العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ابتعد عن أنفك والشبهات

بنوكيو‭ ‬شخصية‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬ألفها‭ ‬الإيطالي‭ ‬كارلو‭ ‬كولودي‭ ‬عام‭ ‬1880،‭ ‬وهي‭ ‬دمية‭ ‬خشبية‭ ‬لطفل‭ ‬طويل‭ ‬الأنف‭ ‬ولكن‭ ‬أنفه‭ ‬يزداد‭ ‬طولا‭ ‬كلما‭ ‬كذب‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬ما،‭ ‬وقد‭ ‬صدرت‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬أفلام‭ ‬تحكي‭ ‬قصة‭ ‬بنوكيو‭ ‬هذا،‭ ‬ولكن‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬يقول‭ ‬ان‭ ‬كولودي‭ ‬كان‭ ‬محقا‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬أنف‭ ‬بنوكيو‭ ‬والكذب،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أنصحك‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬تحك‭ ‬أنفك‭ ‬وأنت‭ ‬أمام‭ ‬مديرك‭ ‬أو‭ ‬رئيسك‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬معلمك‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬والديك‭ ‬وأنت‭ ‬تتعرض‭ ‬للاستجواب‭ ‬بعد‭ ‬عملة‭ ‬مهببة،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثبت‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬عندما‭ ‬يكذب‭ ‬يحك‭ ‬انفه‭ ‬لا‭ ‬إراديا،‭ ‬ومشكلتي‭ ‬هي‭ ‬أنني‭ ‬أحك‭ ‬أنفي‭ ‬كثيرا‭ ‬حتى‭ ‬وأنا‭ ‬جالس‭ ‬وحدي‭. ‬ربما‭ ‬لأنني‭ ‬أدمنت‭ ‬الكذب‭ ‬بعد‭ ‬العمل‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الخرطي،‭ ‬والأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬العلماء‭ ‬يقولون‭ ‬ان‭ ‬الأنف‭ ‬يطول‭ ‬كلما‭ ‬مارس‭ ‬الإنسان‭ ‬الكذب،‭ ‬ويقولون‭ ‬ان‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون‭ ‬غادر‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬وانفه‭ ‬أطول‭ ‬ببضع‭ ‬مليمترات‭ ‬عن‭ ‬حاله‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬أول‭ ‬مرة،‭ ‬وقد‭ ‬لاحظ‭ ‬البروفسور‭ ‬ألن‭ ‬هيرش‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الينوي‭ ‬الامريكية‭ ‬ان‭ ‬بيل‭ ‬كان‭ ‬يتهته‭ ‬ويلمس‭ ‬انفه‭ ‬كلما‭ ‬قدم‭ ‬إفادة‭ ‬كاذبة‭ ‬عن‭ ‬عمايله‭ ‬المهببة‭ ‬مع‭ ‬الفتاة‭ ‬العجالية‭ ‬مونيكا‭ ‬لوينسكي،‭ ‬ولعلكم‭ ‬تذكرون‭ ‬أنه‭ ‬زعم‭ ‬أن‭ ‬علاقته‭ ‬بها‭ ‬كانت‭ ‬شفهية‭ ‬وليست‭ ‬تحريرية‭ (‬بصراحة‭ ‬ندمت‭ ‬على‭ ‬شرشحتي‭ ‬المتواصلة‭ ‬لكلينتون‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬جاء‭ ‬الطامة‭ ‬المسماة‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭. ‬فالأول‭ ‬كان‭ ‬مشغولا‭ ‬بخمش‭ ‬وكمش‭ ‬النساء‭ ‬بينما‭ ‬الأخير‭ ‬تخصص‭ ‬في‭ ‬خمش‭ ‬وكمش‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭).‬

ويضيف‭ ‬هيرش‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬الكذاب‭ ‬انه‭ ‬أيضا‭ ‬يهرش‭ ‬ويحك‭ ‬أجزاء‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬جسمه،‭ ‬وتلاحظ‭ ‬عليه‭ ‬علامات‭ ‬اللهاث‭ ‬الناتجة‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬خفقان‭ ‬القلب،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬الكذابين‭ ‬يميلون‭ ‬الى‭ ‬الجمل‭ ‬الطويلة‭ ‬لأنها‭ ‬تعطيهم‭ ‬فرصة‭ ‬المناورة‭ ‬وصولا‭ ‬الى‭ ‬كذبة‭ ‬مقنعة،‭ ‬ويمكنك‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بمتابعة‭ ‬أي‭ ‬لقاء‭ ‬تلفزيوني‭ ‬مع‭ ‬مسؤول‭ ‬كبير‭ ‬فتجده‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭ ‬بعبارات‭ ‬مثل‭: ‬أولا‭ ‬أشكركم‭ ‬على‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لي‭ ‬لتوضيح‭ ‬بعض‭ ‬الحقائق‭ ‬الملتبسة‭ ‬على‭ ‬الجمهور‭.. ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬هذا‭ ‬سؤال‭ ‬جيد‭ ‬ويدل‭ ‬على‭ ‬انك‭ ‬مذيع‭ ‬ابن‭ ‬ناس‭ ‬وابن‭ ‬أصول‭ ‬وولد‭ ‬قبايل‭!!.. ‬ثم‭ ‬لاحظ‭ ‬كيف‭ ‬ان‭ ‬بعض‭ ‬زعمائنا‭ ‬يقفون‭ ‬أمام‭ ‬المايكروفونات‭ ‬ليحدثونا‭ ‬عن‭ ‬الرفاهية‭ ‬والعز‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬ويرغي‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬ويزبد‭ ‬لنحو‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬ليثبت‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬يقول،‭ ‬ثم‭ ‬تقول‭ ‬لنفسك‭: ‬بالله‭ ‬نحن‭ ‬عايشين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العز‭ ‬وما‭ ‬دارين‭ ‬به؟

ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬صاحب‭ ‬انف‭ ‬طويل‭ ‬كاذب،‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬انهم‭ ‬يدفعون‭ ‬ثمن‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬تدمن‭ ‬الكذب،‭ ‬ومن‭ ‬المحزن‭ ‬حقا‭ ‬اننا‭ ‬شعوب‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬خبزا‭ ‬يوميا‭: ‬ينهى‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬عياله‭ ‬عن‭ ‬الكذب‭ ‬ويحثهم‭ ‬على‭ ‬قول‭ ‬الصدق‭ ‬ثم‭ ‬يرن‭ ‬الهاتف‭ ‬وتجد‭ ‬نفسك‭ ‬تصيح‭ ‬في‭ ‬ولدك‭ ‬او‭ ‬بنتك‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المتصل‭ ‬عرقوب‭ ‬بن‭ ‬يعقوب‭ ‬المكروب،‭ ‬قل‭ ‬له‭ ‬انني‭ ‬مسافر‭.. ‬لا‭ ‬بلاش‭ ‬مسافر‭! ‬قل‭ ‬له‭ ‬ان‭ ‬بابا‭ ‬مات‭! ‬واذا‭ ‬سمعت‭ ‬ان‭ ‬مديرا‭ ‬يمدح‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بأعباء‭ ‬السكرتارية‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬فاعرف‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬بارع‭ ‬في‭ ‬الكذب،‭ ‬ومن‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬تتصل‭ ‬به‭ ‬لتحديد‭ ‬موعد‭ ‬للقاء‭ ‬المدير‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬اليوم‭ ‬فيقول‭ ‬لك‭ ‬بصوت‭ ‬متهدج‭: ‬لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله‭.. ‬أبوه‭ ‬مات‭ ‬فجر‭ ‬اليوم‭!! ‬الدوام‭ ‬لله‭.. ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬مريضا؟‭ ..‬أبدا‭ ‬كان‭ ‬يلعب‭ ‬التنس‭ ‬وفجأة‭ ‬سقط‭ ‬مغشيا‭ ‬عليه‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬أصلا‭ ‬يعاني‭ ‬مرض‭ ‬القلب،‭ ‬وحاول‭ ‬المدرب‭ ‬إنعاشه‭ ‬ولكن‭ ‬المدرب‭ ‬أيضا‭ ‬مات‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬انتقلت‭ ‬اليه‭ ‬العدوى‭! ‬تقول‭ ‬للسكرتير‭ ‬او‭ ‬السكرتيرة‭: ‬يا‭ ‬سلام‭. ‬مرض‭ ‬القلب‭ ‬فعلا‭ ‬شديد‭ ‬العدوى‭ ‬خصوصا‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬الجسم‭ ‬يعاني‭ ‬نقصا‭ ‬في‭ ‬ثاني‭ ‬أوكسيد‭ ‬الساكسفون،‭ ‬وزيادة‭ ‬في‭ ‬فلاتر‭ ‬القولون،‭ ‬فيتنهد‭ ‬الكذاب‭ ‬ويطلق‭ ‬زفرة‭ ‬تحرق‭ ‬أسلاك‭ ‬الهاتف‭: ‬كلنا‭ ‬لها‭!! ‬وإذا‭ ‬كنت‭ ‬لئيما‭ ‬فقد‭ ‬تحاول‭ ‬إحراج‭ ‬ذلك‭ ‬السكرتير‭ ‬او‭ ‬السكرتيرة‭ ‬بقولك‭: ‬ولكم‭ ‬ألم‭ ‬يمت‭ ‬أبوه‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬حسبما‭ ‬أبلغتني‭ ‬أنت‭ ‬بالذات؟‭ ‬هنا‭ ‬تتجلى‭ ‬البراعة‭ ‬والمهنية‭ ‬والاحتراف‭: ‬لا‭ ‬فالذي‭ ‬مات‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬هو‭ ‬أبوه‭ ‬في‭ ‬الرضاع‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا