في منتصف يونيو 2023، أفادت وسائل الإعلام الغربية بأن «واشنطن»، انخرطت في مناقشات غير رسمية مغلقة مع «طهران»، بشأن استعادة بعض الضوابط المفروضة على طموحاتها النووية المتسارعة. وعلى الرغم من أن احتمالية عودة أمريكية أو إيرانية كاملة لشروط خطة «الاتفاق النووي» لعام 2015؛ «صعبة» باعتراف الرئيس الأمريكي نفسه، فقد أوضحت «كارين يونج»، و«جوبي واريك»، و«ستيف هندريكس»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن «أمريكا»، تأمل في التوصل إلى اتفاق غير مكتوب، وهو ما لن «يحد من تطوير برنامج طهران النووي» فحسب، بل سينهي أيضًا هجماتها بالوكالة على القوات الأمريكية في سوريا، بالإضافة إلى «إعادة ثلاثة سجناء أمريكيين قدامى إلى أرض الوطن».
وتتلاءم عودة «الولايات المتحدة»، إلى المحادثات النووية الإيرانية، مع ما وصفته «سنام وكيل»، و«نيل كويليام»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، بأنه «اتجاه مهم على مستوى المنطقة لخفض موجة التصعيد»، وهو اتجاه غلب بشكل خاص على مسار استعادة العلاقات الدبلوماسية بين «السعودية»، و«إيران»، في مارس 2023. ومع إشارة «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن هذا «التحول التاريخي» في الشرق الأوسط، هو فرصة «لبناء علاقات جديدة، وتهدئة التوترات، وتهيئة الظروف من أجل خلق تكامل أقوى»؛ هناك بلا شك طرق لا يمكن إنكارها أمام «واشنطن»، وحلفائها الغربيين لتعزيز رغباتهم نحو مزيد من الاستقرار والأمن في المنطقة.
ومع ذلك، أوضح «مارك ليونارد»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، أنه مع إتمام الاتفاقات التي تم التوصل إليها حتى الآن «بأقل قدر من التدخل الغربي»؛ يبقى مقدار ما يمكن للغرب أن يكسبه دبلوماسيا من التقارب الإقليمي والانفراجة الراهنة، «سؤالاً مفتوحًا». ومع استمرار «الأزمة النووية الإيرانية»، كونها مصدر القلق الإقليمي الأكثر إلحاحًا للولايات المتحدة، لما تمثله من تهديد للأمن جراء خطر المواجهة بين إسرائيل وإيران، أشار «صمويل هيكي»، من «مركز الحد من التسلح وعدم الانتشار»، إلى أنه بالنسبة لواشنطن يجب أن يكون تركيزها الآن على «الدمج»، مع «ديناميات خفض التصعيد» الحالية، والسعي إلى منع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط».
وعلى الرغم من وصول العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى مستوى منخفض في أواخر عام 2022 عندما انسحب المسؤولون الإيرانيون من المحادثات النووية في «فيينا»، وتقديم طهران المساعدة المسلحة لروسيا في حربها بأوكرانيا، وشنها حملة قمعية ضد المتظاهرين المحليين. ونظرًا لأن كل من الصين وروسيا في الآونة الأخيرة «وسعتا من وجودهما مع تضاؤل تأثير نفوذ الولايات المتحدة وحجم مصالحها» -كما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»- فقد تعهدت «إدارة بايدن»، مؤخرًا باستخدام «دبلوماسية هادئة وعالية المستوى «لمعالجة قضايا في الشرق الأوسط والخليج العربي.»
وفي الوقت الحالي، لا يزال التعامل مع «طهران»، يتم إجراؤه بشكل سطحي ومن خلال وسطاء، وهو ما يعني أن الكثير لا يزال يعتمد على تهيئة بيئة مواتية للدبلوماسية، وتقدم السلام وحسن النوايا. وتمثل هذه البيئة بحد ذاتها تحديًا للولايات المتحدة. ورأى «هيكي»، أنه في حين أن الانفراج «السعودي-الإيراني»، الذي توسطت فيه «الصين»، «حقق بعض أهداف السياسة الخارجية الأمريكية من خلال تعزيز الاستقرار الإقليمي وتقليل الاعتماد على «واشنطن»؛ فإن الدافع الإقليمي نحو خفض التصعيد وزيادة التقارب أثر «في تعقيد جهودها لتعزيز الردع ضد إيران»، خاصة إذا «وصلت الأزمة النووية إلى درجة حرجة». ولمزيد من التوضيح، أشار إلى أن التهدئة «تجعل من الصعب على الولايات المتحدة، زيادة الضغط على إيران وهي تقترب من ترسيخ وضعها كدولة على مقربة من العتبة النووية».
وفي حين رأى «وكيل»، أن أي اتفاق غير رسمي نهائي بين «واشنطن»، و«طهران»، بشأن الطموحات النووية للأخيرة، سيكون بمثابة «أداة مساعدة» أكثر من كونه «علاجًا نهائيا»، لمعالجة عدم الانتشار النووي، واستتباب الأمن الإقليمي؛ فمن المهم التأكيد على إمكانية أن يساعد هذا الاتفاق أيضًا في تجنب المواجهة العنيفة بين إيران وإسرائيل. وكتب «دينيس روس»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أنه إذا «لم تتخذ الولايات المتحدة إجراءً قويا»، لمنع إيران أن تكون مسلحة نوويًا؛ فإن إسرائيل ستفعل ذلك، وهو ما وصفه بأنه سيكون «سيناريو أكثر خطورة حال حدوثه».
وفي السياق ذاته، أشار «يوسي ميكيلبيرج»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، إلى أن «حرب الظل» بين «إسرائيل»، و«إيران»، «استمرت في التصاعد على الرغم من العودة للمفاوضات النووية وانخراط الأخيرة في التقارب مع جيرانها العرب. غير أن حكومة «نتنياهو»، اليمينية «ارتكبت خطأ استراتيجيا لا يستهان به»، تمثل في «تقييم الوضع الديناميكي لهذا التقارب باعتباره «موقفًا ثابتًا». وفي حين حث «ميكيلبيرج»، إسرائيل على «إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه المواجهة مع إيران، إلا أن هذا يبدو غير مرجح، نظرًا لأن «دان ويليامز»، من شبكة «رويترز»، قد كشف عن قيام «نتنياهو»، مؤخرًا «بتكثيف التهديدات بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية»، فضلاً عن تولي مجلس الوزراء الإسرائيلي الإشراف على تدريبات حربية «للتخطيط لهجمات عسكرية مستقبلية محتملة ضد طهران».
وفي حقيقة الأمر، فإن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يقلب الاستقرار الإقليمي، ويشكل تهديدات كبرى لدول الخليج. وبينما أشار «هيكي»، إلى تأكيد هذه الدول أنها «لن تشارك في حرب الظل»، بين «إسرائيل» و«إيران». وعلى وجه الخصوص، كانت «الإمارات»، صريحة بشأن أنها «لا تريد أن تكون جزءًا من تحالف مناهض لطهران».
وعلى الرغم من ذلك، فمن غير المرجح أن يستمر تصعيد المواجهة المسلحة بين «إسرائيل»، و«طهران»، في ضوء التحالفات التي ينتمي إليها كلاهما، ووكلاء الأخيرة في المنطقة. وحذر كل من «جوليان ديسي»، و«إيلي جيرانمايا»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، من أن الحرب في المنطقة ستكون «كارثية»، و«يجب تجنبها قبل فوات الأوان». وبالمثل، كتب «ويليام ألبرك»، و«حسن الحسن»، و«إميل حكيم»، و«آمنة إبراهيم»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن هذه ستكون «أسوأ نتيجة ممكنة».
وفيما يتعلق بما يمكن أن يفعله الغرب لخدمة أجندته الخاصة بعدم الانتشار النووي، في ضوء الموجة الأخيرة من ممارسة أدواره الدبلوماسية عبر الشرق الأوسط؛ فقد عارض «هيكي»، المعلقين الآخرين الذين حثوا «واشنطن»، على اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد «طهران». وأشار «ماثيو كروينيغ»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن الغرب قد اقترب من «لحظة الخيار الأخير»، بشأن برنامج إيران النووي، والذي يتطلب إعداد «خيارات عسكرية»، لكن «هيكي»، أصر على أن الجهود الغربية السابقة والحالية لـ«عزل إيران» من خلال تنفيذ العقوبات الاقتصادية، «وصلت الآن إلى حدودها القصوى باعتبارها أدوات سياسية، مشيرًا إلى أنه «من الضروري» بالنسبة لواشنطن «إظهار ضبط النفس»، و«استخدام التهديدات الضرورية»، ضد إيران «حصريًا في مواقف محددة، حيث قد يهدد أي بديل أمن الولايات المتحدة».
ومع التأكيد على الحاجة إلى «التفاوض»، بين «واشنطن» و«طهران»، بشأن التطورات النووية الأخيرة، أشار «هيكي»، إلى أن تغير الخط الأحمر الذي كان قد فرضه الغرب، بشأن تخصيب إيران النووي «مرات عديدة على مدار العقد الماضي، جعل إيران نفسها لا تعرف أين هو الآن»، ولا شك أن هذا التوضيح حول هذه المسألة، سوف «يعزز مصداقية التهديدات المتعلقة بتجاوز الخط الأحمر، أمامها وحدود تسارع وتيرة تسلحها النووي.
إلى جانب ذلك، دعا «واشنطن»، إلى «دعم دبلوماسية الأبواب المغلقة»، والقيام بذلك «دون العمل على التفاخر بدورها وراء «أي نجاحات أو اختراقات قد تحدث على أرض الواقع. وعند توضيحه لهذه الديناميكية، أشار إلى أنه على الرغم من أن «الولايات المتحدة»، منخرطة الآن مع «الصين»، في منافسة متزايدة على النفوذ والمصالح في الشرق الأوسط؛ فإن «إدارة بايدن»، قد أدركت فوائد نهجها الدبلوماسي المنخفض نسبيًا، لاسيما في ضوء الانفراج السعودي الإيراني، واضطرار «البيت الأبيض»، السماح لـ«بكين»، بالحصول على الفضل في ذلك بشيء من المرارة».
على العموم، فإنه رغم «عدم قبول»، «الولايات المتحدة»، لقيادة أية مبادرات دبلوماسية في المنطقة، قد أدى بالفعل إلى استقرار الشرق الأوسط، فقد أصر «هيكي»، على أن «إظهار ضبط النفس» في منع انتشار الأسلحة النووية، «سيجعل أيضًا أدوات الضغط الأمريكية أكثر قوة لاستغلالها مستقبلاً. ومع إضافة «ميكيلبيرج»، أن إسرائيل أيضًا «تقترب أكثر من المواجهة المباشرة مع إيران؛ فمن الواضح أن «إدارة بايدن»، يجب ألا تتصرف بطريقة تزيد التوترات معها أيضا، بل العمل على كبح جماح إسرائيل لمنعها من شن ضربات عسكرية ستؤدي إلى تصعيد إقليمي كبير يهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك الخليج العربي.
ومع تأكيد «هيكي»، أن التحدي السياسي الأساسي لواشنطن في عصر التقارب والمشاركة بين الخصوم السابقين في الشرق الأوسط، هو وسيلة «لمواءمة استراتيجية منع الانتشار، وتسهيل تحقيقها»، مثل أية مبادرات دبلوماسية جديدة؛ فإن إدراك «إدارة بايدن»، أو من يخلفها لهذا الأمر، سيؤثر بشكل كبير على مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وموقفها من إيران، وما إذا كان يمكن توسيع التعاون وتعزيزه بينهما في النهاية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك