رافق نمو واتساع التكنولوجيا المالية Fintech، تعاظم الحاجة إلى أنماط جديدة من التنظيم والرقابة التقنية لإنشاء إطار تحكم أكثر تطورا وانسجاما مع متطلباتها. يتمثل أحد المجالات المحددة لهذا الإطار في استخدام التكنولوجيا التنظيمية (RegTech) وتسمى أيضا بالتكنولوجيا الرقابية التي يمكن من خلالها استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة لدعم التنظيم والإشراف في أسواق التكنولوجيا المالية خصوصا والصناعة المالية عموما. وقد شاع ظهورها بعد الازمة المالية العالمية في 2008 التي نجم عنها أعباء تنظيمية هائلة، أدت إلى تحمل المؤسسات المالية والبنوك والهيئات التنظيمية الأخرى أعباء تنظيمية مرتفعة، حيث أخضعت للوائح ونظم وتشريعات معقدة، الأمر الذي جعل الأزمة المالية 2008 تبدو وكأنها السبب وراء ظهور التكنولوجيا التنظيمية.
وعرفت التكنولوجيا التنظيمية بأنها مجموعة من الحلول التكنولوجية التي تبسط العمليات التنظيمية وتحسنها، وأنها قادرة على معالجة مشاكل إجراءات إعداد التقارير التنظيمية المعقدة في الوقت الفعلي باستخدام تحليلات البيانات الضخمة Big Data، كما عرفت بأنها آلية تهدف إلى استخدام التكنولوجيا وخاصة تكنولوجيا المعلومات للمساعدة في الامتثال للقوانين واللوائح في القطاع المالي، حيث تدعم وتعزز الامتثال والإجراءات التنظيمية، مما يجعلها أكثر كفاءة وفعالية، وتتضمن إدارة عمليات الرقابة والإشراف على قطاع الخدمات المالية باستخدام التكنولوجيا، حيث تقوم شركات متخصصة بتقديم حلول وخدمات تكنولوجيا تنظيمية بواسطة استخدام برمجيات كخدمة software as-a-serve’s من خلال منصات حوسبة سحابية لمساعدة شركات التكنولوجيا المالية والبنوك والمؤسسات المالية الأخرى، وغيرها من الشركات على الالتزام بالأنظمة واللوائح بكفاءة وفعالية، وبأقل كلفة ممكنة.
فيما يرى مجموعة من الأكاديميين والتقنيين أن التكنولوجيا التنظيمية (الرقابية) هي ليست مجموعة مستقلة من الشركات التقنية، وإنما هي مجموعة فرعية من التكنولوجيا المالية تركز على بناء التكنولوجيا التي تعمل على تحسين تقديم المتطلبات التنظيمية، وتستخدم حلولا مبتكرة لتحسين الامتثال وتقديم أنظمة آمنة وفعالة ومعتدلة الكلفة وسهلة التكامل.
وتصنف شركات التكنولوجيا التنظيمية إلى ثلاثة انواع رئيسية هي شركات الامتثال التنظيمي Regulatory Compliance Companies ويرتبط مصطلح الامتثال التنظيمي بالخدمات المالية.
ويقصد به الخضوع التام للقوانين واللوائح التي يتم اعتمادها لتنظيم القطاع المالي والمصرفي سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، وتتعرض البنوك والشركات المالية التي لا تمتثل لتلك القوانين واللوائح للمحاسبة من قبل الجهات التنظيمية المسئولة كالبنوك المركزية أو المؤسسات المالية الدولية، فمثلا يؤدي عدم الامتثال لقوانين معينة مثل قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة الأمريكي أو توجيهات مكافحة غسل الأموال الصادرة عن الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات مالية كبيرة على البنوك أو الشركات التي لا تمتثل للمعايير والقوانين والسياسات وما إلى ذلك. ويلعب الامتثال التنظيمي والقانوني دورا حيويًا في القطاع المالي، وتختلف المتطلبات التنظيمية من دولة لأخرى، إلا أن المتطلبات التنظيمية للمنظمات العالمية تكاد تكون موحدة في جميع دول العالم، مثل متطلبات لجنة بازل للرقابة المصرفية. ويعد الاستثمار في الامتثال (كالإنفاق على التدريب لتنفيذ النظم والقوانين والالتزام بالمعايير مثلا) أحد أفضل أنماط الاستثمار لأنه يوفر مبالغ كبيرة من عوائد الغرامات فيما لو لم يلتزم البنك بالقوانين والنظم والمعايير التنظيمية المعتمدة، وعندما يتم تضمين الامتثال في إطار إدارة المخاطر، فإنه يضمن استمرارية الأعمال وبالتالي تحقيق الأرباح.
إن تطوير هذا النوع من الشركات كان مدفوعًا في الغالب من قبل كل من المشاركين في الصناعة بهدف تقليل تكاليف الامتثال الخاصة بهم، وكذلك من قبل المنظمين الراغبين في تحسين قدراتهم الإشرافية، حيث يعتقدون بأنها تعمل على تحسين كفاءاتهم ليس فقط من خلال أتمتة مكونات مهامهم الإشرافية والتنظيمية، ولكن أيضًا تعزز بشكل كبير من كفاءة تقاريرهم الداخلية.
كما تسمح للبنوك المركزية في البلدان النامية بالتكيف مع توسع نطاق الرقابة، نتيجة لاتساع ابتكارات التكنولوجيا المالية، وخاصة الخدمات المالية الرقمية وتأثيرها الإيجابي على الشمول المالي.
أما النوع الثاني من شركات التكنولوجيا التنظيمية فهي شركات إدارة المخاطر Companies Risk Management، إذ تحاول هذه الشركات توقع وتحديد السلوك العالي الخطورة من خلال مجموعة من العمليات مثل تحديد المخاطر، التقييم، تحديد الممتلكات التي يمكن أن تتعرض للمخاطر، وصياغة التدابير التي تقود الى تخفيف أضرارها، ورصد وتأكيد التقدم الحاصل في اعتماد التدابير التي تخفف من آثارها، وتوفر هذه الشركات الأساس للتحول نحو نهج متناسب قائم على المخاطر، ومدعوم بالكفاءة واعتماد آليات الذكاء الاصطناعي، والتعلم العميق.
وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك