هجمات مفاجئة».
ووفقًا لـ«كوري شاك»، من «معهد المشروع الأمريكي»، فإن خطة الاستجابة للسيناريوهات المطروحة لتطور أحداث التهديد الروسي «لم يحالفها النجاح من قبل ممثلي الناتو، وخاصة أن الحلف «لم يكن لديه مثل هذه الخطة منذ عام 1991، المعنية بتبني «مسؤوليته الأساسية» للدفاع عن أوروبا في حالة الحرب، مشيرة إلى كيف تسمح الترتيبات المتفق عليها حديثًا بـ«تكليف قوات وطنية مختلفة بمهام والتزامات محددة»، ومن ثم «تسهيل عملية الدفاع المشترك في حالة مهاجمة أحد الأعضاء».
وفيما يتعلق بمستقبل الأمن الأوروبي فإنه يجب النظر إلى كيفية تأثير حرب أوكرانيا على توازن القوى بين أوروبا الشرقية والغربية. ومع إشارة «مركز خدمة أبحاث الكونجرس» إلى نجاح أوكرانيا، بدعم من واردات الأسلحة الغربية، في «إعاقة» تقدم روسيا؛ فإن الزيادة في مستوى القدرات الدفاعية من قبل الدول الواقعة على حدود روسيا أكبر بكثير من مستوياتها الماضية. ومع الإشارة إلى أن الإنفاق الدفاعي الحالي لبولندا بنسبة 4% هو ضعف متطلبات الناتو؛ أوضح «ميتشل» أن التعزيز «التاريخي» لقدراتها يعني أنها «ستمتلك قريبًا عددًا أكبر من الدبابات أكثر من كل أوروبا الغربية مجتمعة». ومع وصف مجلة «بوليتيكو» لها بأنها «القوة العسكرية العظمى القادمة في أوروبا»، فإن التحول السياسي الواضح والقادم في الأهمية تجاه دول الكتلة الشرقية السابقة داخل الناتو سيكون له تأثير على الأولويات المستقبلية للحلف، وخاصةً إذا كانت الحرب في أوكرانيا مستمرة سنوات عديدة.
علاوة على ذلك، فقد أثيرت مناقشات حول من سيحل محل الأمين العام الحالي للحلف «ينس ستولتنبرغ» في منصبه بعد عام 2024. ومع الافتقار إلى وجود مرشحين بارزين، اقتنع الأمين الحالي بتمديد فترة ولايته مرة أخرى. ومن بين هؤلاء المرشحين رئيس الوزراء الهولندي السابق «مارك روته»، ورئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين»، بعد أن نأى المنافس الرئيسي وزير الدفاع البريطاني «بن والاس» بنفسه عن مضمار المنافسة.
وبحسب «برونو ليتي»، من «صندوق مارشال»، فإن إيجاد بديل لـ«ستولتنبرغ» يمثل مشكلة كبرى؛ حيث إن الأمر «لا يمثل عملية تنافسية فحسب»، لكنها «سياسية»، حيث «تقاتل الدول الأعضاء، عبر الممرات الدبلوماسية للحصول على تفضيلات لمرشحيهم وإبقائهم في المقدمة». وعند النظر إلى معضلة الدعم الغربي المستقبلي لأوكرانيا والسياسة الدفاعية الأوروبية، اعتبرت «ماريد جونز»، من «يورونيوز»، أن اختيار الأمين العام القادم «يختبر قدرة الحلف على التفاوض وخلق التسويات».
على العموم، على الرغم من أن قمة الناتو بدأت بحسم مصير انضمام السويد إلى العضوية الرسمية في التحالف؛ فإن الوضع المستقبلي لكييف داخل الحلف لا يزال «أمرًا لم يحسم بعد»، الأمر الذي أشار إليه «لوك ماكجي»، في شبكة «سي إن إن»، بأنه كاد يخرج القمة عن مسارها ومنح موسكو «انتصارًا بلا داع». وعلى الرغم من وجود اتفاق على انضمامها في المستقبل فإن الحرب المستمرة تعني، كما أكد «لوجان»، و«شيفرينسون»، بالنسبة إلى الغرب «مزيدا» من المخاطر، وإثارة قرار الانضمام إلى حرب أوسع مع روسيا، وهو ما يفوق حاليًا مزايا عضوية أوكرانيا المباشرة. وبدلاً من ذلك، فإن تقديم المزيد من المساعدات والدعم المالي لها هو ما تحافظ عليه دول الناتو.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك