العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

رمونا بدائهم وانسلوا

ليس‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬اختراع‭ ‬إسرائيلي‭ ‬صرف،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العمليات‭ ‬الارهابية‭ ‬لعصابات‭ ‬الهاغاناه‭ ‬وشتيرن‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬أربعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬سيجلب‭ ‬عليك‭ ‬المتاعب‭ ‬وربما‭ ‬يودعك‭ ‬السجن،‭ ‬وليس‭ ‬حقا‭ ‬أيضا‭ ‬القول‭ ‬بإن‭ ‬الإرهاب‭ ‬صناعة‭ ‬أوروبية‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬المسيحيون‭ ‬واليهود،‭ ‬وأن‭ ‬المسيحيين‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬مسيحيين‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬ضحايا‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وإذا‭ ‬اعتبر‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحجاج‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬الثقفي‭ ‬رجلا‭ ‬باطشا‭ ‬ودمويا‭ ‬فإنه‭ ‬يبدو‭ ‬تلميذا‭ ‬خائبا‭ ‬لدهاقنة‭ ‬القتل‭ ‬والتعذيب‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭: ‬هتلر‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وموسوليني‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬وسالزار‭ ‬في‭ ‬البرتغال‭ ‬وستالين‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وفرانكو‭ ‬في‭ ‬إسبانيا،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعدل‭ ‬مناهجنا‭ ‬الدراسية‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يرد‭ ‬فيها‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬دولة‭ ‬استخدمت‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬وأنها‭ ‬الدولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬لإبادة‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬النووية‭ ‬أن‭ ‬تطالب‭ ‬بتفتيش‭ ‬منشآت‭ ‬إسرائيل‭ ‬النووية،‭ ‬ونحن‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬متهمون‭ ‬بالهوس‭ ‬الديني‭ ‬ومشتبه‭ ‬في‭ ‬أمرنا‭ ‬كلما‭ ‬غادرنا‭ ‬حظائرنا‭ ‬الوطنية‭ ‬ميممين‭ ‬شطر‭ ‬عاصمة‭ ‬غربية،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬فإننا‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬ولكن‭ ‬المتطرفين‭ ‬عندنا‭ ‬أقلية‭ ‬مطاردة‭ (‬بفتح‭ ‬الراء‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أقلية‭ ‬مطاردة‭ (‬بكسر‭ ‬الراء‭)‬،‭ ‬بيدها‭ ‬السلطة‭ ‬وتتولى‭ ‬مطاردة‭ ‬المتطرفين‭ ‬من‭ ‬الملل‭ ‬الأخرى‭ ‬كي‭ ‬تنتصر‭ ‬لعقيدتها،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬سفارة‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬إدراج‭ ‬اسمي‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬مستحقي‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬غوانتنامو،‭ ‬فإنني‭ ‬أبادر‭ ‬بالقول‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬منقول‭ ‬عن‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ستيفن‭ ‬مانسفيلد،‭ ‬من‭ ‬مؤلفه‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬فيث‭ ‬أوف‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‮»‬‭ ‬ويعني‭ ‬إيمان‭ ‬أو‭ ‬عقيدة‭ ‬جورج‭ ‬بوش،‭ ‬ويورد‭ ‬فيها‭ ‬أدلة‭ ‬بالطن‭ ‬المتري‭ ‬حول‭ ‬اقتناع‭ ‬كبار‭ ‬معاوني‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬بأنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬رسالة‭ ‬سماوية‭ ‬وأنهم‭ ‬مسنودون‭ ‬بالإنجيل‭ ‬والتوراة،‭ ‬ويعود‭ ‬بنا‭ ‬مانسفيلد‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬عندما‭ ‬وقف‭ ‬بوش‭ ‬أمام‭ ‬أحد‭ ‬القساوسة‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬يريد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬رئيسا‭ ‬للبلاد‭.. ‬لقد‭ ‬تلقيت‭ ‬النداء‭... ‬لدي‭ ‬إحساس‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬تفسيره‭ ‬بأن‭ ‬بلادنا‭ ‬ستشهد‭ ‬أمرا‭ ‬خطيرا،‭ ‬وأنها،‭ ‬أي‭ ‬البلاد‭ ‬ستكون‭ ‬بحاجة‭ ‬إليّ‮»‬،‭ ‬ولعل‭ ‬بعضكم‭ ‬يتذكر‭ ‬الجنرال‭ ‬وليام‭ ‬بويكن‭ ‬مسؤول‭ ‬المخابرات‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬سابقا‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬إله‭ ‬المسيحيين‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬إله‭ ‬الصوماليين‭ (‬المسلمين‭)‬،‭ ‬لأن‭ ‬الرب‭ ‬عند‭ ‬المسيحيين‭ ‬حقيقي‭ ‬بينما‭ ‬إله‭ ‬المسلمين‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬صنم‮»‬،‭ ‬ودافع‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش،‭ ‬دونالد‭ ‬رمسفيلد‭ ‬صاحب‭ ‬الوجه‭ ‬العبوس‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬فلادمير‭ ‬بوتين‭ ‬مقارنة‭ ‬به‭ ‬نموذجا‭ ‬لخفة‭ ‬الدم‭ ‬والمرح،‭ ‬دافع‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬بويكن‭ ‬في‭ ‬‮«‬التعبير‮»‬‭.‬

وبعدها‭ ‬بأيام‭ ‬قال‭ ‬مواطنو‭ ‬كافة‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬استطلاع‭ ‬شمل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬تعريضا‭ ‬للأمن‭ ‬العالمي‭ ‬للخطر،‭ ‬ولم‭ ‬يقولوا‭ ‬شيئا‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬التوراة‭ ‬أو‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬موسى،‭ ‬ففتح‭ ‬الأمريكان‭ ‬والإسرائيليون‭ ‬عليهم‭ ‬صنابير‭ ‬السباب،‭ ‬وقال‭ ‬نائب‭ ‬برلماني‭ ‬ألماني‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬بؤرة‭ ‬للشر‭ ‬فطرده‭ ‬حزبه‭ ‬شر‭ ‬طردة،‭ ‬وفي‭ ‬اليونان‭ ‬قال‭ ‬الموسيقار‭ ‬العبقري‭ ‬ميكيس‭ ‬ثيودراكيس‭ ‬مؤلف‭ ‬موسيقى‭ ‬فيلم‭ ‬زوربا‭ ‬اليوناني‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬ببطولته‭ ‬الممثل‭ ‬العملاق‭ ‬الراحل‭ ‬أنتوني‭ ‬كوين‭ ‬والممثلة‭ ‬اليونانية‭ ‬آيرين‭ ‬باباس،‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬اليهود‭ ‬جلبوا‭ ‬الشرور‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬وعلى‭ ‬غيرهم،‭ ‬فكان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬النار‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬أثينا،‭ ‬متناسيا‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬ليس‮»‬‭ ‬سفير‭ ‬إسرائيل‭. ‬

وفي‭ ‬أوزبكستان‭ ‬كان‭ ‬الدكتاتور‭ ‬الحرامي‭ ‬الباطش‭ ‬الراحل‭ ‬إسلام‭ ‬كريموف‭ ‬يقتل‭ ‬معارضيه‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬ويسجن‭ ‬الأطفال‭ ‬ويسحل‭ ‬النساء،‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬أمريكيا‭ ‬لأنه‭ ‬منح‭ ‬أمريكا‭ ‬قواعد‭ ‬تستخدمها‭ ‬لقمع‭ ‬‮«‬التطرف‮»‬‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬وانتقد‭ ‬السفير‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬أوزبكستان‭ ‬سجل‭ ‬البلاد‭ ‬الرديء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فغضبت‭ ‬أمريكا‭ ‬وطلبت‭ ‬من‭ ‬وكيلها‭ ‬في‭ ‬لندن‭ (‬رئيس‭ ‬الوزراء‭) ‬أن‭ ‬يعاقب‭ ‬السفير‭ ‬فتم‭ ‬استدعاؤه‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬وبهدلوه‭ ‬حتى‭ ‬أصيب‭ ‬بانهيار‭ ‬عصبي،‭ ‬وربنا‭ ‬ستر‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬الضغوط‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬حمله‭ ‬على‭ ‬الانتحار‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬ديفيد‭ ‬كيلي‭ ‬الذي‭ ‬فضح‭ ‬أكذوبة‭ ‬أسلحة‭ ‬العراق‭ ‬للدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬فتعرض‭ ‬لمضايقات‭ ‬وملاحقات‭ ‬وتهديدات‭ ‬فقال‭: ‬بيدي‭ ‬لا‭ ‬بيد‭ ‬عمر‭ ‬وقتل‭ ‬نفسه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا