في (8 يوليو 2023) نظمت تنسيقية الجمعيات السياسية مؤتمر «البطالة وتحديات البحرنة». ما قامت به الجمعيات هو جهد جماعي مشكور يعبر عن أهمية دور المجتمع المدني في التنمية وفي الاصلاح بشكل عام، ونأمل ان يستمر هذا التعاون والمساهمة الايجابية في قضايا المجتمع. كذلك قام تجمع الوحدة الوطنية بتدشين منصة «اختارني» كمساهمة منه في مساعدة الباحث عن عمل ورب العمل والمختصين على التعاون في معالجة البطالة.
طرح المشاركون في المؤتمر الكثير من التحليلات حول اسباب البطالة وقدموا حلولا متنوعة. يرى المشاركون ان البطالة نتيجة لعدة اسباب اهمها «سياسة الانفتاح في سوق العمل». فتح سوق العمل بشكل أصبح البحريني غير قادر على المنافسة. بالرغم من الفوائد للانفتاح فإن له تداعيات سلبية على سوق العمل وأضر بمبدأ «جعل البحريني الخيار الأفضل». السبب الثاني ضعف التخطيط لتوسيع القاعدة الإنتاجية كما حدث في السبعينيات والثمانينيات عندما تم انشاء شركات استوعبت أعدادا من الخريجين وقامت بتدريب مكثف لسد احتياجاتها من العمالة المدربة. السبب الثالث مواءمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق العمل، وعدم تحمل الشركات الوطنية مسؤولية تدريب الباحثين عن عمل وتوظيفهم.
السبب الرابع ان كثيرا من الوزارات والشركات الكبرى انتهجت سياسة الخصخصة، تعاقدت مع شركات خاصة توفر لها عمالة وافدة رخيصة، ما مكنهم من رفع نسبة البحرنة دون توظيف بحرينيين.
قللت هذه السياسة الطلب على العمالة البحرينية، وأعفت الشركات والوزارات من برامج التدريب، فأصبح البحريني خارج المعادلة. كذلك تحدث المؤتمر عن موضوع «الثقافة المجتمعية» وتأثيرها على فرص البحريني في التوظيف. عدد من ارباب العمل يرون ان بعض العمالة البحرينية لا تلتزم بقواعد العمل وأخلاقيات المهنة، ما يستوجب التركيز على التدريب وغرس مبادئ الالتزام بقواعد وأخلاق العمل في المدارس وفي المنزل. مهم جدا ان يفهم الباحث عن عمل واجباته تجاه صاحب العمل، كما يفهم حقوقه. الخلاصة التي توصل اليها المؤتمر ان هناك حاجة الى قرار بتخصيص مهن معينة للبحرينيين، على ان يتم التدريب لهذه المهن بالتعاون مع الشركات الكبرى والهيئات المعنية.
كذلك، في (11 يوليو 2023) الأسبوع الماضي، أعلن وزير العمل صدور «الخطة الوطنية لسوق العمل للسنوات الأربع القادمة 2023-2026». جاء في البيان ان الخطة تفتح مزيدا من الآفاق لتعزيز المسارات التنموية لتطوير سوق العمل وتوفير بيئة عمل جاذبة للاستثمار، وتعزيز اسهامات القطاع الخاص في سوق العمل مع تطوير الإجراءات الرقابية والتنظيمية. نأمل ان تنشر الوزارة هذه الخطة مع تقييم لما تحقق من الخطة السابقة.
عرَّف المؤتمر البطالة بأنها قضية متعددة الابعاد، ومعالجتها تكون شمولية على مستوى انساني وأمن وطني وأمن مجتمعي. استعرض المشاركون تاريخ البطالة منذ السبعينيات والحلول والمبادرات الحكومية التي اتُّخذت. فقد تم وضع مشاريع وطنية للتوظيف منذ 2001 إلى 2022، بمستويات متفاوتة من النتائج. والآن مع دخول سوق العمل ما لا يقل عن سبعة آلاف خريج جامعي بالإضافة إلى المتخرجين في التعليم العام فإن التحدي كبير يتطلب قرارا لوضع خطة وطنية ضمن مدة محددة يخصص بعدها وظائف للبحرينيين مع برامج تدريب وتأهيل مناسبة وسياسة تحفيز لأرباب العمل للتعاون.
البطالة في غالبيتها بطالة ناتجة عن سياسة الانفتاح وتشوه السوق بالعمالة الوافدة الرخيصة غير المنضبطة. يحتاج الطالب بعد تخرجه إلى فترة تدريب عملي في مكان عمل يكتسب خلالها مهارات العمل، وهذا ما يحدث في معظم دول العالم. من مسؤولية الدولة وأصحاب الأعمال توفير التدريب المناسب للشباب إما على رأس العمل وإما في معاهد خاصة. غير ان الشركات والمؤسسات تفضل جلب عمالة من الخارج مدربة وبتكاليف اقل ما جعلها تتخلى عن مهمة التدريب. اما الدولة فلديها برامج تدريب مثل تمكين والمعاهد، لكن الواضح انها لا تفي بالحاجة من حيث العدد والتأهيل. ولنا في شركة نفط البحرين (بابكو) قدوة في الستينيات؛ فقد وفرت تدريبا مهنيا مهما وفعالا خرَّج كفاءات بحرينية تحملت مسؤولية إدارة الشركة نفسها، وإدارة وزارات حكومية في مناصب عالية. ماذا يمنع الشركات الكبرى وتمكين اليوم من توفير مثل هذه البرامج؟
لذلك فإن معالجة البطالة عملية تكاملية تتطلب خطة استراتيجية واسعة تشمل معظم الوزارات والهيئات وفعاليات المجتمع المدني، تقوم بوضع خطة متكاملة تشمل جانبي العرض والطلب. كما ينبغي ان تشمل الخطة تحولات فكرية تقبل فرض قيود على حرية السوق في جلب العمالة الوافدة. على المدى القصير يكون الحل في وضع خطة لإحلال البحريني في مهن محددة تخصص للبحرينيين فقط، مع رفع كلفة العمالة الوافدة في هذه المهن بفرض رسوم اضافية عليها، وأن يتزامن ذلك مع حملة تدريب موجه نحو هذه المهن، وتتوسع تدريجيا لتشمل مهنا وتخصصات أخرى يقبل عليها البحريني. اقتصار مهن معينة على البحرينيين وزيادة اجورها سوف يغير من نظرة المجتمع إلى هذه المهن وقبولها من الشباب والمجتمع.
معالجات اضافية من جانب العرض تقوم على بناء رأس مال بشري يأخذ في الاعتبار سياسة التعليم والتدريب المهني في المعاهد والشركات الكبرى والسياسة السكانية، لتتحكم في كم المعروض ونوعيته ومواءمته لسوق العمل بالإضافة الى ثقافة مجتمعية تغير من وصم المهن اليدوية برفع اجورها وتقديرها والالتزام بقواعد وأخلاقيات العمل. في الوقت الحاضر العرض من العمالة يفوق بكثير الطلب على التوظيف. هذه الزيادة تخفض معدلات الأجور بحيث لا يتمكن المواطن البحريني من العيش بالراتب السائد.
من حيث الطلب فإن الهيكل الاقتصادي يحتاج إلى استراتيجية تنويع وتوسيع القطاع الصناعي وتنشيطه، على ان تقود الدولة هذه العملية لخلق وظائف إنتاجية كما حدث في الثمانينيات. يتزامن ذلك مع سياسة حازمة لإحلال البحرينيين في الوظائف العامة والشركات الكبرى المملوكة للدولة ووقف استغلال الخصخصة لتوظيف أجانب. بالإضافة إلى ذلك لا بد من تعميق التكامل والتشابك مع اقتصاد دول مجلس التعاون. نجاح المعالجات من جانب العرض والطلب سوف يعتمد على ربط مصلحة صاحب العمل ببرنامج التدريب والبحرنة والاحلال بتقديم حوافز تجعل توظيف البحريني في مصلحة أرباب العمل.
drmekuwaiti@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك