شهدت الحوسبة السحابية Cloud Computing بعد بروز الثورة الصناعية الرابعة تطورات سريعة وعميقة واستخدامات عديدة مع تطور شبكات الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات لما تخلقه من بيئة تقنية مواتية لأعمال مختلف منظمات الاعمال العامة والخاصة وغير الربحية، وامتدت من قطاعات الاعمال الى القطاعات الاجتماعية والخدمية والمنظمات غير الربحية، على الرغم من ان فكرتها ليست جديدة، انما تعود الى العقد السادس من القرن العشرين حينما طرح McCarthy J فكرة السحابة كخدمة، حيث قال «يمكن تنظيم الحوسبة السحابية لكي تصبح خدمة عامة يوما ما»، ومع تطور الويب في عقد التسعينيات من القرن الماضي بدأت التطبيقات الفعلية للحوسبة السحابية من قبل شركة Salesforce ثم شركتي Google وMicrosoft. وفي عام 2002 أطلقت شركة أمازون Amazon Web Services (AWS)، مجموعة من الخدمات المستندة إلى السحابة. ثم في عام 2006 وسعت شركة أمازون خدماتها في هذا المجال عبر إطلاق Elastic Compute Cloud (EC2)، مما سمح للشركات والأفراد باستئجار أجهزة كمبيوتر افتراضية وتشغيل تطبيقات الكمبيوتر الخاصة بهم اعتمادا على خدماتها. وفي عام 2009 أطلقت شركة Google، ذراعها الجديد Google Workspace لتقدم تطبيقات المؤسسة القائمة على المتصفح. وفي عام 2009 أيضا، أطلقت شركة Microsoft ذراعها في مجال الحوسبة السحابية Microsoft Azure، ثم دخلت شركات اخرى هذا المجال التقني مثل شركتي Oracle وHP. ثم شهد العالم توجها سريعا نحو الحوسبة السحابية لما تمثله تقنياتها من قيمة مضافة كبيرة، وعلى الصعيد العربي برز اهتمام مملكة البحرين مبكرا في خدماتها لاسيما أنها تمتلك الريادة في مجال الحكومة الإلكترونية، واعتماد الرقمنة في مختلف قطاعاتها الحكومية والخاصة، لذا فقد أطلقت سياسة السحابة أولا، التي رسمت خارطة طريق واضحة المعالم لتبني تقنيات الحوسبة السحابية.
وقد تعاقدت مع شركة ) Amazon Web Services (AWS عام 2017 لتكون المزود الرسمي للبنية التحتية السحابية للقطاع الحكومي، التي افتتحت مكتبا إقليميا لها في البحرين عام 2019. وافتتحت مركزا لابتكار الحوسبة السحابية في بوليتكنك البحرين ليوفر فرصا للمنظمات غير الربحية والمؤسسات التعليمية والإدارات الحكومية للتعاون وإيجاد حلول للتحديات التقنية والمعلوماتية، واختبار الأفكار الجديدة، والوصول إلى الخبرات التقنية التي تمتلكها شركة أمازون ويب سيرفيسز. كما تعاونت مملكة البحرين مع شركة مايكروسوفت في نقل البريد الإلكتروني الحكومي الى السحابة. وحققت نجاحات باهرة من خلال نقل عدد من المؤسسات الحكومية المهمة للعمل بشكل كامل على الحوسبة السحابية مثل الجهاز الوطني للإيرادات، ومركز الاتصال الوطني، وهيئة التخطيط والتطوير العمراني، وهيئة الطاقة المستدامة، ومؤسسات أخرى عديدة تفاوتت نسب انتقال بياناتها، الأمر الذي أدى إلى تقليص فترة تجهيز البنية التحتية للمشاريع الحكومية التقنية، وخفض المصروفات التشغيلية للبنية التحتية والانظمة الحكومية التقنية، بنسب تتراوح بين (60-80%)، وذلك منذ عام 2021، وهي في تنام وتقدم مستمرين، حيث تسعى إلى جعل كافة عمليات تقنية المعلومات عبر الحوسبة السحابية.
كما تنامى اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الحوسبة السحابية حتى أن هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية فيها حصلت على الاعتماد من شركة VMware الرائدة في مجال تقديم تقنيات الخدمات السحابية والحوسبة الافتراضية عام 2022 لتصبح أول جهة حكومية مزودة للخدمات السحابية السيادية من الشركة في منطقة الشرق الأوسط.
وتسارع اعتماد المملكة العربية السعودية على الحوسبة السحابية بعد إطلاق رؤية المملكة 2030، والتي عدتها ممكنا رئيسيا للتحول الرقمي الذي يمثل احد الاهداف المهمة لرؤية المملكة، وأطلقت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات عام 2020 وثيقة سياسة الحوسبة السحابية أولا للمملكة العربية السعودية وهي سياسة تغطي جميع الجهات الحكومية لتسريع اعتماد خدمات الحوسبة السحابية عند اتخاذ قرارات استثمار جديدة متعلقة بتقنية المعلومات، إضافة إلى أن القطاع الخاص مشجع باتباع سياسات مماثلة على منشآته، وبما يتفق مع استراتيجية مركز المعلومات الوطني الذي يعمل بمثابة مشغل رئيسي للخدمات السحابية للبيانات الحكومية.
وختاما نقول مثل اعتماد الحوسبة السحابية والافتراضية في دول مجلس التعاون الخليجي نقلة نوعية في تاريخ تطورها التقني، فبدلاً من الاستثمار في إنشاء وإدارة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الخاصة بكل دولة وبكل مؤسسة، أصبحت تحصل على احتياجاتها من أحدث خدمات تكنولوجيا المعلومات بأقل كلفة وبأسرع وقت وبأدق البيانات وأكثرها أمنا ومرونة.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك