منذ سقوط نظام معمر القذافي، رحمه الله، بعد التآمر على نظامه من قبل حلف الناتو، والقطر العربي الليبي الشقيق لا يشهد استقرارا رغم مضي أكثر من 12 سنة كاملة على سقوط النظام، حيث تحولت ليبيا من وقتها إلى مجموعة واسعة من المليشيات وجماعات سياسية وحزبية تستند إلى مليشيات عسكرية أو شبه عسكرية إلى درجة أن ليبيا أصبحت اليوم مهددة بحرب أهلية قد تقود إلى تفكك هذا البلد العربي الكبير الذي لا يكاد يجد طريقا نحو الوفاق الوطني الذي يفضي إلى تفاهمات تضع حدا لهذا الوضع المتفجر. وقد تابعنا خلال الأسابيع والأيام الماضية الجهود التي تبذل بدعم إقليمي ودولي من أجل حل معضلة الانتخابات والانتقال إلى مرحلة تطبيع الحياة السياسية، لأن الإشكالات والخلافات بين مختلف مراكز القرار ممثلة في البرلمان الليبي ومجلس الدولة الليبي والحكومة الليبية المنتهية صلاحياتها لا تزال قائمة، بل تفاقمت خلال الفترة الأخيرة وسط قلق إقليمي ودولي من تردي الأوضاع في هذا البلد العربي الشقيق، ولذلك لا تزال الحالة السياسية والأمنية غير مستقرة وتتجه على الأرجح نحو التحول إلى أزمة مزمنة في ظل هذا الانقسام الكبير بين مختلف الأطراف المشار إليها سواء كانت تنفيذية أم تشريعية أم عسكرية أمنية، فجميع المؤشرات الواردة من القُطر الليبي تشير بوضوح إلى أن كل هذه المفاوضات واللقاءات والاجتماعات والحوارات لا تصل إلى حل بل تعود بالشقيقة ليبيا إلى المربع الأول الذي شهدناه في اتفاق جنيف وما تلا ذلك من اجتماعات في المملكة المغربية وفي تونس وفي مصر برعاية أممية في كثير من الأحيان.
أولا: فشل اتفاق جنيف الذي انبثق عنه ما يسمى بالمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وذلك لأن هذا الاتفاق كان محددا بفترة زمنية ولم تستطع الأطراف الليبية الالتزام بهذه الفترة وبالجدول الزمني للحوار نتيجة للخلافات بينهم، ولذلك لم تتمكن الأطراف الليبية من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كما كان الشعب الليبي موعودا به ورجعت حليمة إلى عادتها القديمة كما يقال، ولم تتوفق الأطراف الليبية إلى حل آخر.
ثانيا: جرت محاولات عديدة أخرى لدفع المجتمع السياسي الليبي نحو الوفاق السياسي الذي يؤدي إلى الانتخابات الموعودة وضغط المجتمع الدولي، وخاصة منظمة الأمم المتحدة على هذه الأطراف مجددا من أجل تشكيل حكومة جديدة مؤقته تكون مسؤوليتها الأساسية الإعداد والإشراف على الانتخابات وتنهي حالة الجمود والعجز عن الخروج من دائرة هذه الأزمة المتفاقمة منذ عدة سنوات.
إلا أن تشكيل هذه الحكومة عبر حل يتجاوز حكومتي «باشا» و«الديبيبة» قد حدث حوله تجاذبات سياسية بين الأطراف المختلفة لأن كل طرف يريد أن يغلب مصلحته على الأطراف الأخرى، وخاصة أن هذه الحكومة سيكون بيدها زمام الانتخابات.
ثالثا: ونتيجة لتعثر هذه المحاولات وعقم الدور الأممي الذي لم ينجح إلى حد الآن في الخروج من دائرة هذه الأزمة لم تتمكن الأطراف الليبية من الاتفاق النهائي لتشكيل هذه الحكومة المؤقتة وتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولذلك لا تزال النقاشات والحوارات تكرر نفسها من دون جدوى بغض النظر عن تفاصيل هذه الخلافات، فإنه من الواضح والجلي أنه لا حل لهذه الأزمة بشكل جذري يحقق لليبيين الوفاق الوطني إلا من خلال الليبيين أنفسهم، لأن التعويل على الشركاء الإقليميين والدوليين الذين يحاولون منذ سنوات طويلة إيجاد حلول للأزمة الليبية لم يحقق أي نجاح فعلي على الأرض، وهكذا فإن الكرة الآن في ملعب الليبيين إن أرادوا إنهاء الصراع والوصول إلى تنظيم انتخابات تشريعية لا تستثني أي طرف سياسي مع استمرار الضغط العربي والدولي على هذه الأطراف للخروج من حالة الجمود وتحقيق الانتقال السلمي للسلطة وتسليمها إلى حكومة منتخبة من الشعب بعد استكمال البنية التشريعية من دستور وقوانين وأنظمة لتنظيم الحياة السياسية بشكل سلمي، وهذا الخيار هو الخيار الوحيد أمام الأشقاء الليبيين إن أرادوا وضع حد لحالة الاستنزاف التي يتعرض لها المجتمع الليبي والاقتصاد الليبي ومخاطر كل ذلك على وحدة الشعب الليبي الشقيق واستقراره.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك