في 4 مايو الماضي انطلقت في «دبي»، فعاليات القمة العالمية للمرأة، التي نظمها «معهد المرأة العالمي للنساء والتعليم»، الذي يتخذ من «واشنطن»، مقرًا له، حول موضوع «المرأة القيادة.. ضمن مناخ جديد من التغيير»، وحضرها أكثر من 900 مبعوثة من 70 دولة، يمثل كل منها اقتصادًا مختلفًا. وتعد هذه القمة -التي تعقد لأول مرة في دولة خليجية منذ انطلاقها من 33 عاما- منصة عالمية رئيسية للأعمال والاقتصاد الدولي، لمختلف القيادات النسائية، ممثلات قطاعات حكومية ومديرات تنفيذيات ورائدات أعمال.
تناولت محاور القمة؛ «تطوير شبكات التواصل الاقتصادي»، و«تبادل الخبرات وأفضل الممارسات»، مع التركيز على «توفير حلول استراتيجية دائمة للنهوض بالتقدم الاقتصادي للمرأة». وكانت الدكتورة «مريم السويدي»، الرئيس تنفيذي لهيئة الأوراق المالية والسلع بدولة الإمارات، قد شاركت بفعالية في الجلسة الخاصة حول «ممارسة الأعمال في الإمارات»؛ لتزويد المشاركين بالمعلومات الأساسية اللازمة لتشكيل الشراكات وفرص الأعمال المستقبلية. وفي التقرير الذي أصدرته القمة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تم تقديم دراسة ميدانية مفصلة عن النساء اللاتي يشغلن مقاعد في مجالس إدارة الشركات المدرجة في الأسواق المالية في المنطقة، وتغطي 1148 شركة مدرجة في 16 اقتصادا مختلفا.
وعن سبب اختيار «الإمارات»، لعقد هذه القمة؛ قالت «إيرين ناتيفيداد»، رئيسة القمة، إن المرأة تشكل 50% من البرلمان الإماراتي، و30% من مجلس الوزراء، فضلا عن نظم الدولة التي تضمن حصة للنساء في مجالس إدارات الشركات، كما تمثل المرأة الإماراتية نصف القوى العاملة الوطنية، وارتفع تمثيلها في مجالس إدارات الشركات في عامين من 4% إلى 8,8%، فيما تمثل الكوادر النسائية نحو 42% من القوى العاملة في مركز محمد بن راشد للفضاء، و80% من فريق عمل مسبار الأمل. وخلال منتدى «القيادة الحكومية قدمت الدكتورة «ميثاء الشمسي»، وهي وزيرة دولة، مبادرة تحسين حياة المرأة، التي انطلقت ضمن برنامج تحت رعاية الشيخة «فاطمة بنت مبارك»، «أم الإمارات»، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة.
وقبل انعقاد قمة «دبي»، بشهرين، انطلقت في العاصمة الإماراتية «أبو ظبي»، في فبراير «القمة العالمية للمرأة 2023»، تحت عنوان «دور القيادات النسائية في بناء السلام والاندماج الاجتماعي وصنع الازدهار»، والتي نظمها «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة»، بالتعاون مع الاتحاد النسائي العام. وذلك بالتزامن مع ذكرى مرور قرن على حصول النساء على الحق في التصويت والانتخاب. وفي الكلمة الافتتاحية التي ألقتها الشيخة «سما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان»، الرئيس التنفيذي لهيئة المسرعات المستقلة لدولة الإمارات للتغير المناخي، نيابة عن أم الإمارات الشيخة فاطمة بنت مبارك؛ أكدت سياسة الدولة في دعم تمكين المرأة وإسهاماتها في مختلف المجالات، حتى غدت قاضية، ورائدة فضاء، وسفيرة، وطبيبة، ومهندسة، وقائدة طائرة، ومتخذة قرار، فيما تحظى بحضور أكثر من 50% في مختلف مراحل التعليم.
ومن الجدير بالذكر، أن توالي عقد مثل هذه القمم في دولة خليجية له دلالاته الواضحة على تغير الصورة الذهنية، التي كانت سائدة عن المرأة الخليجية، لجهة ارتفاع نسبة مشاركتها في المجال الاقتصادي، وفي إدارة الشأن العام، وتأكيد التزام دول الخليج بتنفيذ أحكام اتفاقية السيداو «في مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة»، بعد أن صادقت عليها تباعًا، بدءًا بالكويت 1994، فالسعودية 2000، ثم البحرين 2002، فالإمارات 2004، ثم سلطنة عُمان 2006، ثم قطر 2009.
غير أن بداية الاهتمامات الدولية بالمرأة الخليجية بدت حين عين جلالة الملك «حمد بن عيسى آل خليفة »، عام 1999، الشيخة «هيا بنت راشد آل خليفة»، أول سفيرة لمملكة البحرين لدى الجمهورية الفرنسية، والتي تم انتخابها في 2006 رئيسًا للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعدها توالى شغل النساء البحرينيات للوظائف الدبلوماسية؛ فتولت السيدة «بيبي السيد شرف العلوي»، رئاسة البعثة الدبلوماسية البحرينية لدى جمهورية الصين الشعبية في 2007، و«هدى عزرا نونو»، سفيرة لدى الولايات المتحدة في 2008، والسيدة «أليس توماس سمعان»، رئيسة البعثة الدبلوماسية لدى المملكة المتحدة في 2011، وفوزية زينل سفيرًة في جمهورية مصر العربية 2023، وتعيين الشيخة «رنا بنت عيسى بنت دعيج آل خليفة»، أول وكيلة وزارة في الخارجية على مستوى الوطن العربي في 2017، فيما تشكل المرأة 32% من مجموع وظائف الخارجية البحرينية.
وفي يوم 24 يونيو الماضي، كانت السفارة السعودية في القاهرة تقيم احتفالاً؛ بمناسبة «اليوم العالمي للمرأة في الدبلوماسية»، وكانت أول سفيرة سعودية الأميرة «ريما بنت بندر»، عام 2019، سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة، ثم توالى تعيين 4 سفيرات سعوديات حول العالم. وفي «الإمارات»، تشغل المرأة منصب المندوب الدائم للدولة لدى منظمة الأمم المتحدة، إضافة إلى 7 سفيرات أخريات في السلك الدبلوماسي، وأخريات في قنصليات عدة دول.
وبالمثل، برزت المرأة الكويتية في السلك الدبلوماسي، وشغلت «نبيلة الملا»، أول سفيرة لدى جمهورية زمبابوي، ثم غدت مندوبة دائمة في الأمم المتحدة، وتولت رئاسة مجلس أمناء المركز الثقافي الإسلامي في نيويورك، كما اختيرت «ريم محمد خالد زيد الخالد»، مساعدة لوزير الخارجية لشؤون الأمريكتين. وفي «سلطنة عُمان»، تولت «خديجة بنت حسن اللواتية»، منصب سفير السلطنة لدى هولندا عام 1999. فيما تولت الشيخة «علياء بنت أحمد بن سيف آل ثاني»، منصب المندوب الدائم لدولة قطر في المقر الأوروبي للأمم المتحدة، وبعدها في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في الفترة من أبريل 2007 – 2011، حين أصبحت سفيرة بالخارجية، فيما تولت الشيخة «لولوة بنت راشد»، منصب المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، ومساعدة وزير الخارجية.
وكما أثار تواجد المرأة الخليجية في المجال الدبلوماسي، الاهتمامات الدولية بها؛ لاتساع دوائر نشاط هذا المجال؛ فإن تواجدها في المناصب الوزارية أيضًا عزز هذا الاهتمام؛ ففي البحرين تم تعيين الأستاذة لولوة العوضي أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للمرأة عام 2001 - بمنصب وزير حتى 2010- تلتها الأستاذة هالة الأنصاري، ودخلت المرأة الحكومة عام 2004 حين تولت الدكتورة ندى حفاظ منصب وزيرة الصحة، وأصبحت الآن تشغل 5 حقائب وزارية؛ تشمل التنمية المستدامة، والسياحة، والشباب، والصحة والإسكان والتخطيط العمراني.
كما تشغل المرأة 9 حقائب وزارية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي التشكيل الوزاري الجديد بالكويت تولت منصب وزارة الأشغال العامة، ومنصب الشؤون الاجتماعية والطفولة. وفي سبتمبر من العام الماضي، عينت السعودية لأول مرة امرأة بمرتبة وزير، لترأس جهازا لمراقبة حقوق الإنسان. وهناك 3 حقائب وزارية للمرأة في قطر. وفي «سلطنة عُمان»، حصلت المرأة على منصب وزيرة في 2003، وكان للشيخة «عائشة بنت خلفان بن جميل»، كرئيس للهيئة العامة للصناعات الحرفية، وفي 2004 تم تعيين «رجحة بنت عبدالأمير وزيرة» للسياحة، و«راوية البوسعيدية»، وزيرة للتعليم العالي، و«شريفة بنت خلفان»، وزيرة للتنمية الاجتماعية، وفي 2011 «مديحة بنت أحمد بن ناصر»، وزيرة للتربية والتعليم، وفي 2019 «عزة بنت سلمان»، وزيرة للتقنية والاتصالات، وأخيرًا عيّن السلطان «هيثم بن طارق»، «رحمة المحروقية»، وزيرة للتعليم العالي والابتكار، و«ليلى النجار»، وزيرة للتنمية الاجتماعية.
ويضاف إلى ما سبق من زيادة الاهتمامات الدولية بالمرأة الخليجية، تصاعد وجودها في المؤسسات التشريعية. ففي مجلس النواب البحريني غدت تشغل 20% من إجمالي مقاعد مجلس النواب (8 من إجمالي 40)، فيما بلغ عدد النساء في المجالس البلدية 7 من إجمالي 40، وبلغ عدد عضوات مجلس الشورى 10 من إجمالي 40 بنسبة 25%. وحصدت المرأة السعودية 20% من إجمالي أعضاء مجلس الشورى البالغ 150 عضوًا، بموجب الأمر الملكي الذي أصدره العاهل السعودي الراحل «عبد الله بن عبد العزيز»، في 25 سبتمبر 2011، ما كان له دوره المؤثر في نهوض المرأة، وتعزيز مكانتها من خلال الدور التشريعي والرقابي لهذا المجلس.
وفيما لم تفز المرأة في انتخابات مجلس الشورى القطري 2021، فقد عيّن أمير قطر الشيخ «تميم بن حمد»، امرأتين لعضوية هذا المجلس. وفي «سلطنة عُمان»، تشغل المرأة 12 من إجمالي 86 في مجلس الدولة، وامرأتان من أصل 86 في مجلس الشورى. وفي انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2023، فازت امرأة واحدة هي الوزيرة السابقة «جنان محسن رمضان البوشهري»، وكانت ضمن 13 مرشحة، تنافسن على عضوية المجلس البالغة 50 مقعدًا. فيما بلغت نسبة عضوية المرأة في المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي 50% ما كان محل إشادة الاتحاد البرلماني الدولي.
وإضافة إلى المجال السياسي، فقد أثار الاهتمامات الدولية، صعود المرأة الخليجية في مجال الأعمال، حيث ضمت «قائمة فوربس»، الشرق الأوسط السنوية لأقوى سيدات الأعمال 2023، أربع سيدات أعمال بحرينيات، و15 سيدة أعمال إماراتية، و8 كويتيات، و6 سعوديات، و6 قطريات، و4 عُمانيات.
وإلى جانب هذا، برزت المرأة الخليجية في المجال الرياضي محليًا ودوليًا، وكانت المرأة البحرينية هي الأكثر تألقًا في المجال الرياضي في مختلف المحافل والبطولات المحلية والعربية والآسيوية والعالمية، ومؤخرًا فاز منتخب سيدات البحرين لكرة القدم ببرونزية بطولة غرب آسيا، كما تتولى الشيخة «حياة بنت عبد العزيز» رئاسة اتحاد كرة الطاولة، كما تم اختيارها لتولي منصب رئيس اللجنة التنظيمية لرياضة المرأة بمجلس التعاون الخليجي وعضوا في لجنة تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين في اللجنة الأولمبية الدولية. وفي السعودية ارتفعت المشاركة الرياضية للمرأة السعودية في الـ 5 أعوام الأخيرة بنسبة 150%، فيما اقتحمت المرأة الكويتية الرياضات العنيفة كالملاكمة، وحصدت «نورا المطيري»، ذهبية بطولة الملاكمة، التي أقيمت في السعودية في ديسمبر الماضي، كما حازت المرأة العُمانية على العديد من المراكز والبطولات الرياضية المحلية والإقليمية والدولية، وفازت «سعاد الإسماعيلية»، بجائزة المرأة والرياضة عن قارة آسيا 2019. وفي أولمبياد لندن 2012 شاركت المرأة القطرية في سباقات كرة الطاولة، وألعاب القوى والرماية والسباحة. وفي عام 2020 بلغ عدد لاعبات كرة القدم القطريات 455 لاعبة، وكرة السلة 380 لاعبة.
على العموم، هناك أسباب كثيرة وراء تصاعد الاهتمامات الدولية بالمرأة الخليجية، والذي كان من مؤشراته انعقاد مؤتمرين لقمة المرأة العالمية في أقل من 3 شهور في دولة خليجية. وفيما تمضي المرأة الخليجية في حصاد سياسات الإصلاح التي تعم المنطقة، فقد أخذت الصورة الذهنية السلبية عنها تتوارى ليحل محلها صورتها الجديدة، كامرأة عصرية منافسة دوليًا في كافة مؤشرات التوازن بين الجنسين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك