خاطرة
عبدالرحمن فلاح
الأعلام.. الصِدِيقُون!
قال تعالى: «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» النساء / 69.
ونلاحظ هنا أن الصديقين قد جاءوا بعد الرسل والأنبياء مباشرة وقبل الشهداء، وهم الذين اتخذوا من الصدق في القول والفعل عنوانًا يدل الناس عليهم، ومجيئ الصادقين بعد الأنبياء يدل ذلك على عظمة هؤلاء الأعلام، ورفعة شأنهم عند الله تعالى رغم أن الشهداء قد مدحهم القرآن، ووصفهم بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، قال تعالى: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون (163) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170)» آل عمران.
إن حياتهم لم تنته بموتهم، بل هي ممتدة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، والدليل على أنهم أحياء أنهم يرزقون، واستمرار الرزق لهم دليل على استمرار الحياة، وهي حياة تناسب حياة البرزخ.
والحرص على الصدق، وتتبعه في مظانه أمر يحضنا الإسلام عليه، ويدعونا إلى الالتزام به لأنه الطريق السوي إلى الجنة، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» رواه الإمام البخاري.
والصدق والمداومة عليه، وتحريه في مظانه يقود صاحبه إلى أن مرتبة عليا، وهي الصِدِّيقية، وهي صفة من صفات الرسل الكرام، بل هي من صفات أولي العزم منهم، قال تعالى: «واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صِدِّيقًا نبيا» مريم / 41.
وقال سبحانه: «واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صِدِّيقًا نبيًا» مريم / 56.
ولم ينل هذه الصفة العظيمة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) مع تفاوت في المنزلة بين صِديقية الأنبياء وصِديقية الصحابة، وأبو بكر الصديق قد نال هذه المنزلة عن استحقاق لأنه ما كذب قط، وكان يستقبل كل خبر من رسول الله وعنه بقوله: لقد صدق! ولما وصل إليه خبر الإسراء والمعراج، واستنكروا عليه تصديق الخبر دون تردد، قال لهم: إني أصدقه بأمر السماء ألا أصدقه بهذا الخبر ولذلك سماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصِدِيق!
هؤلاء هم الصديقون الذين اصطفافهم ربهم ليكونوا نماذج يحتذى بها، وهداة يسير الناس على خطاهم، وهم من عشاق الصدق، والمتحرون له فيما يأخذون من قول وفعل، وفيما يدعون، ويكون غايتهم العظمى هي الصدق حتى يلقون الله تعالى وهم عليه، فينتهج الناس نهجهم، ويسيرون على دربهم، ويذوقون حلاوة أفعالهم وأقوالهم، ويكونون أسوة طيبة، وأحدوثة جميلة لمن يجيء بعدهم، ويرجو أن يكون في معيتهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك