في يناير عام 1980م فرض الرئيس الأمريكي «جيمي كارتر» حظرًا على الحبوب المصدرة للاتحاد السوفيتي ردًا على غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان عام 1979م، وظل الحصار ساري المفعول حتى قيام الرئيس الأمريكي «رونالد ريجان» بإنهائه عام 1981م.
شعر المزارعون الأمريكيون بوطأة العقوبات في حين أن آثارها على الاتحاد السوفييتي لم تكن حاسمة، حيث حصل الاتحاد السوفيتي على الحبوب من مصادر أخرى كجنوب إفريقيا وفنزويلا والبرازيل بأسعار أرخص من الحبوب الأمريكية.
كان الحظر الأمريكي عبارة عن تجربة ناجحة للسوفييت فأثبت لهم قدرتهم على الحصول على الحبوب دون الحاجة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتوجهوا إلى زراعة حبوبهم في أوكرانيا وظلوا يعتمدون على حبوبهم القادمة من أوكرانيا.
ما سبق هو توطئة للحديث عن «اتفاق الحبوب الروسي–الأوكراني» الذي وقعته روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة لفك الحصار المفروض على صادرات الحبوب والأسمدة الأوكرانية يوم 22 يوليو 2022م، أي بعد 5 شهور من اندلاع الحرب بين الدولتين.
ويهدف الاتفاق الذي يسمى «مبادرة البحر الأسود» أيضًا إلى المساعدة على تجنب المجاعة من خلال ضخ المزيد من القمح وزيت دوار الشمس والمنتجات الأخرى في الأسواق العالمية، ويرمي الاتفاق إلى تخفيف حدة أزمة الأغذية العالمية المتنامية التي ازدادت سوءًا بسبب الحرب بين الجارتين والعالم يكافح جائحة كورونا وآثارها وكيفية الاستفاقة منها.
ومدة سريان الاتفاق الروسي الأوكراني هي 120 يومًا قابلة للتجديد، ويشمل الاتفاق المرور الآمن من وإلى «ميناء أوديسا» أكبر موانئ أوكرانيا وميناءين أوكرانيين صغيرين أيضًا، وينص الاتفاق على ألا يكون هناك هجمات روسية على هذه الموانئ.
وصاحب الاتفاق التوقيع على مذكرة تفاهم بين روسيا والأمم المتحدة تسهل وصول الأسمدة والمنتجات الروسية إلى الأسواق العالمية بلا عوائق.
ولضمان استمرارية الاتفاق تم تأسيس «مركز التنسيق المشترك» ومقره مدينة إسطنبول التركية المطلة على مضيق البوسفور ليتابع تحركات السفن ويشرف على عمليات التفتيش، ويعمل بمركز التنسيق المشترك مسؤولون عسكريون من الأمم المتحدة والدول الثلاث، وهذا المركز هو استجابة لمخاوف موسكو من قيام السفن العائدة بنقل أسلحة إلى أوكرانيا.
ويعتبر الاتفاق مهمًا جدًا لدول الشرق الأوسط وإفريقيا وكل الدول الفقيرة، حيث تصدر روسيا وأوكرانيا 30% من صادرات القمح العالمية ونصف احتياجات الشرق الأوسط تأتي من روسيا وأوكرانيا حيث 42% من القمح و23% من الزيوت تأتي من هذين البلدين، وعانت جميع الدول من ارتفاع أسعار الغذاء بشكل كبير العام الماضي منذ بدء العملية العسكرية الروسية.
وهناك شكوك كبيرة تحوم حول استمرار العمل بهذا الاتفاق، حيث اعلنت روسيا الانسحاب من الاتفاق منددة بالعقوبات الغربية التي تمنع الصادرات الروسية الزراعية، وتطالب روسيا بربط مصرفها المتخصص بالزراعة بنظام «سويفت» المصرفي الدولي الذي حرمت منه!
وتطالب روسيا أيضًا بالسماح لها باستيراد الآلات الزراعية وقطع الغيار وإزالة معوقات تأمين السفن والوصول إلى الموانئ الأجنبية وإلغاء تجميد أصول شركات روسية مرتبطة بالقطاع الزراعي موجودة في الخارج، واستئناف تشغيل خط أنابيب تولياني–أوديسا الذي يربط روسيا بأوكرانيا ويسمح بتسليم الأمونيا وهو مكون كيميائي يستخدم في الزراعة.
انتهى يوم الإثنين 17 يوليو 2023 سريان اتفاق الحبوب الروسي-الأوكراني دون أي تمديد ولم توافق روسيا على تسجيل أي سفن جديدة منذ 27 يونيو 2023م، وتحتدم المعارك في منطقة أوديسا حيث الميناء الأكبر الذي تنطلق منه السفن بصادرات الحبوب، والولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف الناتو يواصلون تزويد أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة آخرها القنابل العنقودية، وكل هذا يساعد على إطالة أمد الحرب واستبعاد الحلول التفاوضية!
الأمن الغذائي هو ما يهمنا الآن، حسنًا فعلت الشقيقة الكبرى مصر باستصلاحها المزيد من الأراضي الزراعية لزراعة القمح التي أصبحت تنتج منه 58% من استهلاكها، وتعتبر مصر الدولة الأولى المستوردة للقمح في العالم.
وفي مملكة البحرين حيث نعيش، أكاد أجزم أن وزارات وهيئات الدولة المعنية لربما بدأت بتفعيل برنامج «المخزون» الذي واجهت به جائحة كورونا بالاشتراك مع القطاع الخاص الممثل بالشركات الوطنية، ومن خلاله استطاعت مملكتنا اجتياز جائحة كورونا بنجاح، فلم نشعر بنقص أي مادة تموينية، فهذه الشراكة بين القطاع العام والخاص أمنت الغذاء للمواطنين والمقيمين طوال فترة الجائحة، وقصة النجاح هذه قابلة للتطبيق مرة أخرى ونحن نواجه تداعيات الحرب الروسية–الأوكرانية المرشحة للاستمرار وربما التصعيد!
وحتى لو وافقت الأطراف على تمديد العمل بالاتفاق أربعة أشهر جديدة فلربما ينتكس في أي لحظة ويصبح غير صالح نتيجة للحرب الطاحنة، وهنا أهمية العمل لتأمين مصادر الغذاء!
{ كاتب فلسطيني مقيم
في مملكة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك