على غرار متسلقي الجبال الساعين نحو القمة، كان الاقتصاديون خلال الأشهر الماضية يبحثون عن ذروة التضخم. وهذا يعني اللحظة التي ينخفض فيها التضخم مرة أخرى بعد أن يصل إلى ذروته.
المواطنون أيضًا، الذين تعرضت ميزانيتهم لضغوط منذ أكثر من عام بسبب ارتفاع الأسعار، ينتظرون بفارغ الصبر تجاوز هذا الحد الأقصى. خاصة الفئات الأقل دخلا، الذين يعانون أكثر من غيرهم من ارتفاع الأسعار، والذين اضطروا إلى تغيير عاداتهم الاستهلاكية خلال العام الماضي لمواجهة التضخم (من خلال استهلاك أقل واختيار منتجات جديدة، إلخ.)
في هذا الإطار، أظهر تقرير جديد لمؤسسة «كامكو إنفست» أن معدل التضخم الشهري في البحرين في مارس 2023 وصل إلى أدنى مستوياته المسجلة منذ أشهر طويلة، إذ بلغ 0.1 -% مقابل 3.9 % في مارس 2022. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، يتوقع أن ينحسر معدل التضخم في البحرين ليبلغ 2.2 % في عامي 2023 و2024.
ومع ذلك، يجب توخي الحذر عند تفسير هذه الأرقام. لأن التضخم يقيس تطور الأسعار مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. اعتبارًا من مارس 2023، أصبح المرجع لحساب التضخم الفترة التي تلت الحرب في أوكرانيا، وما صاحبها من زيادة الأسعار على مستوى العالم. لذلك من الأسهل أن يبدو التضخم أقل مقارنةً بها. وإذا قمنا بتغيير النقطة المرجعية، من خلال حساب التضخم مقارنة بحالة ما قبل وباء كورونا، سيكون الأمر مختلفًا من خلال زيادة واضحة في الأسعار خصوصا في قطاع المواد الغذائية.
علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن التضخم آخذ في الانخفاض ((disinflation لا يعني أن الأسعار تنخفض (deflation). هذا يعني فقط أنها تزيد بشكل أبطأ.
صحيح أن التدخل الحكومي أسهم في تراجع معدلات التضخم بما في ذلك تحديد سقف أسعار لبعض المنتجات، ودعم بعضها بالإضافة إلى بعض أدوات السياسة المالية والنقدية. لكن ذلك قد لا يدوم على المدى البعيد.
تعتمد السرعة التي يتم بها تقليل التضخم في الواقع على عدة معايير أخرى، بما في ذلك سلوك الشركات والتجار. وصل معدل هامش الأرباح إلى مستويات مرتفعة. أن تزداد هوامش أرباح الشركات على الرغم من حالة التضخم التي تؤدي إلى زيادة عدد من تكاليفها يعني أنهم تمكنوا في عام 2022 من نقل زيادات التكلفة أكثر من المتوقع إلى أسعارهم. بعبارة أخرى، لقد رفعوا أسعارهم أكثر من تكاليفهم، وبالتالي وضعوا عبء التضخم على عاتق المستهلكين.
هل نأمل أن نعود إلى الوضع الذي كان سائداً قبل الأزمة الصحية، حيث استقر التضخم عند مستويات مقبولة؟ أم نحن على العكس من ذلك ندخل عصر تضخم مرتفع؟ أم وضع وسيط، مع استقرار نسب التضخم حول 2.5 أو 3%؟
يتم مناقشة السؤال بين الاقتصاديين. البعض يبدو مقتنعًا بأن العوامل الهيكلية كالتقدم التكنولوجي وتوفر المدخرات العالية في أعقاب فترة الأزمات، والتي فسرت المستوى المنخفض للتضخم إثر الأزمات المالية لا تزال قائمة. وبالتالي يراهنون على عودة نسب التضخم السابقة.
بالنسبة إلى الآخرين، فإن التشكيك في تأثيرات العولمة والعراقيل الكامنة قي سلاسل الإنتاج، بالإضافة إلى القوانين المرتبطة بالتحول البيئي، على العكس من ذلك، ستجعل التضخم يدوم.
حاليا، يمكن القول إن ذروة التضخم، وإن بدأت تلوح في الأفق، إلا أن شكل المنحدر بعد الوصول إلى القمة يبقى غير واضح بشكل كبير.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك