في مطلع يوليو2023، تم تعزيز علاقات التعاون السياسي والاقتصادي الوثيقة بين مملكة البحرين والمملكة المتحدة، بشكل أكبر من خلال مذكرة تفاهم، بشأن استثمارات استراتيجية وتعاون، والتي وقعها سمو ولي العهد رئيس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة خلال زيارته للندن مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.
وبهدف تبسيط سبل الاستثمار بين البلدين، احتفل بالاتفاق اللورد دومينيك جونسون، وزير الاستثمار البريطاني، باعتباره تتويجًا لعلاقة تجارية ناجحة ومزدهرة، بلغت قيمتها 3,1 مليارات جنيه إسترليني في عام 2022. فيما اعتبره رئيس الحكومة البريطانية بمثابة الفصل التالي في العلاقة التاريخية والوثيقة بين لندن والمنامة، وكتب داميان ماكيلروي، في صحيفة ذا ناشيونال، أنه يمثل اللبنة الأساسية لمرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية سريعة التوسع.
وتمهد الاتفاقية، الطريق لضخ استثمارات بحرينية تصل إلى مليار جنيه إسترليني في الاقتصاد البريطاني، فضلاً عن تسهيل قيام الشركات البريطانية بأعمال تجارية مع نظيرتها البحرينية. وتُضاف مذكرة التفاهم إلى مجموعة كبيرة من صيغ التعاون الأخيرة على المستوى الحكومي بين المملكة المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي. وبالإضافة إلى استضافة جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني، اللقاء الأول للحوار الاستراتيجي مع الإمارات، في مايو 2023، تتواصل خطط لندن، لتوقيع اتفاقية تجارة حرة واسعة النطاق مع دول الخليج، وهو ما يتزامن مع جولة كيمي بادنوش، وزير التجارة الدولية إلى المنطقة، ولقائها بالمسؤولين الخليجيين، قبيل الجولة التالية من المفاوضات الرسمية حول التجارة المقرر عقدها في وقت لاحق من عام 2023.
ووفقًا لـ«مذكرة التفاهم»، سيتم تسهيل الاستثمار الإضافي في اقتصاد المملكة المتحدة، فضلاً عن دعم تنويع اقتصاد البحرين، ودفع المزيد من التعاون بين البلدين على المدى الطويل، في ضوء الإشارة إلى توقيع اتفاقية إضافية بشأن شراكة الاقتصاد الرقمي، والتي من شأنها تمكين التعاون الفني والتركيز على مصالح المستهلك، والأعمال في الاقتصاد الرقمي؛ بهدف تعزيز قطاعي التكنولوجيا والخدمات في كلا البلدين. وأشار سفير البحرين لدى المملكة المتحدة، الشيخ فواز بن محمد آل خليفة، إلى الكيفية التي تؤكد بها هذه الاتفاقيات على تحول ديناميات العلاقات الاقتصادية بين بريطانيا والخليج إلى ما وراء الأسس التاريخية لصادرات الهيدروكربونات والصادرات العسكرية، حيث أضحت العلاقات الثنائية الآن واسعة النطاق، لتشمل العلاقات المتبادلة، استثمارات في عدة قطاعات متنوعة.
ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية لاتفاقية التفاهم البحرينية - البريطانية، في توفير السبل أمام المنامة للاستثمار في الاقتصاد البريطاني.
وينعكس تقدم الاقتصاد البحريني وتنويعه المتسارع، بعيدًا عن صادرات النفط في البيانات الخاصة، بنمو الناتج المحلي الإجمالي وتقديرات الإنتاج المستقبلية. وبحسب بيانات «صندوق النقد الدولي»، فإن اقتصاد البحرين نما بنسبة 4,9% عام 2022، مدفوعا بزيادة قدرها 6,2% في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، فيما أصبح قطاع الخدمات المالية الآن أكبر مساهم في الاقتصاد الوطني، بحوالي 17,5% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
وتماشيًا مع ذلك، أشار ماكلروي، إلى تضاعف التجارة بين المنامة ولندن، تقريبًا على أساس سنوي لتصل إلى 3,1 مليارات جنيه إسترليني في عام 2022، في ضوء أن الأخيرة تحرص على توسيع مشاركتها الاقتصادية بشكل أكبر. وكجزء من اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الجديدة، من المتوقع أن تستقبل بريطانيا استثمارات بقيمة مليار جنيه إسترليني من خلال صندوق الثروة السيادية البحريني ممتلكات، وشركة الخدمات المالية أو بنك إنفستكورب، ومجموعة جي إف إتش المالية، وشركة أصول لإدارة الأصول.
وعن الكيفية التي ستسهل بها الاتفاقية استثمارات القطاع الخاص بين البلدين، أوضح اللورد جونسون، أنها ستتيح الوسائل لزيادة الاستثمار الثنائي في قطاعات التكنولوجيا، وخدمات الأعمال، وقطاعات التصنيع، فضلًا عن فتح المزيد من الأبواب أمام الشركات البريطانية للانخراط في الاقتصاد البحريني. وأشار محافظ مصرف البحرين المركزي، رشيد المعراج، إلى أن الفكرة المركزية لهذا الاتفاق تكمن في إزالة جميع نقاط الاحتكاك والخلاف، التي تمنع دون داع تدفق فرص التجارة والاستثمار، وهي إجراءات ستؤدي بدورها للسماح بمواءمة الشروط التنظيمية الثنائية، وبالتالي فتح الكثير من فرص العمل لكلا الطرفين، فضلا عن أن شراكة الاستثمار والتعاون الاستراتيجي، تمثل مزيدًا من التقدم في العلاقات المشتركة، لاسيما في ضوء التقديرات المنوطة بتيسير سبل الاستثمار والتعاون الواضح بين البلدين.
وبالنسبة إلى بريطانيا، فإن العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع مجلس التعاون الخليجي، بأكمله يتم السعي إليها بنشاط؛ حيث تحاول حكومة المحافظين تعزيز عدد وحجم الاتفاقيات التجارية منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن أن دول الخليج تعد حاليًا سابع أكبر سوق تصدير بالنسبة للمملكة المتحدة.
وفي المقابل، أشارت مجلة جلف بيزنس، إلى أن طلب المنطقة على السلع والخدمات البريطانية من المتوقع أن ينمو بوتيرة متسارعة في السنوات القادمة، بنسبة تزيد على 75% بحلول عام 2035 إلى ما يقرب من تريليون جنيه إسترليني، في ضوء أن اتفاقية التجارة الحرة من المتوقع أن توفر مزايا عديدة، ويكون لها دور في تقنين اللوائح، وتبسيط مستوى العلاقات بين الشركات.
وبالفعل، بدأت المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة -التي من المتوقع بحسب الحكومة البريطانية أن تعزز التجارة الثنائية بنسبة 16% على الأقل سنويًا، وتضيف 1,6 مليار جنيه إسترليني إلى اقتصادها- خلال صيف عام 2022، كما عُقدت ثلاث جولات من المحادثات في كل من لندن، والرياض.
ومن المقرر انعقاد الجولة الرابعة -وربما النهائية- من المناقشات في وقت لاحق في عام 2023. ومع إشارة المملكة المتحدة، إلى أنه تم إحراز تقدم جيد في المحادثات، لا سيما مع بقاء الجانبين ملتزمين بالموافقة على إبرام اتفاقية طموحة وشاملة وحديثة، مناسبة للقرن الحادي والعشرين؛ علق اللورد جونسون، أنه بالإضافة إلى الشراكة الاستراتيجية مع البحرين، والاتفاقيات المماثلة الثنائية مع دول الخليج الأخرى؛ فإن الصفقة التجارية بين بريطانيا، ودول مجلس التعاون، تعد اتفاقا جماعيا، سيجلب المزيد من فرص التجارة والاستثمار، وسيؤدي إلى تنمية اقتصاداتنا، وخلق وظائف تتطلب مهارات عالية في قطاعات العمل المستقبلية.
من جانبه، أوضح المعراج، لوكالة بلومبرج، أن المحادثات حتى الآن غطت جميع القطاعات، مضيفا أنه يحدوه الأمل أننا وصلنا الآن إلى مرحلة تجعلنا على وشك إبرام هذه الاتفاقية.
وعلق الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية البحريني خالد حميدان، بأن اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي، من شأنها أن توفر فرصة ممتازة لتعميق علاقاتنا، وحث الطرفين على فعل كل شيء يمكن القيام به معًا لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة.
من ناحية أخرى، تم إحراز تقدم في جوانب أخرى من العلاقات بين بريطانيا، ودول الخليج في الأشهر الأخيرة. وفي مايو 2023، عُقد الاجتماع الافتتاحي للحوار الاستراتيجي بين الإمارات، والمملكة المتحدة، في لندن، حيث اتفق وزير خارجية الأخيرة جيمس كليفرلي، ونظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، على تعزيز مصالحهما المشتركة، تجاه التعاون في مجال السلام الدولي والأمن والنمو الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، أشاد رئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم، توبياس إلوود، بالإمارات لكيفية جذبها اهتمام، العديد من القوى العالمية رغم الأحداث والاضطرابات الراهنة، حيث أثبتت نفسها كحليف للمملكة المتحدة، وكذلك عضو جدير في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2023.
وتأكيدا على هذا التحليل، قامت وزيرة الأعمال والتجارة البريطانية كيمي بادنوش، بزيارات شخصية للسعودية، وقطر، والإمارات، في وقت سابق من الشهر الجاري، كما التقت الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي. ودعما لتعزيز العلاقات الاقتصادية لبريطانيا بالمنطقة، ودعمها لاتفاقية التجارة الحرة؛ أصرت الوزيرة على أن الخليج، يمثل فرصة هائلة للشركات البريطانية في عدة قطاعات تمتد من مجالات الزراعة إلى التجارة الرقمية والطاقات المتجددة. وقبل نهاية يوليو، من المقرر أن يزور اللورد جونسون، الكويت، والإمارات، لإجراء محادثات حول الاستثمارات المشتركة، بما في ذلك مع ممثلين من بنك الكويت الوطني، وشركة بي أيه إي سيستمز، ومركز دبي المالي العالمي، ورولز رويس.
على العموم، يعزز اتفاق الشراكة بين البحرين وبريطانيا في يوليو 2023، العلاقات الاقتصادية المزدهرة بين البلدين. وعند النظر إلى الحماس لدى كل من لندن، والخليج، لتعزيز العلاقات الوثيقة بينهما، واقتران ذلك بالاتفاقيات الدبلوماسية السابقة المعنية بتوسيع التعاون مع السعودية، وقطر، والإمارات، فضلاً عن الاحتمال المتزايد لإبرام اتفاقية تجارة حرة شاملة قبل نهاية عام 2023؛ يبدو واضحا أن العلاقات بين بريطانيا ودول الخليج قوية، ولا يزال لديها قدرة أكبر على النمو، لا سيما مع الإرادة السياسية لدى كلا الطرفين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك