شهدت الاشهر الماضية توجهات متعددة المصادر للتحذير من الذكاء الاصطناعي إلى حد المبالغة في التعريف بمخاطره، لدرجة ان البعض عده أكثر خطورة من السلاح النووي. وفي اعتقاد العديد من الأكاديميين المنصفين أن ذلك يعود الى ثلاثة أسباب رئيسية أولها التنافس بين شركات التقنية الكبرى، والسبب الآخر الخلط بين الذكاء الاصطناعي كتقنية فائقة التطور، وبين نوايا مستخدمي هذه التقنية، فالمخدرات مثلا تستخدم ضمن تراكيب طبية معينة كعلاج للعديد من الامراض والاصابات، فضلا عن استخدامها في التخدير للعمليات الجراحية، وتستخدم من قبل عصابات التهريب والمافيا لتدمير الشعوب عبر تشجيع تعاطيها بين الشباب، لذا تضع الدول عقوبات رادعة لمروجيها والمتاجرين بها ومستخدميها. والسبب الثالث يعود الى ان تقنيات الحد من المخاطر والاثار السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي لم تنمُ بنفس مستوى نمو الذكاء الاصطناعي. لذا تتم الدعوة عادة الى تقنين وتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي عبر اتفاقيات ونظم بإشراف المنظمات الدولية. وحينما نبحث في منافع الذكاء الاصطناعي نجدها عديدة ومتنامية وليس أبرزها منافعه في القطاع الطبي، فقد أحدث ثورة في ميادين الجراحة والتشخيص والعلاج عن بعد وغيرها، والامر ذاته في مجال القطاع المالي والمصرفي ميدان مقالنا لهذا اليوم، فقد اصبح له تأثير كبير على نمو وتطور القطاع المالي والمصرفي وعلى تحوله الرقمي، وفي اعتماده لتقنيات التكنولوجيا المالية، وأتمتة العمليات المصرفية. فاسهم في جذب المزيد من العملاء، مما ساعد البنوك على النمو والتوسع بشكل أكبر، وخاصة أن الصناعة المالية والمصرفية تستخدم الذكاء الاصطناعي بطريقة مبتكرة للغاية توفر الكثير من الوقت والمال، وتمنح العملاء خيارات متعددة للخدمات المالية والمصرفية، فمن خلال استخدام الخوارزميات يتم الحصول على نتائج دقيقة تساعد في تحسين خدمة العملاء وتحقيق نتائج أفضل في أداء المبيعات لتحقيق أكبر الأرباح، حيث تسهم في انخفاض تكاليف التشغيل وزيادة تلبية طلبات العملاء، والاسهام بشكل افضل في تحقيق الشمول المالي. ويسهم الذكاء الاصطناعي في كشف وتقييم الجدارة الائتمانية للعملاء وبشكل عادل، الامر الذي ينعكس ايجابا على تمويل المشروعات لاسيما الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن دور الذكاء الاصطناعي في تقييم مؤشر أداء المصارف، الأمر الذي يساعد على تطوير الأداء من خلال تحسين جودة الخدمة المصرفية، والتحكم في التكاليف، وتخفيض المخاطر، وزيادة الإيرادات، ورفع مستوى المنافسة، وإجراء التحسينات في اسلوب الاتصالات ودعم العملاء. كما نجحت البنوك في استخدام روبوتات المحادثة والاجابة على استفسارات العملاء وانجاز طلباتهم من دون تدخل بشري. وفي التوظيف واجراء المقابلات، حيث تركز البنوك على اختيار وبناء الكفاءات الوظيفية، ورفع إنتاجيتها. كما استخدم الذكاء الاصطناعي في إدارة الأصول، فضلا عن تشغيل الخدمة الذاتية في الفروع، وتقليل فرص الاحتيال على عملاء الخدمات الرقمية. سيما أن الاحتيال واختراق الحسابات يعدان من الانشغالات المهمة في القطاع المالي والمصرفي، ويلعب الذكاء الاصطناعي دورا فاعلا في التحذير المبكر منهما واكتشافهما، حيث يتم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والخوارزميات لتحليل أنماط الاحتيال والتنبؤ بها، ومساعدة البنوك لأجل منع المعاملات الاحتيالية، او على الاقل الحد منها.
كما ساعد الذكاء الاصطناعي في اكتساب فهم أفضل لسلوك العملاء. وبالتالي صياغة مجموعة من الاليات والوظائف لتحسين تجربة العميل من خلال خلق ارتباط سلس مع العملاء على مدار الساعة. ولا يقتصر الذكاء الاصطناعي في التطبيقات المصرفية على الخدمات المصرفية للأفراد فقط، وانما يمتد الى المكتب الخلفي والوسطى للخدمات المصرفية الاستثمارية وجميع عمليات الإشراف الأخرى المتعلقة باكتساب الأموال. ومن الامثلة الناجحة لدور الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات في البنوك هو نظام تقييم الاحتيال FICO Falcon، والذي يعتمد على شبكة عصبية لنشر أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة القائمة على التعلم العميق.
ولعب الذكاء الاصطناعي دورا كبيرا في بروز شركات التكنولوجيا المالية وتطورها، وتحولها الى منافس قوي للقطاع المصرفي.
وتشير تقارير حديثة صادرة عن شركة PWC Middle East الى ان القطاع المالي والمصرفي سيحقق وفورات مالية قدرها ترليون دولار عام 2030 ناجمة عن الذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي، حصة منطقة الشرق الاوسط منها نحو(320) مليار دولار. وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك