كتبت دلال العلوي:
تصوير عبدالأمير السلاطنة:
خرجت «أم ياسر» عن صمتها لأول مرة في لقاء حصري مع صحيفة أخبار الخليج، بدموعها الغفيرة تسرد لنا الأم العظيمة معاناتها وروتين تربيتها لمواجهة المجتمع مع طفلها المتوحد ياسر ذي الـ 7 سنوات والمفعم بالحيوية والطاقة الإبداعية والذكاء الفطري ولكنه يعيش بصمت ما بين التهميش ولغة التنمر المرفوضة من قِبل البعض في هذا المجتمع الذي يرفض أن يتقبله كفرد طبيعي كما انه بحاجة إلى فرصة من وزارة التربية والتعليم ان يكون له مقعد دراسي في احدى المدارس الخاصة مع الأطفال الطبيعيين حتى يحرز تقدماً إيجابياً في حالته وهذا من منطلق تعزيز مفهوم ومعاملة الطفل المتوحد كأحد أفراد المجتمع الملهمين الذين يحتاجون إلى فرصة لتحقيق احلامهم.
تقول أم ياسر «ابني منذ ولادته كان طفلا طبيعيا ينطق بعض الكلمات المعتادة ماما وبابا حتى سنة ونصف من عمره لاحظنا عدم قدرته على الكلام فجأة وعدم التجاوب معنا وغير متفاعل مع من حوله حينها انتابني الشك بأن ياسر طفل متوحد خصوصاً بعدما كان يقوم بتصرفات تدل على إحساسي الصائب مثل صرخات بسيطة ورفرفة اليدين والدوار حول نفسه والمشي على أطراف أصابعه، رغم انه اثناء الحمل وبعد الولادة لم تكن هناك أية مؤشرات تفيد بأن الجنين سيصاب بتلك الحالة».
وتضيف بعد مراقبتي لحالة ياسر كنت أعيش في صدمة وبعد مرحلة الاستيعاب تيقنت بأن ولدي بحاجة أن أعتمد على نفسي كأم حيث كرّست وقتي في القراءة والاطلاع وتوفير البيئة الصحية والمناسبة لطفلي حتى نستطيع أن نتغلب على الظروف المعاكسة ونظرة المجتمع والأقارب لنا. وبدأت برحلة البحث عن الحلول فتوجهت إلى الاخصائيين والمراكز والمدارس الخاصة على أمل التشافي ولكن دون جدوى للأسف، مرت أيام وأشهر من الألم النفسي والحيرة كما ان المحبط في الأمر أن بعضهم شخصوا حالته بأنها مرضية ونفسية ومنهم من قال بأنها صحية وأن الأمر طبيعي ولكنه لم يكن كذلك بتاتاً. إنه التوحد الذي لا يمكن أن نسميه مرضا بل حالة لا نعلم أسباب حدوثها.
«الاخصائي المادي وأنانيته
سبب فشل علاج ياسر»
وتتابع أم ياسر: استمرت حياتي الطبيعية مع ياسر حتى أكمل من العمر خمس سنوات وبات بحاجة إلى التعلم ومخالطة الأطفال فأدخلته إحدى المدارس الخاصة وكان تفاعله مع زملائه أكثر من رائع حيث يلعب ويكتب ويتفاعل بالحركة أكثر من الكلام لقلة مهارته في النطق، حينها بحثت عن اخصائي النطق وكانوا يقابلوني بالرفض لسبب ان ياسر يحتاج إلى تعديل سلوك قبل معالجة النطق ومن جهة أخرى وجدت اخصائيا يشهد له علاجه وآثاره الإيجابية على النطق عند ياسر. وثم تفاجأت بمطالبهم المادية واستغلالهم لوضعه حتى قررت أن ادربه على النطق بنفسي، وهنا استطيع ان أجزم بأنه التحدي الأصعب.
«معاناتي مع المدارس الخاصة؟»
وتكمل قائلة: في الواقع لم تكن معاناة بقدر ما كان خوفا على ياسر من الضياع والشعور بالإتكالية، في البداية كنت اشعر بالتعب النفسي والتفكير بين الألم والأمل المفقود والاختيارات المتاحة غير المساعدة في رحلتي مع طفلي المتوحد الذي بحاجة إلى أن يختلط بأفراد المجتمع شاء البعض أم أبى، ولكن ما يؤسفني قوله هو ان خيبتي المؤلمة والحقيقية كانت مع المدارس الخاصة الذين يرفضون ياسر بقسوة رغم وجود قسم الرعاية الخاصة لديهم، كانت هناك خيارات عديدة ولكن المعاناة تبدأ منذ أول خمسة دقائق تتخللها مقابلة شخصية معه واسئلة تتطلب من ياسر الكتابة الورقية وهو غير قادر على ذلك بإتقان، أليس من حق طفل التوحد أن يتم تقييمه بشكل أفضل وبمراعاة أكثر خصوصية لحالته؟! للأسف ان بعض المدارس تعلن عن قسم الرعاية الخاصة ولكنها ليست جاهزة لاحتواء حالات أطفال التوحد دون معرفة السبب كما إنني طالبت كثيرا وكنت ومازلت أتمنى واجاهد وأجتهد أن يدرس ياسر كطالب مع الطلبة الطبيعيين لممارسة حقة الطبيعي في التعليم ومخالطة زملائه حيث ان البيئة المدرسية مساعد إيجابي لأطفال التوحد لكن المؤسف إنهم يعاملون ياسر معاملة لا تليق به ولا تليق ايضاً بأي طفل توحدي يستحق كل فرصة من فرص الحياة والعيش كإنسان طبيعي. «يرفضونه ويقولون مو جاهزين لاحتوائه، ليش ولدي ما ينقبل شنو ناقصه ؟!»
«مطلبي ليس ماديا بل إنسانيا بحتا»
وتختتم أم ياسر حديثها: كلي أمل بأن النصيب الجميل سنناله وإن طال الزمن، وحتى ان كانت السبل مؤدية إلى نتيجة غير مرضية لم ولن استسلم حتى أتغلب على معاناتي حيث ان مطالبي ليست مادية بل إنسانية بحتة وهي أتمنى أن يتم إعادة النظر في حقّ طفلي ياسر للحصول على مقعد في إحدى المدارس الخاصة مع الأطفال والطلبة الطبيعيين وسنوفر له كل المطلوب حتى يستثمر طاقته النفسية والفكرية والبدنية ويرفع اسم مملكة البحرين عالياً ويفرض نفسه وإبداعاته على المجتمع.
وتشير إلى أن المجتمع يبدو وكأنه لا يستطيع تقبل الطفل المتوحد بينهم، وأنا الوم البعض منهم وقلة التوعية هي السبب الرئيسي لدرجة ان البعض يفتقد مهارة التواصل والتعامل مع أطفال التوحد خاصة في الأماكن العامة، ينظرون له كالمجنون او المعدي، هناك مواقف كثيرة تعرضت لها انا وياسر. وتلك إحداها موقف مع إحدى الأمهات وقفت امامي بصوتها عاليا «ليش تخلينه يصارخ إذا طفلك توحدي قعدي معاه في البيت» ظنا منها ان الأطفال المتوحدين مكانهم خلف القضبان. ولم يكن صراخ ياسر كمصدر لإزعاج الآخرين بل لغته تختلف عن الطبيعيين في التعبير عن سعادته. لذلك حفاظاً على مشاعر ياسر وحتى لا يتهجم عليه أحدهم لفظياً وجسدياً علقت على صدره عبارة مكتوب عليها «انا طفل توحد» حتى يراعي البعض مشاعرنا وعدم التدخل في خصوصياتنا، مشددة على أن علاج الطفل المتوحد ان يعتمد على نفسه وممارسة الهواية الأحب إلى قلبه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك