يثير الرد الذي صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية على هجمات المستوطنين الإسرائيليين على قرية «ترمسعيا» الفلسطينية وأعمال العنف الأخرى من قبل الجنود والمستوطنين الإسرائيليين تساؤلات جدية حول الإخفاقات الأخلاقية للسياسة الخارجية الأمريكية.
في أعقاب اجتياح المستوطنين المسلح لقرية «ترمسعيا» وحرق منازل وسيارات وقتل مواطن وإصابة 12 آخرين، تم تحديد هوية العديد من الضحايا الفلسطينيين كمواطنين أمريكيين أو مقيمين دائمين.
وسرعان ما أدانت وزارة الخارجية الهجوم، ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى التحقيق الفوري في الجرائم وتقديم الجناة إلى العدالة. وتلا ذلك مزيد من الإدانات لتصعيد عنف المستوطنين ودعوات لحكومة نتنياهو لكبح جماح المستوطنين «الخارجين عن السيطرة».
أثار وجود الضحايا الأمريكيين مثل هذا الرد الواضح، لكن العديد من الأسئلة تركت معلقة.
أولاً - إن عنف المستوطنين ليس جديداً، إذ يرتفع كل عام منسوب العنف في وقت الحصاد في محاولة لحرمان الفلسطينيين من جني ثمار أرضهم. في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه الحوادث متكررة لدرجة أنها أصبحت شبه روتينية، ولا تحظى إلا إشارة عابرة من حين لآخر في تقارير الولايات المتحدة الأمريكية.
طرح السؤال الأول: هل الولايات المتحدة الأمريكية مهتمة فقط عندما يكون الضحايا الفلسطينيون أمريكيين؟
ينبع هذا العنف أيضًا من نية خبيثة ذلك أن جذوره تعود إلى فترة تأسيس الحركة الصهيونية والتي تقوم أيديولوجيتها على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم. صرح وزير رفيع المستوى في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخرًا بأن الهدف هو جعل حياة الفلسطينيين صعبة للغاية بحيث يكون لديهم ثلاثة خيارات: «الاستسلام، المغادرة، أو الموت».
لماذا لم يتم التعامل مباشرة مع هذه النية العنصرية والإبادة الجماعية من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية؟
وحتى لو سلمنا بأنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتحدث علنا دفاعًا عن مواطنيها، فهل دعوة الحكومة الإسرائيلية للتحقيق مع نفسها هي أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة الأمريكية؟ وفوق ذلك كله، نحن مازلنا ننتظر حتى اليوم تكريس المساءلة والعدالة في مقتل عمر الأسد وشيرين أبو عقلة.
على الرغم من الأدلة الواضحة التي أظهرتها وسائل الإعلام الرئيسية-بما في ذلك محطة السي إن إن، ووكالة الأسوشايتد برس وصحيفة نيويورك تايمز - على أن وفاة السيدة شيرين أبو عاقلة لم تكن عرضية وكانت على أيدي إسرائيليين، فإن الإسرائيليين يواصلون «الإنكار والكذب والتعتيم» فيما يتعلق بالحقائق.
أما فيما يتعلق بالسيد عمر الأسد فمن الواضح أن موته كان على الأقل بسبب الإهمال الإجرامي للجنود الذين قيدوا وكمموا فم هذا الرجل البالغ من العمر 80 عامًا وتركوه ملقى على الأرض الباردة حيث مات. بعد مراجعة إسرائيلية للقضية تقرر إسقاط التهم الموجهة إلى الضباط المتورطين.
هل دعوة الثعلب للتحقيق في حوادث التشويه أو القتل في حظيرة الدجاج استجابة يمكن أن تولد شعورا بالرضا؟
أخيرًا، نعلم جيدا أن العديد من ضحايا ترمسعيا، التابعة لمحافظة رام الله في الضفة الغربية، كانوا مواطنين أمريكيين، لكن هل كان بعض المستوطنين الإسرائيليين الهائجين أيضًا مواطنين أمريكيين؟ وماذا عن الجنود الإسرائيليين الذين أطلقوا النار على السيدة شيرين أبو عقلة أو الذين أدت قسوتهم إلى التسبب في قتل السيد الأسد؟
هذه المعلومات مهمة.
وباعتبارهم مواطنين أمريكيين، يجب أن يكون الضحايا الفلسطينيون وعائلاتهم قادرين على متابعة الإجراءات القانونية في الولايات المتحدة الأمريكية ضد أولئك الذين هاجموهم وأحرقوا منازلهم وسياراتهم.
وللدفاع بجدية عن حقوقهم في الحياة وحماية ممتلكاتهم، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية مساعدتهم في معرفة ذلك، سواء كان الضحايا مواطنين أمريكيين أم لا، ألا يجب على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذ إجراءات ضد مواطنيها المتورطين في أعمال عنف غير قانونية نيابة عن حكومة أجنبية؟
تعمل أجهزة استخباراتنا مع الإسرائيليين لتحديد هوية الفلسطينيين الذين يُعتبرون تهديدًا أمنيًا، ووضعهم على «قائمة المراقبة»، حتى عندما لا يكون العنف موجودا.
يتم رفض منح تأشيرات لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل روتيني للمسؤولين الفلسطينيين البارزين وقادة المجتمع المدني الذين يُنظر إليهم على أنهم معادون لإسرائيل. ومع ذلك، لا يوجد تصنيف للإسرائيليين الذين شاركوا في أعمال عنف أو تحريض.
كيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تفكر حتى في قبول إسرائيل في برنامج الإعفاء من التأشيرة، وإعطاء المتطرفين العنيفين أو الجنود الإسرائيليين أو الشرطة الملطخة أيديهم بالدماء حرية الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟ وباعتباري من ضحايا عنف مائير كاهانا قبل أربعة عقود، فإني أطالب بإجابة على هذا السؤال.
إن التناقضات الأخلاقية التي ينطوي عليها رفض الولايات المتحدة الأمريكية لمحاسبة الإسرائيليين على الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، من مواطني الولايات المتحدة الأمريكيين وغير الأمريكيين على حد سواء، وفشلها في محاسبة الإسرائيليين المتهمين بانتهاكات الحقوق، تشكك في الأسس الأخلاقية للسياسات الخارجية الأمريكية.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك