لقد أثار تدنيس القرآن الكريم ثم حرقه في السويد، مرة أخرى عاصفة سياسية من الإدانات وبيانات التنديد، ولكن أيضًا من التبرير الذي ارتقى في بعض الأحيان ليصل إلى حد الموافقة الصريحة على ما حدث. فقد أعلن مسؤولون سويديون وأوروبيون كبار أن مثل هذه الأعمال يحميها القانون.
لكن لماذا لا يحمي القانون حقوق أولئك الذين يعارضون الأجندات الغربية والاستعمار والإمبريالية والصهيونية والتدخلات العسكرية؟
فحركة المقاطعة الفلسطينية (BDS) على سبيل المثال تكافح باستمرار في المجتمعات والمؤسسات الغربية من أجل الحق في استخدام لغة معينة أو مجرد تحدٍ، وإن كان بطريقة غير عنيفة، تجاه الاحتلال الإسرائيلي وسياسة الفصل العنصري التي تنتهجها دولة إسرائيل.
تم حظر أو مراقبة آلاف النشطاء الفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي الغربية لتجرؤهم على انتقاد جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين، وقد كنت أنا بدوري من ضمن المستهدفين من الغرب.
لقد حدث ما هو أكثر من ذلك. فبمجرد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، طُلب من الحكومات الغربية حظر تلفزيون «روسيا اليوم» وغيرها من القنوات الإعلامية الروسية تمامًا من العمل في العواصم الغربية، ما أدى إلى إغلاق المكاتب وقنوات التواصل الاجتماعي وإزالة مواقع YouTube وGoogle وغيرها من عمليات محركات البحث وهلم جرا.
وفي فبراير 2022، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: «سنحظر آلة الإعلام التابعة للكرملين في الاتحاد الأوروبي».
ولسبب غريب، أصبح يمكن الدفاع عن كل هذه الرقابة بطريقة ما، وتبريرها أخلاقياً وقانونياً من وجهة نظر الغرب.
لكن لماذا يعتبر حق إهانة المسلمين عزيزا للغاية ومقدسا في نظر الحكومات والقوانين الغربية؟ ولماذا يحرق القرآن الآن؟
إن هذا الحق «مقدس» ببساطة لأن الإسلاموفوبيا موجودة على أعلى مستويات الحكومات في جميع أنحاء الغرب.
قد يجادل المشرعون والسياسيون الغربيون بأن القانون يحمي حقوق الأفراد في حرق القرآن. أما النخب الحاكمة في أوروبا فهي تشارك بشكل أو بآخر وجهة نظر أولئك الذين يحرقون القرآن أو يدنسون الرموز الإسلامية.
غالبًا ما يلقي الكثير منا باللوم على اليمين المتطرف، لكن هذا ليس سوى جزء من الحكاية وأبعادها.
ومن المتوقع أن يرد المسلمون مرة أخرى بالاحتجاج الجماعي واقتحام السفارات الغربية وحرق أعلام الدول الغربية كما هو الحال دائما.
وعندما يحدث هذا، فإن الدوائر السياسية والفكرية الغربية التي سمحت أو شجعت خطاب الكراهية في المقام الأول، تبدأ في الحديث بإطناب عن ديمقراطية الغرب والتسامح ومقارنة ذلك بغياب التسامح الإسلامي.
لكن ماذا عن التوقيت؟
لاحظوا كيف يتم حرق القرآن في كثير من الأحيان، أو إهانة الإسلام، أو تدنيس الرموز الإسلامية في كل مرة يمر فيها الغرب بأزمة وهو يائس إما لإثارة جنون عام معاد للمسلمين أو صرف الانتباه عن إخفاقاته.
لقد حدث هذا مرات عديدة عبر التاريخ القديم والحديث.
في الماضي، كلما انزلقت المسيحية إلى الفوضى والحروب الأهلية والثورات، كان الملوك الأوروبيون، بدعم من الكنيسة، يشنون حملة صليبية واحدة تلو الأخرى باسم «تحرير الأرض المقدسة الأسيرة من جحافل الوثنيين والمحمديين».
في الآونة الأخيرة، عندما غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق، أو أرادت صرف الانتباه عن إخفاقاتها الشنيعة في العراق وأفغانستان وفي كل مكان آخر في العالم الإسلامي، كان المحرضون الغربيون يندفعون إلى الشوارع لحرق القرآن أو يهينون ويسخرون من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في صحفهم ومجلاتهم.
ولكن ما هي الأزمة التي يحاول الغرب الآن صرف الانتباه عنها؟ إنها أوكرانيا، والتحول النموذجي العالمي الجاري على ساحة موازين القوى الدولية.
لقد فشل حلف الناتو في صد روسيا أو حتى إضعافها. فالهجوم المضاد الأوكراني الذي تم الترويج له كثيرًا وسط هالة إعلامية غربية كبيرة، والذي يضم أحدث الأسلحة التي يقدمها الغرب، هو فشل في أحسن الأحوال، وتحول إلى كارثة كبيرة في أسوأ الأحوال.
علاوة على ذلك، فإن شقوق الانقسام بين حلف الناتو والدول الغربية أكبر من أي وقت مضى وهي تتسع يومًا بعد يوم.
فشل تمرد فاجنر في روستوف، الذي أشعل الأمل بين الحكومات والنخب الغربية في إمكانية إسقاط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الداخل، فشلًا تامًا. في الواقع، لقد أدى ذلك إلى نتائج عكسية حيث تم نفي مجموعة المرتزقة إلى بيلاروسيا وهي تتمركز الآن على أعتاب حلف الناتو.
والأسوأ من ذلك أن العرب والمسلمين والدول من جميع أنحاء جنوب الكرة الأرضية يتجهون أكثر فأكثر إلى موسكو وبكين. فقد وقعت الجزائر مؤخرًا اتفاقية تعاون كبيرة مع روسيا – وهو ما يعني بالتالي تعزيز نفوذها في أسواق الغاز – وتصطف مجموعة من الدول للانضمام إلى مجموعة البريكس المتنامية القوة.
في مواجهة هذا الفشل الاستراتيجي والانهيار الأخلاقي والسياسي والعسكري الكامل للغرب، يظهر مجنون مفترض أمام مسجد في ستوكهولم، بمهمة مليئة بالإثارة المصطنعة تتمثل في حرق الكتاب المقدس في استفزاز لما لا يقل عن 1.8 مليار مسلم. تلا ذلك ضجة إعلامية غربية على الفور.
لكن هذا الفرد وأمثاله لا يهتمون كثيرًا بالدفاع عن حرية التعبير. إن استراتيجية الغرب ترمي إلى تحويل الأنظار عن مسائل أخرى، كما أن أولئك الذين يقومون بمثل هذه الأفعال ليسوا مجانين، لكنهم رجال أذكياء، مع وظائف عالية الأجر وأجندات سياسية.
وبالفعل، فإن هذه الأعمال المنكرة التي تتعدى على مشاعر المسلمين ومعتقداتهم هي جزء لا يتجزأ من أجندة غربية أكبر، جوهرها أن الغرب ديمقراطي ومتسامح وجيد في الأساس، وبقية العالم غير ديمقراطي وبربري ومليء بالأشرار.
هذه الحكمة الخاطئة هي مجرد وجهة نظر أخرى لرئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عندما قال في نوفمبر الماضي، إن «أوروبا حديقة»، بينما «معظم بقية العالم غابة».
بادرت روسيا مؤخرا باتخاذ خطوة مهمة حيث أصدرت قوانين تجرم حرق القرآن وهو ما يعني أن سلطات موسكو، مثل غيرها، تدرك أيضًا أن القضية سياسية بحتة - لأنها كذلك.
{ أكاديمي وكاتب صحفي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك