«برلسكوني موجود لأن الآخرين فشلوا». ذلك ما قاله ودونه ذات يوم الكاتب الإيطالي ماسيمو فرانكو ونشرته صحيفة واشنطن بوست في عام 2018، قبل وقت قصير من الانتخابات الإيطالية في مارس من ذلك العام. إنها كلمات ثاقبة تلخص واقع وقصة السياسة الإيطالية الحديثة.
توفي سيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي المحبوب ولكنه المكروه أيضًا في 12 يونيو 2023، علما بأن حزبه، فورزا إيطاليا، شريك في الائتلاف الحكومي الحالي في إيطاليا، بقيادة جيورجيا ميلوني.
لم يشغل برلسكوني منصب رئيس الوزراء منذ عام 2011. على الرغم من تقدمه في السن - توفي عن عمر يناهز 86 عامًا - وفضائحه العديدة، إلا أنه استمر في إلقاء ظلاله على السياسة الإيطالية، حتى عندما توفي في مستشفى سان رافاييل في ميلانو.
إذا حكمنا من خلال التغطية التلفزيونية المستمرة لجنازته الرسمية، والتعليق على مدار الساعة، يشك المرء في أن إرث الزعيم الإيطالي سوف يهيمن على الخطابات السياسية والشعبية الإيطالية لسنوات قادمة.
ولكن لماذا هو على هذه الحال؟
قلة هم الرجال في التاريخ السياسي الإيطالي الذين اتهموا بهذا النوع من الفساد الذي لازم برلسكوني طوال سنوات حكمه. في الواقع، تم منعه في عام 2013 من الترشح لأي منصب رسمي مدة خمس سنوات بسبب الاحتيال الضريبي.
تم ربط مزاعم الفساد ببرلسكوني منذ بداية حياته السياسية. في عام 2003، واجه اتهامات بأن شركة تابعة له دفعت رشوة قدرها 500 مليون يورو لقاضٍ في عام 1991. ومع ذلك، مع كل اتهام قانوني أو ادعاء إعلامي أو محاكمة، ظهر برلسكوني أقوى، ربما لأن جمهوره المستهدف نادرًا ما كان النخب السياسية الرومانية، بل الجمهور.
لقد تحدث بلا كلل عن كونه «ضحية» لما كان يسميه «مطاردة الساحرات» التي لا هوادة فيها، ما جعله «أكثر الرجال تعرضًا للاضطهاد في التاريخ» – هذا ما قاله برلسكوني نفسه ذات مرة في عام 2009.
تكمن سلطة برلسكوني تلك التي سمحت له بتشكيل الحكومات في الأعوام 1994-1995، و2001-2005، و2005-2006، و2008-2011، لم تكن نتيجة لادعاء الرجل الذي لا أساس له بأنه «الرجل الأكثر ديمقراطية على الإطلاق الذي تولى رئاسة وزراء إيطاليا».
بدلاً من ذلك، ينبع ذلك جزئيًا من حقيقة أن الزعيم الإيطالي يمكنه إصدار مثل هذه التصريحات العظيمة، من دون منازع من خلال إمبراطوريته الإعلامية القوية.
على الرغم من كونه مليارديرًا، فقد نجح برلسكوني في تصوير نفسه كضحية للقضاة المسيسين - وهو نهج مماثل تقريبًا لما أعلنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن حربه ضد «الدولة العميقة».
كان كل من برلسكوني وترامب من أقطاب الإعلام، ولهما خلفيات ترفيهية إذا جاز القول. كان برلسكوني نفسه ممثلًا كوميديًا. تُترجم قوة الإعلام ببساطة إلى الروايات المنتشرة في كل مكان والتي تحول الأفراد الأثرياء للغاية، والفاسدين في كثير من الأحيان، إلى «رجال الشعب».
برلسكوني - مثل ترامب - شخصية تحولت إلى «معبود الجماهير». سمحت له هذه الشعبية بالعمل كرئيس للوزراء أربع مرات وتجميع ثروة رائعة في بلد يعتبر متوسط الراتب الشهري فيه من أدنى المعدلات في الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فإن التحليلات المتعلقة بقصص نجاح الشخصيات السياسية الخيرة والأبوية الذين يستخدمون نفوذ الإعلام والثروة لإعادة اختراع الديمقراطية في شكل ديكتاتورية شعبية، غالبًا ما تنتهي هنا. ولكن لماذا شعر الكثير من الإيطاليين بالحاجة إلى زعيم من نوع برلسكوني؟
يقترح البعض أن العديد من الإيطاليين يشعرون بالحنين إلى «الأيام الخوالي» للفاشية. ومع ذلك، سيكون من غير الصدق الادعاء بأن برلسكوني كان فاشيًا تمامًا. صحيح أن حزبه السياسي اليميني، فورزا إيطاليا، شارك مع مجموعات يمينية متطرفة أخرى، مثل ليغا نورد. وقد تحدث كثيرًا عن أهمية «التقليد».
لكن برلسكوني ليس موسوليني، الذي استخدم البرلمان لتحقيق الهيمنة السياسية، قبل إلغاء الديمقراطية كليًا لحكم إيطاليا بقبضة من حديد. في أسوأ الأحوال، أعادت الشركات القوية لبرلسكوني إيطاليا إلى عصر التكتلات القوية، وهو مصطلح استخدم في الماضي ويعتبر مقدمة للفاشية.
لا شك أن الإيطاليين، مثلهم مثل كل الناس في كل مكان، لا يرفعون مستوى الديمقراطية لمجرد استحقاقها الفكري، ولكن بسبب الاختلاف الملموس الذي يمكن أن تحدثه في حياتهم. في عام 2017، أشارت البيانات التي جمعها الاتحاد الأوروبي إلى أن 60% من الإيطاليين غير راضين عن نظامهم الديمقراطي.
في الواقع، تعد إيطاليا واحدة من أكثر الديمقراطيات غير المستقرة في أوروبا. منذ تأسيس النظام الجمهوري الإيطالي في عام 1946، كان للبلاد 68 حكومة. الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة كان برلسكوني الذي قضى بين عامي 2001 و2005 فترة رئاسية كاملة.
يقول أنصار الزعيم الإيطالي الراحل إن برلسكوني كان صادقًا ومتواضعًا ومضحكًا. اقترب من جميع الإيطاليين على قدم المساواة. كان أيضًا رجلاً عصاميًا، وسواء كان صادقًا أم لا، فقد اهتم بالبلد. أطلق عليه نادي المعجبين الضخم لقب «Il Cavaliere» أي الفارس.
يلقي بعض المحللين باللوم على الناس العاديين في سذاجتهم التي سمحت لأمثال برلسكوني باستخدام الديمقراطية كوسيلة لسعيه الخاص إلى السلطة والثروة، لكن هذا ينم في الحقيقة عما يسمى قصر نظر.
لم يكن برلسكوني ليحكم إيطاليا أبدًا لولا انعدام الثقة شبه الكامل بالآخرين، أولئك الذين يتحدثون عن الديمقراطية وتوازن القوى واحترام المؤسسات، فقط لتحقيق السلطة والقيام بكل شيء للاحتفاظ بمقاعدهم.
لم يكن برلسكوني الاستثناء من هذه القاعدة. ومع ذلك، فقد نجا لفترة أطول، لأن لديه قنوات إعلامية مؤثرة، مثل Mediaset، والتي سمحت له بالبقاء والاستمرار وخوض معاركه السياسية، وغالبًا ما هزم منتقديه.
ومع ذلك، يجب أن نضع في اعتبارنا أن إيطاليا، مع أو بدون برلسكوني، تظل دولة ديمقراطية. إن حقيقة أن الشعب نجح في الإطاحة بالعديد من الحكومات، وصوت في استفتاءات ضد محاولات المصلحة الذاتية لإعادة صياغة الدستور، وحارب الفساد على جميع مستويات المجتمع، هو دليل على قوة الشعب الذي حارب الفاشية في كل مراحلها – وبنماذجها القديمة والجديدة.
{ أكاديمي وكاتب صحفي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك