الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
إنها أموال عامة.. وليست باذنجان..!!
تروي كتب القصص العربية أن أحد الأثرياء أكل في أحد الأيام طبق «باذنجان» فأعجب به، فأسرع العامل ونظم قصيدة في مدح الباذنجان، وقال: «الباذنجان! بارك الله في الباذنجان، هو سيد المأكولات، شحم بلا لحم، سمك بلا حسك، يؤكل مقلياً ويؤكل مشويّاً، إن أكلته مقليّا بقي طعمه على لسانك طول النهار، وإن أكلته محشيّا كان شيخ المحاشي، وإن أكلته مكبوسا فهو أشهى الكبيس».
وفى اليوم التالي قدموا للثري طبق «الباذنجان» فلم يعجبه، فقام نفس العامل ونظم قصيدة في هجاء الباذنجان، وقال: «الباذنجان! لعنة الله على الباذنجان، ثقيل غليظ نفّاح، وهو طعام رديء، إن أكلته مقليّا سبّب لك تضخّما في المصران، وإن أكلته محشيّا سبّب لك أحلاما مزعجة، وإن أكلته مكبوسا سبّب لك الغثيان»، فقال الثري للعامل: ويحك! تَمدَحُ الشيءَ وتذمُّه في وقت واحد؟! فأجاب: أنا خادم السلطان ولست شاعر الباذنجان.
تذكرت تلك القصة، وأنا أقرأ تبريرات بعض المسؤولين بأن مديونيات الأجانب للبلدية البالغة 4 ملايين دينار بحريني، وقد غادروا البلاد من دون أن يدفعوها، إنها «حالة اعتيادية» تحصل في أي دولة ومشروع، وإنها أموال متراكمة منذ 15 عاما.. دون أن يضعوا أي حل ومعالجة لاسترداد الأموال العامة، أو حتى يقترحوا إجراءات تضمن عدم تكرار هذا الهدر للمال العام.
المشكلة ذاتها يعاني منها المؤجرون حينما يجدون أنفسهم في مماطلة وتهرب من المستأجرين الأجانب الذي لا يدفعون الإيجار.. في حين أن المواطن البحريني لو تخلف أو تأخر عن سداد فلس واحد، لانهالت عليه القضايا والخطابات والاستدعاءات، وربما المنع من السفر إن لم يسددها، ولتم قطع تيار الماء والكهرباء عنه، أو تم إزعاجه بالاتصالات المتكررة، وجرجرته الى المحاكمة إن لم يسدد فاتورة الهاتف أو البطاقة الائتمانية.
ولطالما اشتكى صغار التجار من الزيادة في الرسوم البلدية ورسوم تجديد السجلات التجارية، التي تهدد مستقبل قدرتهم على المواصلة في العمل بالسوق البحريني، ويدفعونها طوعا وكرها، ولم يقل أحد إنها «حالة اعتيادية» وبإمكانهم ألا يدفعوها..!!
وحسنا فعلت سعادة النائب الدكتورة مريم الظاعن بتقديم اقتراح بقانون يلزم الأجنبي بسداد كافة ديونه قبل أن يغادر البلاد أو يتم استبعاده منها وفقا للقانون، وذلك من خلال تعديل المادة (64 مكررا) من القانون رقم (15) لسنة 1976.
الغريب في الأمر أن البلديات لم تعلق بشكل رسمي على الموضوع حتى اللحظة، ولم توضح الأمر وتكشف الملابسات، وتبين الإجراءات القادمة، لأن هذا الموقف الصامت قد يشجع الأجانب على عدم السداد والمغادرة من البلاد، طالما لن يسأل عنها أحد أو يحاسب عليها، فهي «حالة اعتيادية»..!!
هيئة المعلومات والحكومة الالكترونية تعلن كل يوم ميزات جديدة للربط الإلكتروني لأي مواطن ومقيم والخدمات المقدمة، فلماذا لا يتم وضع آلية الكترونية تسهم في الحد من هذه المشكلة، أو ما أطلق عليه «حالة اعتيادية»..؟؟
لدينا تجربة ناجحة مع هيئة الكهرباء والماء التي أعلنت قيمة المتأخرات غير المحصلة البالغة 340 مليون دينار، وأعلنت آليات تسديها وتحصيلها من المشتركين وتقسيطها، من دون أن تقول إنها أموال «سبيل».. ولن يتم تحصيلها.. باعتبارها «حالة اعتيادية».
لا أتصور أن «خبر» إعلان عدم سداد 4 ملايين دينار بحريني، سيمر مرور الكرام على «ديوان الرقابة»، لأنه حتما سيدونها ضمن ملاحظاته في تقريره على البلديات وأمانة العاصمة، ويؤكد غياب الإجراءات التي تسببت في هذه المشكلة، وإن مر عليها 15 عاما.. بل إن في غياب الإجراءات مدعاة لمزيد من الهدر والتهرب وضياع المال العام.
أخيرا.. حينما تصدر التوجيهات، وتنشر الملاحظات من ديوان الرقابة عن غياب الإجراءات في تحصيل الأموال العامة، فسنجد ذات الجهات المعنية تشيد بالتوجيهات، وتؤكد حرصها على حماية المال العام، والتزامها بالقانون.. وستكون مثل ذلك العامل الذي مدح «الباذنجان»، بعدما وصف المشكلة بأنها «حالة اعتيادية».. عفوا يا سادة يا كرام.. إنها أموال عامة وليست «باذنجان»..!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك