الزكاة عبادة لها اتجاهات مختلفة، فهي أخذ من جانب، وعطاء من جانب آخر يشرح ذلك قوله تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم» التوبة / 103.
هذا بيان واضح وصريح على وجوب أخذ الزكاة من الأغنياء حين تزيد أموالهم عن حاجاتهم وحاجات من يعولون.
إذًا، فللفقراء والسائلين حقوق في أموال الأغنياء معلومة، ولهم حقوق أخرى غير معلومة، وذلك حين تعجز أموال الزكاة عن الوفاء بحاجات الفقراء والمساكين، يقول تعالى: «وفِي أموالهم حق للسائل والمحروم» الذاريات/ 19.
ولقد ذكرت الآية (60) من سورة التوبة الأصناف الثمانية الذين يستحقون الزكاة، ولا تصرف الزكاة إلى غيرهم حتى أنه إذا غاب واحد أو أكثر من هذه الأصناف يعاد توزيع سهمهم على بقية هذه الأصناف دون سواهم، إلى هذه الدرجة من الحرص على حقوق هؤلاء الأصناف، يقول تعالى عن هؤلاء: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفِي الرقاب والغارمين وفِي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم» التوبة / 60.
إذًا، فهناك حق معلوم للسائل والمحروم هو الزكاة، وهناك حق غير معلوم يسد النقص إذا لم تف الزكاة، أو لم تقم الزكاة بحاجات هؤلاء الأصناف الثمانية، ونلاحظ هنا أنه من عدالة الإسلام، وواقعيته في تشريعاته أنه أمر الولاة بأن يأخذوا الزكاة من أوسط أموال الأغنياء لا من أعلاها جودة حتى لا يوغر صدور الأغنياء على الفقراء، وهذا ما أوصى به رسول الله صلًى الله عليه وسلم واليه على اليمن عَمَّار بن ياسر (رضي الله عنه) حين قال له: وأخبرهم أن الله تعالى جعل في أموال أغنيائهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يتجنب: كرائم أموالهم!
وحين أراد النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة إلى حقوق الفقراء في أموال الأغنياء أشار إلى ذلك باستخدام كلمة «ترد» والتي تفيد بأن الزكاة في حقيقتها حق في أموال الأغنياء للفقراء، ويجب على الأغنياء أن يردوه إلى الفقراء، وأن هذه الأموال لو بقيت في أموال الأغنياء لصارت أموالًا منهوبة لا بد للأغنياء أن يطهروا أموالهم منها، فتطهر هذه الأموال، وتحل فيها البركة بزيادة قوتها الشرائية.
هذه هي الزكاة، وهذه هي كيفية تحصيلها من الأغنياء، وأن بقاءها في أموال الأغنياء يدنس هذه الأموال، ويمحق بركتها، وحين يحرص الأغنياء على إخراج الزكاة من أموالهم، فإنهم بذلك يطهرون أموالهم من الحرام، أي من حقوق للغير يجب أن يؤدوها إلى أصحابها، ومن عطاء الزكاة حين تصدق النوايا البركة التي تحل في المال المزكى، ومن عطاء الزكاة وخيرها العميم أن ينال المزكي بركة دعاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى: «.. وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله واسع عليم» التوبة / 103.
ومن عطاء الزكاة وبركتها شعور المزكي بأن الله تعالى جعله سببًا في التخفيف عن أصحاب الحاجات من الفقراء والمساكين، ومن هم في حكمهم الذين ذكرتهم الآية (60) من سورة التوبة.
هؤلاء الأصناف الثمانية يمثلون معظم شرائح المجتمع المسلم، وغيرهم ممن لا يدينون بالإسلام، وهم من أهل الذمة الذين لهم حق ضمن حقوق المواطنة التي كفلها الإسلام لهم في صحيفة المدينة التي أعدها رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وهناك العديد من البنود التي جاءت في آية الصدقات التي تحدثت عن أصناف المستحقين للزكاة، ومنهم: الغارمون، والمؤلفة قلوبهم، وأبناء السبيل، وغيرهم كثير. من لم يشملهم هذا التصنيف الذي ذكرته سورة التوبة، ففي أبواب البر التي ذكرها الله تعالى في قوله تعالى: «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلًين وفِي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهده إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» البقرة / 177.
هذه القائمة الطويلة والمباركة ضمت نماذج عديدة من أصحاب الحاجات. ونلاحظ أن الآية الكريمة اشتملت على جوانب كثيرة من وجوه الخير لا تحمل عنوان الزكاة كفريضة واجبة من مثل قوله تعالى: «وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين.. وهذا الباب من أبواب الإنفاق في سبيل الخير أعم وأشمل من باب الزكاة، وإذا كان للزكاة كفريضة شروط لا بد من توافرها لتجب الزكاة على المسلم وهذا النوع من الإنفاق في أبواب الخير غير مرتبط بزمان أو بأسباب.
وبعد، فإذا كان قوله تعالى: «خذ من أموالهم صدقة!» التوبة / 103. تمثل جانب الأخذ من أموال الأغنياء الذي أمرنا الله تعالى به وقت توافر شروط الزكاة، فإن قوله تعالى: «.. تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم..» التوبة. / 103.
هذا هو العطاء المبارك الذي وعد الله تعالى به عباده المؤمنين حين يؤدون فريضة الزكاة.. والحمد لله تعالى على ذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك