لقد جمع الحق سبحانه وتعالى جميع المحامد لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» الأنبياء / 107.
هذه الآية الجليلة الجامعة المانعة تؤكد مكانة رسول الله محمد(صلى الله عليه وسلم) الذي اختاره الله تعالى، واستخلصه من بين الرسل والأنبياء جميعًا وجعله رحمة للعالمين، وهذه الرحمة ليست خاصة بالمؤمنين، بل هي عامة لجميع الخلق، فرسول الله(صلى الله عليه وسلم) هو الذي تحدث القرآن الكريم عنه باستفاضة بين أصحابه وأتباعه، فقال تعالى عنه: « فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين» آل عمران / 159.
هذا هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه من المؤمنين.. رحيم لين غير فظ ولا صخَّاب في الأسواق، ولا شتَّام للناس، قال له أصحابه يومًا: لماذا لا تدعو على الكفار؟! قال لهم: أنا لم أبعث لعانًا، ولكني بعثت رحمة للعالمين.
كان صلوات ربي وسلامه عليه يبدأ الداخلين عليه بالسلام، وكان لا ينزع يده حتى ينزعوا هم!
سئلت أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق (رضوان الله تعالى عنهما عن خلق رسول الله، فقالت: كان خلقه القرآن، وقرأت عليهم قوله سبحانه: «وإنك لعلى خلق عظيم» القلم / 4. وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشورة لأصحابه عملًا بقوله سبحانه: «وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله..» آل عمران/ 159. ولقد أرسى القرآن العظيم مبدأ الشورى في سورة تحمل نفس العنوان في قوله تعالى: «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون» الشورى / 38.
ورغم أن المسلمين قد هزموا في أحد بعد استشارة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يتوقف عن مشاورة أصحابه، بل عزز مكانة الشورى في حياته صلى الله عليه وسلم، وحياة أصحابه، وأرجع أسباب الهزيمة إلى مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم من الرماة الذين نزلوا عن الجبل قبل أن يأذن لهم بذلك.
ومحمد (صلى الله عليه وسلم) هو الرسول الوحيد الذي جعله الله تعالى ميزانًا للوسطية حين قال تعالى: «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرًا عظيما» الفتح / 29.
إن القرآن الكريم يقدم لنا وللبشرية أبهى صورة لهذا الرسول الكريم الذي اختاره ربه سبحانه، واصطفاه من بين خلقه واستخلصه، فكان من المخلصين الذين صنعهم الله تعالى على عينه، وجعله رحمة للعالمين، يقول تعالى: «والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى(2) وما ينطق عن الهوى(3) إن هو إلا وحي يوحى(4) علمه شديد القوى(5)» النجم.
هذا هو رسول الإسلام الذي طهره الله تعالى، وزكاه واستخلصه من بين خمسة وعشرين من أنبياء الله ورسله الكرام، ثم اختاره ليكون من الصفوة المختارة من أولي العزم من الرسل، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم صلوات من ربهم ورحمة، ثم إمامهم وصفوتهم، فكان صاحب الدين الكامل والنعمة التامة، والمعجزة الوحيدة الباقية وهي القرآن الكريم، وهو الكتاب الوحيد الذي تكفل الله تعالى بحفظه وصيانته من أي تحريف أو تزوير، قال تعالى: «..وإنه لكتاب عزيز(41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد(42)» سورة فصلت.
ولقد أوتي رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) من المكارم والمحامد ما لم يؤت نبي أو رسول من قبل، يقول صلى الله عليه وسلم: «أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب» صحيح البخاري.
ومن رحمته بالبهائم، وشفقته بها أن امرأة بغي غفر الله تعالى لها بعد أن سقت كلبا كاد يهلك من شدة العطش، وفِي المقابل دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
ومن وصاياه الرحيمة قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته» رواه مسلم في صحيحه.
وبعد، فهذا هو رسول الإسلام العظيم في أبهى صورة، وأنقى وأطهر سيرة.. هذا هو رسول الإسلام الذي اختاره الله ليختم به ركب الأنبياء والمرسلين.. هذا هو رسول الإسلام الذي كرمه الله تعالى.. هذا هو رسول الإسلام ليكون صاحب الدين الكامل، والنعمة التامة، وصاحب المعجزة الوحيدة الباقية والخالدة التي
تزداد كل يوم بهاءً، وتألقًا، وخلودًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك