اتّصل بي أحد أصدقائي من دولةٍ أوروبية ليقول: إنّ ابنه ذا السنوات العشر أخبره: أنّ أحد زملائه الأطفال بالدراسة أقنعتُه أمّه -التي تعمل كعارضة أزياء- بأنّه بنتٌ وليس ولدا، ويرغبُ في أن يتحوّل إلى أنثى عندما يكبر!
وأضاف صديقي أنّ معظم الشركات والمؤسسات في تلك البلاد تستثمرُ في دعم الشواذ، وترفع أعلامهم، وتدافع عنهم من دون استحياء أو خجل، أو خوف ووجل، بل تشجّع الآخرين وتحثّهم على ذلك!
وإنّ بعض الأطفال الذين تم انتزاعهم عن عائلاتهم قسرا بحجّة وأخرى، وتم نقلهم إلى دور الرعاية أو الأسر المستضيفة، لم يرجعوا إلا وقد تأثروا بشيءٍ من التلوّث الأخلاقي والفكري.
وتشيرُ التقارير إلى أن بعض المدارس في تلك الدول أجبرت الأطفال على تدريس مناهج تحمل مشاهد غير ملائمة وتدعم الشذوذ الجنسية.
وكشفت شركة مشهورة لإنتاج الرسوم المتحركة خطة لنشر الفجور في العالم؛ بأنها ستجعل 50% من أبطال أفلام الرسوم المتحركة المخصصة للأطفال من الشواذ!
نفهم مما سبق أنّ موجة عنيفة من الانحراف تستهدفُ الأطفال والشباب من دون رحمة أو وازع، وتحاولُ مسخ فطرتهم وتحويلهم إلى أشباه الرجال، بمختلف الأساليب والأشكال، منها: ألعاب الفيديو، والإعلانات الخادشة للحياء، ونشر ألوان وشعارات الشذوذ، والرسوم المتحركة، والمسلسلات وغيرها من الأمور التي خطّط لها مهندسو الشذوذ لتدمير وانهيار المجتمعات.
ومن هنا تتعاظم مسؤولية الجميع في التصدي لهذه الآفة -التي لا تقلّ خطورتها عن المخدرات- بتعزيز الجوانب الإيمانية، وزرع المُثل العليا في نفوس الناشئة والشباب، وحمايتهم من الانسياق وراء الشعارات البراقة والأفكار الدخيلة التي تدعو إلى مخالفة الفطرة، وتؤدي إلى شقاء البشرية.
نعم إن الحفاظ على الجيل الجديد مسؤولية مشتركة وواجب عظيم يحتّم على الجميع القيام بأداء دورهم فيه، لكن تزداد مسؤولية الوالدين بشكل أكبر في تربية أولادهم؛ وتنمية الوازع الديني في نفوسهم، وتعريفهم بالحلال والحرام، وتعويدهم على الحياء والعفّة التي هي أقصر طريق إلى المجد والعزّ، وتقوية الرقابة الذاتية لديهم تجاه المغريات والملهيات التي تدعو إلى انتكاسة الفطرة، وزعزعة الثقة في الثوابت والأخلاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ». (أخرجه مسلم).
وعلى الوالدين أن يبادرا إلى تعزيز الضمير الخلقي والاجتماعي لدى الأطفال منذ وقت مبكّر، وزرع القيم النبيلة فيهم قبل سنّ العاشرة، حيث تشير الدراسات إلى أنّه الوقت المناسب لتكوين السياج الأخلاقي لدى الأطفال، وقد نبّه الإسلام إلى ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ» (أخرجه أبوداود). إذ يدعو هذا التوجيه النبوي السديد الآباء وأولياء الأمور إلى تعويد أولادهم على الصلاة وتعليمهم أحكامها، وتفريقهم في المضاجع وصيانتهم مما قد يثير الفتنة في نفوسهم.
وكن في الطريق عفيفَ الخُطى
شريف السَّماع كريم النّظر
وعلى الوالدين ربط أولادهم بمراكز التحفيظ ومراكز الأجيال، وتشجعيهم على ذلك، واستثمار إجازاتهم، وتشغيل أوقات فراغهم بما ينفعهم في الدين والدنيا، وإخلاص الدعاء لهم، وتعليمهم الغيرة على محارم الله، وأن المنكرات تسبّب الفقر، وتقصر العمر، وتظلم الوجه، وتقتل في النفوس معاني الرجولة.
وعلى الوالدين إبعاد أولادهم عن رفاق السوء، وحثّهم على غضّ البصر، ومنعهم من الاطلاع على المواقع والإعلانات التي تيسّر سُبل الفساد، فمن يداعب الشَّوك يلسع سريعا. (أعاذنا الله وإياكم جميعا).
شمعة أخيرة:
محاولة تغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها يُحدث الهمَّ، والغمَّ، والنفرةَ، ويسوّد الوجه، ويظلم الصدرَ، ويطمس نورَ القلب، ويسبّب زوال النعم، وحلول النِّقم، ويورث الذّل والمهانة؛ فإنَّ العزَّ كل العزِّ في طاعة الله تعالى.
(باختصار من الداء والدواء لابن القيم)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك