العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن القمار وخراب الدار

هناك‭ ‬آفة‭ ‬اجتماعية‭ ‬لا‭ ‬نلتفت‭ ‬إليها‭ ‬كثيرا‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬يعانون‭ ‬منها‭ ‬يمارسونها‭ ‬في‭ ‬الخفاء،‭ ‬أعني‭ ‬القمار‭.. ‬الميسر‭.. ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬كازينوهات‭ ‬القمار‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وآسيا‭ ‬التي‭ ‬يغشاها‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬جماعتنا‭ ‬وربعنا،‭ ‬بل‭ ‬أقصد‭ ‬من‭ ‬يمارسون‭ ‬القمار‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬العربية،‭ ‬فهناك‭ ‬شِللٌ‭ ‬تلتقي‭ ‬بانتظام‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬للعب‭ ‬الميسر‭ ‬ويكون‭ ‬عادة‭ ‬باستخدام‭ ‬أوراق‭ ‬اللعب‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬الكوتشينة‭ (‬الجنجفة‭ ‬أو‭ ‬الزنجفة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭).‬

والقمار‭ ‬مرض‭ ‬و‭(‬إدمان‭). ‬نعم‭ ‬فهناك‭ ‬أناس‭ ‬يستمتعون‭ ‬بالتوتر‭ ‬والترقب‭ ‬ويسعدهم‭ ‬أن‭ ‬أجسامهم‭ ‬تضخ‭ ‬الأدرنالين‭ ‬فيحسون‭ ‬بالانتشاء‭. ‬ألا‭ ‬ترى‭ ‬كيف‭ ‬يقود‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬تحسبهم‭ ‬عقلاء‭ ‬سياراتهم‭ ‬وكأنها‭ ‬كرة‭ ‬يراوغون‭ ‬بها‭ ‬الخصوم؟‭ ‬وقد‭ ‬يصعدون‭ ‬بها‭ ‬ويهبطون‭ ‬في‭ ‬تلال‭ ‬شديدة‭ ‬الانحدار؟‭ ‬وعندك‭ ‬التفحيط‭ ‬بالسيارات‭ ‬وقد‭ ‬لقي‭ ‬عشرات‭ ‬الشبان‭ ‬مصرعهم‭ ‬أو‭ ‬أصيبوا‭ ‬بإعاقات‭ ‬جسيمة،‭ ‬أو‭ ‬تسببوا‭ ‬في‭ ‬مصرع‭ ‬غيرهم‭ ‬وهم‭ ‬يبرطعون‭ ‬بسياراتهم‭. ‬ورغم‭ ‬علمهم‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يكفون‭ ‬عن‭ ‬التفحيط،‭ ‬لأنهم‭ ‬يجدون‭ ‬نشوة‭ ‬في‭ ‬المخاطرة‭. ‬نفس‭ ‬النشوة‭ ‬التي‭ ‬يجدها‭ ‬من‭ ‬يتسلق‭ ‬جبلا‭ ‬أو‭ ‬يمارس‭ ‬التزلج‭ ‬على‭ ‬الجليد‭ ‬وهو‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬زلة‭ ‬بسيطة‭ ‬ستكلفه‭ ‬حياته‭.‬

وهناك‭ ‬أناس‭ ‬ومن‭ ‬فرط‭ ‬إدمانهم‭ ‬القمار‭ ‬مستعدون‭ ‬لتسليفك‭ ‬نقودا‭ ‬كي‭ (‬تلعب‭) ‬بها‭ ‬في‭ ‬مواجهتهم،‭ ‬ولو‭ ‬ربحت‭ ‬منهم‭ ‬نقودا‭ ‬باستخدام‭ ‬نقودهم‭ ‬يقولون‭ ‬لك‭ (‬مبروك‭. ‬حلال‭ ‬عليك‭! ‬فقط‭ ‬ترد‭ ‬إليهم‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬استلافه‭)‬،‭ ‬واخد‭ ‬بالك؟‭ ‬شلون‭ ‬حلال‭ ‬عليك‭ ‬مال‭ ‬الحرام؟‭ ‬أعني‭ ‬لاحظ‭ ‬إضفاء‭ ‬‮«‬البركة‭ ‬والتحليل‮»‬‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬تحرمه‭ ‬الشرائع‭ ‬والعرف‭ ‬الاجتماعي‭. ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تقابل‭ ‬قط‭ ‬شخصا‭ ‬أثرى‭ ‬من‭ ‬لعب‭ ‬الميسر‭. ‬نعم‭ ‬قد‭ ‬يكسب‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬غضون‭ ‬دقائق‭ ‬من‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬المقامرة،‭ ‬ولكن‭ ‬ولأن‭ ‬القمار‭ ‬مرض‭ ‬يسبب‭ ‬الطمع‭ ‬والجشع‭ ‬فإنه‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ (‬الملعب‭) ‬لتحويل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬إلى‭ ‬ملايين‭ ‬ويظل‭ ‬يخسر‭ ‬ليلة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يخسر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ربحه‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬واحدة،‭ ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬لأحد‭ ‬رفاقه‭: ‬لو‭ ‬سمحت‭ ‬أعطني‭ ‬أجرة‭ ‬التاكسي‭.‬

عندما‭ ‬ابتعثت‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ (‬لا‭ ‬أحب‭ ‬عبارة‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬لأنها‭ ‬تعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬بأنني‭ ‬ديناصور‭) ‬أسكنونا‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الشباب‭ ‬الكاثوليكي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬المدينة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يضم‭ ‬طلابا‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬بلدان،‭ (‬رحلت‭ ‬منه‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬قديمة‭ ‬لأن‭ ‬حماماته‭ ‬كانت‭ ‬بلا‭ ‬أبواب‭ ‬فكنت‭ ‬أضطر‭ ‬للاستحمام‭ ‬في‭ ‬الفجر‭ ‬الباكر‭ ‬والكل‭ ‬نيام،‭ ‬مستخدماً‭ ‬المايوه،‭ ‬وهذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يليق‭ ‬بحفيد‭ ‬عنترة‭ ‬العبسي‭) ‬وكانت‭ ‬بالكافتيريا‭ ‬ماكينات‭ ‬قمار،‭ ‬وكان‭ ‬طالب‭ ‬عربي‭ ‬يوزع‭ ‬النقود‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬زملائه‭ ‬ويطلب‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يلعبوا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬ماكينة‭ ‬معينة‭ ‬نيابة‭ ‬عنه‭. ‬ولا‭ ‬يرمش‭ ‬له‭ ‬جفن‭ ‬وهو‭ ‬يراهم‭ ‬يخسرون‭ ‬المرة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬معينة‭ ‬كان‭ ‬يتولى‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭ ‬بنفسه،‭ ‬وكان‭ ‬منطقه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الماكينات‭ ‬مبرمجة‭ ‬لتعطي‭ ‬مبالغ‭ ‬زهيدة‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬متتالية،‭ ‬تزداد‭ ‬بعدها‭ ‬احتمالات‭ ‬الفوز‭ ‬بالجاكبوت‭ ‬أي‭ ‬الجائزة‭ ‬الكبرى،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬بالجاكبوت‭ ‬ولكنني‭ ‬كنت‭ ‬أراه‭ ‬مرارا‭ ‬وهو‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬زملاء‭ ‬السكن‭ ‬أن‭ ‬يشتري‭ ‬له‭ ‬كوب‭ ‬شاي‭ ‬أو‭ ‬شطيرة‭.. ‬كان‭ ‬يكسب‭ ‬نعم،‭ ‬ولكن‭ ‬احتمالات‭ ‬الخسارة‭ ‬في‭ ‬القمار‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬الفوز،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬أصحاب‭ ‬كازينوهات‭ ‬القمار‭ ‬مليونيرات‭ ‬بينما‭ ‬معظم‭ ‬المقامرين‭ ‬يواجهون‭ ‬الإفلاس‭ ‬وربما‭ ‬السجن‭.‬

وتكمن‭ (‬حقارة‭) ‬القمار‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬أداة‭ ‬لنهب‭ ‬أموال‭ ‬الآخرين‭ ‬بغير‭ ‬وجه‭ ‬حق،‭ ‬أو‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بضربة‭ ‬حظ‭ ‬ودون‭ ‬بذل‭ ‬أي‭ ‬جهد،‭ ‬وكاذب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يزعم‭ ‬أنه‭ ‬مقامر‭ ‬محترف،‭ ‬ويعرف‭ ‬أصول‭ ‬لعبة‭ ‬ما،‭ ‬لأن‭ ‬القمار‭ ‬كما‭ ‬معظم‭ ‬ألعاب‭ ‬الورق‭ ‬يقوم‭ ‬أساسا‭ ‬على‭ ‬الصدفة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تأتيك‭ ‬بأوراق‭ ‬أو‭ ‬أرقام‭ ‬رابحة،‭ ‬أو‭ ‬تجيب‭ ‬خبرك،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المقصود‭ ‬بالاحتراف‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الغش‭.‬

وأعجب‭ ‬كيف‭ ‬يزعم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬أنهم‭ ‬أصدقاء‭ ‬ثم‭ ‬يجلسون‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬القمار‭ ‬ويجردون‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يملك‭ ‬ويسمون‭ ‬ذلك‭ (‬تسلية‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا