العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تقدُّم هو صنو التأخُّر

صحيح‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬الصناعي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬جعل‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬سهلة‭ ‬وميسورة،‭ ‬ولكن‭ ‬صحيح‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬البشرية‭ ‬تدفع‭ ‬ثمناً‭ ‬باهظاً‭ ‬نظير‭ ‬تلك‭ ‬السهولة‭ ‬واليسر،‭ ‬فالكونكورد‭ ‬طارت‭ ‬بأسرع‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت،‭ ‬ولكن‭ ‬أصيبت‭ ‬محركاتها‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بالجنون‭ ‬فأوصلت‭ ‬ركابها‭ ‬إلى‭ ‬المقابر‭ ‬بسرعة‭ ‬الضوء،‭ ‬والسيارات‭ ‬كلما‭ ‬ازدادت‭ ‬اتقانا‭ ‬ومزايا،‭ ‬تكاثر‭ ‬ضحاياها،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬حيث‭ ‬الناس‭ ‬مجنونون‭ ‬بالسرعة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭ ‬عندهم،‭ ‬يقتل‭ ‬العرب‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وهم‭ ‬أكثر‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬استهتاراً‭ ‬بحياة‭ ‬الإنسان‭ ‬كما‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يقودون‭ ‬بها‭ ‬سياراتهم،‭ ‬ثم‭ ‬يتباكون‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

الغواصة‭ ‬الروسية‭ ‬كورسك‭ ‬تم‭ ‬تصميمها‭ ‬لقتل‭ ‬أعداء‭ ‬روسيا،‭ ‬فلم‭ ‬تقتل‭ ‬قط‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الأعداء‭ ‬بل‭ ‬انقلبت‭ ‬على‭ ‬شباب‭ ‬روسيا‭ ‬وقتلت‭ ‬منهم‭ ‬118‭: ‬تعطلت‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الأعماق‭ ‬وهلك‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬متنها‭ ‬والطائرات‭ ‬الماليزية‭ ‬والفرنسية‭ ‬والكورية‭ ‬صنعت‭ ‬لتوصيل‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬غاياتهم‭ ‬ففعلت‭ ‬ذلك‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬ولكن‭ ‬أصابها‭ ‬خبل‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬وأوصلت‭ ‬ركابها‭ ‬إلى‭ ‬قيعان‭ ‬البحار‭ ‬فاختفت‭ ‬اسر‭ ‬بكاملها‭ ‬من‭ ‬الوجود،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬سنظل‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬الطائرات‭ ‬وسنظل‭ ‬نثق‭ ‬بالطيارين‭ ‬العرب‭ ‬لأنهم‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أكثر‭ ‬عقلاً‭ ‬وإحساسا‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬من‭ ‬قائدي‭ ‬السيارات‭ ‬العرب‭.‬

يوماً‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬سينقلب‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬الساحر‭ ‬وتتحول‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬إلى‭ ‬غول‭ ‬يفتك‭ ‬بنا‭ ‬عضوياً‭ ‬وأخلاقياً‭ ‬فصناعة‭ ‬الأدوية‭ ‬التي‭ ‬انتجت‭ ‬العقاقير‭ ‬المنقذة‭ ‬للحياة‭ ‬انتجت‭ ‬أيضاً‭ ‬الاكستاسي‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬النشوة‭ ‬العارضة‭ ‬وتلف‭ ‬الدماغ،‭ ‬والتطور‭ ‬الزراعي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬الثمار‭ ‬الفرانكنشتانية‭ ‬الضخمة‭ ‬المرعبة،‭ ‬بذريعة‭ ‬‮«‬التحسين‭ ‬الجيني‮»‬،‭ ‬وصرنا‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬مؤخرا‭ ‬طماطم‭ ‬شديد‭ ‬الاحمرار‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الشمام،‭ ‬وتأكلها‭ ‬وتحسب‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬خيار‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬السودان‭ ‬زرعنا‭ ‬القطن‭ ‬المعدل‭ ‬وراثيا،‭ ‬فصار‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬زرعه‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬وفاة‭ ‬قريب‭ ‬ثري‭ ‬كي‭ ‬‮«‬يرثه‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أتى‭ ‬الإيدز‭ ‬والإيبولا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأربعين‭ ‬الأخيرة‭ ‬وعمر‭ ‬البشرية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬خلالها‭ ‬سوى‭ ‬الاسهال‭ ‬ونزلات‭ ‬البرد‭ ‬وكسور‭ ‬العظام؟‭ ‬ثم‭ ‬موضة‭ ‬البرازيل‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭: ‬فيروس‭ ‬زيكا،‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬ضمور‭ ‬مخ‭ ‬الجنين‭ ‬فيولد‭ ‬مشوها‭ ‬ومعاقا،‭ ‬فكيف‭ ‬يحمل‭ ‬فيروس‭ ‬بهذه‭ ‬الشراسة‭ ‬اسم‭ ‬زيكا‭ ‬على‭ ‬وزن‭ ‬‮«‬مزيكا»؟‭ ‬هل‭ ‬لأنه‭ ‬برازيلي‭ ‬المنشأ؟‭ ‬وعندك‭ ‬التهمة‭ ‬التي‭ ‬دبسوا‭ ‬فيها‭ ‬بعيرنا،‭ ‬فزعموا‭ ‬أنها‭ ‬سبب‭ ‬ظهور‭ ‬النسخة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬القاتل‭.. ‬قاتلكم‭ ‬الله،‭ ‬بعيرنا‭ ‬عاشت‭ ‬بيننا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفي‭ ‬سنة‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬أن‭ ‬واحدا‭ ‬منها‭ ‬‮«‬عطس‮»‬،‭ ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬أتاها‭ ‬الفيروس‭ ‬لتوزعه‭ ‬علينا؟‭ ‬

وسعدت‭ ‬كثيرا‭ ‬بتقنية‭ ‬واتساب،‭ ‬ولكنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬سببت‭ ‬لي‭ ‬‮«‬رهاب‮»‬‭/ ‬فوبيا،‭ ‬لأنني‭ ‬كلما‭ ‬استخدمتها‭ ‬أحسست‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصا‭ ‬معينين‭ ‬ينصبون‭ ‬لي‭ ‬كمائن‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة،‭ ‬فصرت‭ ‬أتوقف‭ ‬عن‭ ‬استخدامها‭ ‬كل‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أحاول‭ ‬اقناع‭ ‬عيالي‭ ‬بالتوقف‭ ‬عن‭ ‬استخدامها‭ ‬لأنني‭ ‬أشتاق‭ ‬إلى‭ ‬أصواتهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صاروا‭ ‬يجلسون‭ ‬معي‭ ‬وعقولهم‭ ‬‮«‬شتى‮»‬‭ ‬ومشتتة،‭ ‬يبتسمون‭ ‬ويضحكون‭ ‬وعيونهم‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬هواتفهم‭ ‬الغبية‭.. ‬اسحب‭ ‬الكلمة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فمن‭ ‬حسنات‭ ‬هذه‭ ‬الهواتف‭ ‬أنها‭ ‬تبيح‭ ‬إجراء‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‭ ‬المحلية‭ ‬والدولية‭ ‬بلا‭ ‬مقابل‭. ‬ورغم‭ ‬طلاقي‭ ‬المتقطع‭ ‬لواتساب‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أمارس‭ ‬الكلام‭ ‬العابر‭ ‬للقارات‭ ‬مستخدما‭ ‬آيمو‭ ‬وفيس‭ ‬تايم‭ ‬وميت‭ ‬meet،‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬فكلما‭ ‬استخدمت‭ ‬هذه‭ ‬الوسائط‭ ‬لمكالمات‭ ‬هاتفية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ (‬من‭ ‬البحرين‭ ‬الى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬كندا‭ ‬أو‭ ‬بريطانيا‭) ‬كلما‭ ‬ضمنت‭ ‬لنفسك‭ ‬ونسة‭ ‬وسوالف‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الخشخشة‭ ‬والوشوشة‭.‬

وبالمناسبة‭ ‬فلعل‭ ‬بعضكم‭ ‬انتبه‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬الى‭ ‬خفض‭ ‬العمالة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬ناحية،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬توسعت‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬لتسيير‭ ‬شؤونها،‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬إدارات‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬أساتذة‭ ‬الجامعة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وقد‭ ‬ثبت‭ ‬خطل‭ ‬المزاعم‭ ‬بأن‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬سيجعل‭ ‬الناس‭ ‬يستغنون‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الورق‭ ‬والقلم،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬حادث‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬طباعة‭ ‬كل‭ ‬مستند‭ ‬مطبوع‭ ‬بالكمبيوتر‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬نسخة‭ ‬ورقية‭ ‬منه،‭ ‬ووضعها‭ ‬في‭ ‬ملف،‭ ‬وللنسخة‭ ‬الورقية‭ ‬أهمية‭ ‬عظمى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لأنها‭ ‬تتيح‭ ‬حرية‭ ‬‮«‬التوقيع‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬مستند‭ ‬عربي‭ ‬يعتبر‭ ‬صحيحا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يحمل‭ ‬أربعة‭ ‬تواقيع‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا