القراء الأعزاء،
ينطبق نص الآية (273) من سورة البقرة: (يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أغنياءَ مِنَ التعَفُّفِ) على الكثير من الناس، فلا يعلم سرّ أوضاعهم المادية سوى الله، وإن كان ظاهرهم يُنبئ بغير ذلك، حيث أنه ومن هذا الظاهر تُفتح على البعض أبواب طلبات المساعدات أو السلف من أشخاص يحسبونهم من الأغنياء وهم خلاف ذلك، والذين حتى وإن كانوا أغنياء فإنهم يخضعون لحكم الآية (219) من السورة (يسألونك ماذا يُنفقون، قُل العفو) أي ما فاض عن حاجتك ولا يُجهد مالك.
والسبب في إثارتي لهذا الموضوع يعود إلى حدثين مختلفين أحدهما ما دار في لقاء يوم أمس مع احدى شقيقاتي، حيث وصلتها أثناء جلوسنا معاً رسالة نصية وتفاجأت بها تقول: (هالناس كله عبالهم عندنا فلوس) واتضح بأن الرسالة كانت من إحدى معارفنا المشتركين تطلب منها مبلغاً مالياً لتسيير أوضاعها في الأيام القادمة، وتصلني كما تصل الكثير ممن يقرؤني الآن رسائل مثلها بشكل شبه يومي، ودار الحديث بيننا عن الوضع المعيشي، وتحدثت عن مدى كفاية معاشها التقاعدي لتغطية نفقاتها الشهرية، وكيف أنها بالكاد تستطيع النجاة بما يتبقى من معاشها حتى نهاية الشهر بل وأنها قد تخفق في كثير من الأحيان.
ولست ضد اللجوء وقت الحاجة إلى من تثق فيهم للوقوف بجانبك مادياً ومعاونتك إن استطاعوا (فالناس للناس) والأيام دول كما قال الأوّلون، ولكنّي لست مع إدمان طلب المساعدة مالياً أو الاقتراض (التسلف)، وتكرار ذلك بشكل فجّ، لاسيما وأن القاعدة هي أن المبلغ المُستلف لا يُردّ.
أما الحدث الثاني فقد كان قبلها وبالتحديد في بداية الأسبوع الماضي حيث لفت نظري خبر صحفي هام عنوانه: (ارتفاع غير مسبوق لمديونية الأفراد)، الذي جاء على لسان المصرف المركزي البحريني، وتصدر هذا العنوان الصفحة الأولى من جريدة أخبار الخليج، حيث أشار إلى أن مديونية الأفراد قد بلغت نسبة تساوي نصف اجمالي القروض، بواقع خمسة مليارات و766 مليون دينار.
وإن مثل هذا الخبر يجرّنا إلى تساؤلات كثيرة بعضها يتعلق بالأفراد والأخرى موجهة للبنوك وهي: ما هي أسباب ارتفاع مديونية الأفراد؟ وما الذي يدفع الأفراد للاقتراض بهذا الحجم الكبير؟ وهل هناك حاجة مُلحّة فعلية تستوجب الاقتراض؟
أعلم عزيزي القارئ بأنك قد أجبت بشكل تلقائي على الأسئلة بمجرد قراءتها وربما تهكمت على طرحها، وبأن الجواب هو ضعف المستوى المعيشي للمواطن وحاجته لاستكمال بعض اللوازم التي أصبحت هامة لتسيير يومه كقرض التأثيث أو الترميم أو شراء سيارة وغيرها من الاحتياجات الأساسية والهامة، ولكن هذا الجواب لا ينطبق على الكل، فالبعض يقترض لأسباب تتعلق بالرفاهية كالسفر وغيره، ودون حاجة حقيقية للاقتراض.
والأسئلة الموجهة بالبنوك وتدور حول آلية منح القروض، والتحقق من جدية احتياج المواطن للحصول على القرض؟، وهو ما لا يحدث، لأن أقصى اهتمام البنك هو ضمان قدرة المقترض على سداد الدين، الأمر الذي يوقع الكثيرين في شرك المديونية التي أصبحت إدماناً عند البعض فيُسدد القرض بقرض جديد ويبقى مقيداً بالمديونية حتى الموت، في حين أن البنوك باعتبارها اشخاصا اعتبارية فاعلة في اقتصاد البلاد، عليها أيضا التزام الإسهام في بناء هذا الوطن ومطلوب منها القيام بدورها كشريك في المجتمع للحفاظ على استقرار المستوى المعيشي للمواطن بالامتناع عن اثقال كاهله بالقروض البنكية، إلا بعد ثبوت الحاجة الحقيقية لها.
والخلاصة المراد الوصول إليها هي بأن الحل دائماً وأبداً يرتكز على الاشتغال على تحسين المستوى المعيشي للمواطن بحيث تتحقق له الكفاية من دخله الشهري وتحدّ من حاجته إلى الاقتراض من البنوك أو استجداء سلفة من أقاربه أو معارفه لإكمال متطلبات المتبقي من الشهر.
أما بالنسبة إلى الحلول الجانبية، فأولها هو وضع برامج توعوية مُكثّفة للمواطنين حول إيجابيات وسلبيات الاقتراض من البنوك والأوضاع التي تستوجب اللجوء عليها، بحيث يتم تعزيز ثقافة عدم الاقتراض إلا للضرورة لدى المواطن.
ومن ثم يوازي ذلك صدور تشريع بتنظيم عملية الاقتراض بحيث توضع اشتراطات تحمي المواطن من الوقوع في شرك الدين وفوائده، بحيث يُقنن عدد مرات الاقتراض وقيمة مبلغ القرض والاتجاه إلى جدولة الديون ودمجها في دين واحد تخفيفاً للعبء على المواطن.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك