زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تأسُّوا بالرسول الكريم
العنوان أعلاه للصحفي السوداني الأستاذ عثمان ميرغني، في مقال عاب فيه على بعض أئمة المساجد ميلهم إلى الصراخ في خطبهم، المشحونة بالوعيد والتخويف المتكرر من عذاب النار، وما أسماه «تجاهل الوعد» بجنة عرضها السماوات والأرض، وأردفه بمقال بعنوان «الشعب يريد تغيير الإمام»، ويقصد بها الأئمة المتخصصين فقط في الوعيد والنذير.
الصورة النمطية لأئمة المساجد والدعاة عموما هي أنهم قوم دائمو التجهم، ولا علاقة لهم بالعصر الذي يعيشون هم وبقية الناس فيه، وعلى المستوى الشخصي حدث نفور بيني وبين مدرسي العلوم الدينية في المدرسة الابتدائية، فمدرس «الدين» كما كنا نسميه كان يكلفنا بحفظ سور قرآنية معينه لنقوم بـ«تسميعها»، أي قراءتها من الذاكرة، وكانت مناهج العلوم الدينية تقوم على التلقين الببغاوي: نواقض الوضوء هي ما يخرج من السبيلين والنوم الثقيل وزوال العقل و.... ولم أعرف ما هما «السبيلين»، إلا وأنا في المدرسة الثانوية. وفي الوضوء لم أكن أفهم المقصود بـ«الفور والدلك». وكان مبلغ علمي ان الفور قبيلة في غرب السودان يحمل إقليم دارفور اسمها.
ثم انتقلنا إلى المراحل المتوسطة والثانوية، حيث كان مدرسو العلوم الدينية يرتدون الكاكولة (الجبة) القفطان، وكان منهج التربية الإسلامية يعاني من الشد العضلي، ويسبب الشدّ النفسي والعقلي: مقدار زكاة المال «ربع العشر»، ويا ويلك لو قلت إنها «واحد على أربعين». وفي زكاة الإبل هناك بنت لبون وجذعة، ومازال أبناء جيلي يعانون من عقدة سورة «المطففين»، ولو كلف مدرس نفسه عناء شرح كيف إن السورة تؤسس للعدل في التجارة والمعاملات العامة لما تحولت إلى بعبع، بسبب «الحفظ» القائم على غير فهم ووعي بالمعاني.
كنا نتعامل مع مدرسي التربية الإسلامية على أساس أنهم دراويش، أو خارج التغطية (بلغة عصر الموبايل) بسبب زيّهم وهندامهم العجيب، ولم تقصر السينما المصرية في الاستخفاف بمدرسي اللغة العربية والدين؛ إذ كانوا يظهرون على الشاشات كأشخاص متكلسين، ثقيلي الظل والدم، وبلهاء يتكلمون كما العالم النحوي الذي سأل خادمه: أصعقت العتاريف؟ فرد الخادم: زقفيلم! فسأله النحوي: وما زقفيلم؟ فرد عليه الخادم بالسؤال: وما صعقت العتاريف؟ أجابه النحوي: هل صاحت الديكة؟ فقال الخادم: عندئذ فإن زقفيلم تعني «نعم«.
ثم تكاثرت وسائل الإعلام، واكتشفنا أن معظم هؤلاء »الشيوخ» في منتهى الظرف واللطف، وأن العبوس والتجهم وباء عام، لأننا شعوب مازال كثيرون من أفرادها يعتبرون الضحك والتبسم والدعابة دليلا على «العبث وعدم الجدية»، ويفوت هؤلاء أن الله تعالى نفى عن نبيه صلى الله عليه وسلم الفظاظة «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضّوا من حولك»، و«تبسمك في وجه أخيك صدقة»؟ حديث نبوي صحيح الإسناد.
وسألت عجوز الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء لها، فقال: يا أم فلان، أما علمتِ أن الجنة لا يدخلها عجوز؟! فجزعت الحُرمة، وارتاعت، فأفهمها صلى الله عليه وسلم أنه ليس في الجنة عجائز، بل كل من فيها من النساء شباب عُرُب حسناوات! وتلا عليها: «إِنَا أَنشَأُنَاهنَ إِنشَاء، فَجَعَلُنَاهنَ أَب كَارًا، عربًا أَترَابَا، لأصحاب اليمين»، وجاءته امرأة تقول: إن زوجي يدعوك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: أهو الذي بعينه بياض؟ فردّت متسرعة: والله ما بعينه بياض، فقال صلى الله عليه وسلم: بلى إن بعينه بياضًا، ردَّت مصممة على رأيها: لا والله! فقال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد إلاّ بعينه بياض».
وكان هناك بدوي اسمه زاهر يتبادل الهدايا مع الرسول، وكان زاهر هذا دميما، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه -وهو لا يبصر النبي- فقال: مَن هذا؟ فصاح النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن يشتري العبد؟ فعرفه زاهر، وقال: يا رسول الله إذاً والله تجدني كاسدًا! فقال صلى الله عليه وسلم: «لكن عند الله لستَ بكاسدٍ».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك