العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أرملة في سن الأربعة

نظر‭ ‬القاضي‭ ‬إلى‭ ‬الأرملة‭ ‬مليّا‭ ‬ثم‭ ‬سألها‭: ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬أبناء‭ ‬ذكور‭ ‬من‭ ‬المرحوم؟‭.. ‬نظرت‭ ‬‮«‬السيدة‮»‬‭ ‬ببلاهة‭ ‬إلى‭ ‬القاضي،‭ ‬وتساءلت‭ ‬بدورها‭: ‬شنو‭ ‬يعني‭ ‬ذكور،‭ ‬واستمر‭ ‬الحوار‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

القاضي‭: ‬حسنا،‭ ‬هل‭ ‬لديك‭ ‬بنات؟

السيدة‭: ‬نعم‭ ‬عندي‭ ‬علوستان‭.‬

القاضي‭: ‬عندك‭ ‬عروستان‭.. ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.. ‬كم‭ ‬عمرهما‭.‬

السيدة‭: ‬واحدة‭ ‬جديدة‭ ‬بلاستيكية،‭ ‬والثانية‭ ‬من‭ ‬العيد‭ ‬اللي‭ ‬فات،‭ ‬بس‭ ‬من‭ ‬القماش‭.‬

القاضي‭: ‬عفوا‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬عرائس‭ ‬اللعب‭. ‬ما‭ ‬علينا‭. ‬هل‭ ‬كنت‭ ‬الزوجة‭ ‬الوحيدة‭ ‬للراحل؟

السيدة‭: ‬أنا‭ ‬مو‭ ‬زوجة؟

القاضي‭: ‬يا‭ ‬مثبت‭ ‬العقول،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكوني‭ ‬زوجة‭ ‬فلماذا‭ ‬تطالبين‭ ‬بنصيبك‭ ‬في‭ ‬الورثة؟

السيدة‭: ‬ايش‭ ‬يعني‭ ‬ورثة؟

القاضي‭: ‬يا‭ ‬بنتي‭ ‬الله‭ ‬يخليكي‭ ‬اعفيني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬واطلبي‭ ‬التحكيم‭ ‬من‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭.‬

السيدة‭: ‬أنا‭ ‬ما‭ ‬أبغي‭ ‬تحكيم‭.. ‬أبغي‭ ‬حلوى‭.‬

الحوار‭ ‬أعلاه‭ ‬مفبرك‭ ‬ولكنه‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬كثيراً،‭ ‬وهو‭ ‬يلخص‭ ‬جانبا‭ ‬من‭ ‬حكاية‭ ‬البنت‭ ‬اليمنية‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬أرملة‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجها‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬فطالب‭ ‬ذووها‭ ‬بنصيبها‭ ‬في‭ ‬ميراث‭ ‬زوجها‭ ‬الراحل،‭ ‬وبإمكان‭ ‬القارئ‭ ‬أُن‭ ‬يعمل‭ ‬خياله‭ ‬لتكملة‭ ‬الحوار،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬القاضي‭ ‬سيسألها‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬الخلوة‭ ‬الشرعية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬‮«‬دفوعات‮»‬‭ ‬أهل‭ ‬الزوج‭ ‬الراحل‭ ‬الذين‭ ‬لن‭ ‬يتهاونوا‭ ‬في‭ ‬‮«‬ريال‮»‬‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬الفقيد،‭ ‬وسيعرض‭ ‬عليها‭ ‬القاضي‭ ‬وثيقة‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تأكيد‭ ‬من‭ ‬صحتها،‭ ‬وسيكتشف‭ ‬أن‭ ‬الأرملة‭ ‬أمية‭ ‬لأن‭ ‬أهلها‭ ‬لم‭ ‬يتركوها‭ ‬تبدأ‭ ‬تعليمها‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬بلغت‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬أربعة‭ ‬أعوام‭ ‬كاملة‭!‬

أشعر‭ ‬بالاستياء‭ ‬من‭ ‬نفسي‭ ‬لأنني‭ ‬أتحدث‭ ‬باستخفاف‭ ‬وقسوة‭ ‬عن‭ ‬طفلة‭ ‬لم‭ ‬تلتحق‭ ‬بعد‭ ‬بـ«الروضة‮»‬،‭ ‬وعن‭ ‬صبي‭ ‬مات‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬العاشرة،‭ ‬ولكن‭ ‬عزائي‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تقرأ‭ ‬كلامي‭ ‬هذا،‭ ‬وأن‭ ‬الموت‭ ‬أراح‭ ‬ذلك‭ ‬الصبي‭ ‬من‭ ‬قسوة‭ ‬ذويه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬أشعر‭ ‬براحة‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬والد‭ ‬العروس،‭ ‬الطفلة،‭ ‬الأرملة‭ ‬بالذات‭ ‬حقيقة‭ ‬مشاعري‭ ‬تجاهه‭.. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬ببنته‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الوأد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أسلافنا‭ ‬يمارسونه،‭ ‬تلك‭ ‬كانت‭ ‬الجهالة‭ ‬الجهلاء،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬جاهلية‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬بحق‭ ‬وحقيق‭.‬

إن‭ ‬أسوأ‭ ‬ما‭ ‬ابتليت‭ ‬به‭ ‬أمتنا‭ ‬هو‭ ‬استخفافها‭ ‬بنسائها،‭ ‬بينما‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬الأم‭ ‬والزوجة‭ ‬والأخت‭ ‬والابنة‭ ‬والحبيبة‭ ‬والعمة‭ ‬والخالة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنها‭ ‬‮«‬ملطشة‮»‬‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬رجال‭ ‬جهلة‭ ‬رعناء‭. ‬ومازال‭ ‬بعضنا‭ ‬يعتبر‭ ‬ذكر‭ ‬أسماء‭ ‬بناته‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين‭ ‬عاراً،‭ ‬وبعضنا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬بناته‭ ‬سلعة‭ ‬يشتري‭ ‬بها‭ ‬الوجاهة‭ ‬والارتقاء‭ ‬الطبقي،‭ ‬بإرغامهن‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬بذوي‭ ‬الجيوب‭ ‬المليانة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬‮«‬مواصفات‭ ‬الزوج‭ ‬الضرورية‭ ‬الأخرى‮»‬‭. ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬الإحصائيات‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬الفتيات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬يتفوقن‭ ‬على‭ ‬الاولاد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التحصيل‭ ‬والاستيعاب‭ ‬وسعة‭ ‬الأفق،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬حيلتنا‭ ‬في‭ ‬جنس‭ ‬الرجال‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬نفسه‭ ‬‮«‬مميزا‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬يختلف‭ ‬بيولوجيا‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬طفيف‭ ‬عن‭ ‬جنس‭ ‬النساء؟

مجتمعنا‭ ‬الرجالي‭ (‬وليس‭ ‬النسائي‭) ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬الذلّ‭ ‬الذي‭ ‬يلتصق‭ ‬بجبين‭ ‬أمتنا‭.. ‬الرجال‭ ‬هم‭ ‬المسؤولون‭ ‬عن‭ ‬دخول‭ ‬الأيدز‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭.. ‬جلبوه‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الدنيا‭ ‬خلال‭ ‬رحلتي‭ ‬الشتاء‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬والصيف‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭.. ‬تسعون‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬تفكك‭ ‬الأسر‭ ‬عندنا‭ ‬بسبب‭ ‬أنانية‭ ‬وشهوانية‭ ‬الرجل‭.. ‬وبعض‭ ‬الرجال‭ ‬مجرد‭ ‬شوارب،‭ ‬والشارب‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬وانبرم‭ ‬ليس‭ ‬رخصة‭ ‬للتلاعب‭ ‬بمصير‭ ‬بنت‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬أو‭ ‬الأربعين‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا