في الوقت الذي تسمح فيه معظم الدول الأوروبية بإهانة القرآن واستفزاز المسلمين في العالم يحظى الإسلام والمسلمون والقرآن الكريم في روسيا بكل التقدير والاحترام.
ومن المفارقات التي شهدناها في الأيام الأخيرة أنه في الوقت الذي أحرق فيه مواطن سويدي نسخة من المصحف الشريف بعد أن ضربها بقدميه ككرة القدم بحضور الشرطة السويدية وحراستها له تحت عنوان حرية التعبير كان رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين يحتضن القرآن الكريم بعد أن أهداه إليه القائم على أحد مساجد الجمعة بجمهورية داغستان الروسية خلال زيارته للمسجد بمناسبة عيد الأضحى المبارك لتقديم التهاني إلى سكان هذه الجمهورية الروسية التي تقطنها أغلبية مسلمة، قائلا إنه سيحتفظ بهذه النسخة في مكتبه بالكرملين.
هذه المفارقة بين الصورتين والمشهدين تبين بوضوح الفرق بين الدول التي تحترم الأديان التوحيدية وتقدر معتنقيها وبين الدول التي لا تحترم الأديان ولا معتنقيها استنادا إلى مفهومها للحرية الفردية أو حرية التعبير، ما أثار موجة استنكار واستياء شديدين من المسلمين في العالم نتيجة لقيام هذا المتطرف السويدي بحرق القرآن الكريم أمام مسجد ستوكهولم في السويد مباشرة بعد صلاة العيد، إمعانا في استفزاز المسلمين وازدراء دينهم وكتابهم المقدس وهم يحتفلون بعيدهم، في حين لقي الموقف المغاير من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كل التقدير والاحترام من المسلمين والدول الإسلامية وزاد من شعبيته بين المسلمين في داخل روسيا بالذات.
إن هذا الموقف المشرف للرئيس الروسي ليس مجرد حركة لاكتساب التعاطف أو شعبية إضافية بل إنه مكرس في القوانين الروسية التي تعاقب وفقا لقانون العقوبات الروسي كل من يعتدى على المقدسات الدينية كتعبير للحرية، ولا يدخل ذلك في باب الحريات بعكس الدول الغربية وقوانينها التي لا تجرم مثل هذه الأفعال، حيث تعتبر ذلك كحرية للتعبير كما أسلفنا.
هذا العمل البغيض والمتكرر الذي حدث في العاصمة السويدية ستوكهولم بحرق القرآن الكريم ليس جديدا، ولن يكون هو الأخير فسوف تتكرر باستمرار مثل هذه الأعمال سواء في السويد أو غيرها من البلدان الأوروبية الأخرى تحت نفس الذريعة وهي حرية التعبير وعدم تجريم مثل هذه الأفعال الدنيئة التي تلحق الضرر بمعتنقي الديانة الإسلامية السمحاء، حيث يلجأ المتطرفون إلى التدليس أو الحرق أو الإساءة للرموز الدينية الإسلامية بما في ذلك محاولات الإساءة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الاستفزازات التي من شأنها تعزيز الكراهية وإثارة النعرات الدينية والطائفية، مما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإخلال بالأمن أو ردود أفعال متطرفة أخرى، وذلك لأن التطرف يولد التطرف والبغض والاحتقار يولد البغض والاحتقار، فإحراق نسخة من القرآن الكريم هو جريمة وفعل مخز واستفزاز لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم أجمع في مناسبة دينية رفيعة وهي عيد الأضحى المبارك.
إن الادعاء بأن مثل هذه الأفعال الاستفزازية تندرج تحت عنوان حرية التعبير هو ادعاء خال من أي منطق حضاري لأن الحرية كما تعلمناها وتعلمها غيرنا من شعوب العالم تعني أن تكون حرية لا تمس حرية الآخرين ومن دون أن تعتدي على مقدسات الآخرين ولو أن الأمر جاء في سياق حوار أو نقاش فكري بين المسلمين وغير المسلمين في سبيل الوصول إلى الحق لكان ذلك أمرا جيدا ومحترما ويخدم التقارب بين الأديان لكن تدنيس مقدسات الآخرين في بلد ديمقراطي هو قمة الفوضى والمنافاة لمنطق التعايش السلمي الذي هو أساس استقرار أي مجتمع.
في المقابل فإن احتضان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نسخة من القرآن الكريم وضمها إلى صدره هي إشارة واضحة لا لبس فيها تؤكد أن الرئيس الروسي بما يمتلكه من اعتدال وتسامح وحكمة يقدر الدين الإسلامي الحنيف ويقدر المسلمين من أبناء شعبه وسائر المسلمين في العالم، فتقديره لأبناء شعبه من المسلمين مسألة سياسية تتعلق بالوحدة الوطنية الروسية وهي في أمس الحاجة إلى مثل هذه الوحدة في مثل هذه الأوقات الصعبة، حيث تمثلت هذه الوحدة في أبهى صورة في مشاركة القوات الشيشانية الروسية الإسلامية في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا للدفاع عن الوطن الروسي.
كما أن تقدير الرئيس الروسي للمسلمين في سائر البلدان الإسلامية إشارة إيجابية مقدرة تلقتها البلدان الإسلامية قاطبة بالشكر والتقدير، بل إن مؤسسة الأزهر الشريف أصدرت بيانا عبرت فيه عن تقديرها لهذا الموقف الإيجابي للرئيس بوتين إذ إن الأزهر يشجع على اتخاذ مثل هذه المواقف المشرفة التي تستحق التحية والتقدير لهذا الموقف الشجاع الذي وقفه الرئيس الروسي وهو يحمل القرآن الكريم ويضمه إلى صدره ويدافع عن مقدسات المسلمين وعن الإسلام كدين سماوي.
إن المهزلة التي يشهدها الغرب باستمرار وترعاها الدول الغربية وتتبناها تماما انطلاقا من منطق الحرية ومنطق الديمقراطية أدت إلى أنه لم يعد أحد في العالم يشعر بمصداقية الديمقراطية الغربية والحرية الغربية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك