نتيجة مهمة جدا تلك التي وصل إليها السيد رئيس تحرير «أخبار الخليج» في كلمته الافتتاحية بتاريخ 30 مايو 2023 العدد (16503) وهو يتحدث حول مناقشة السلطة التشريعية والتنفيذية الميزانية العامة للسنتين 2023-2024: «إن البيروقراطية الرسمية تفتقد المفكرين الذين يتحلون ببعد النظر والـذيـن يـرشـدون رؤسـاءهـم بـالـضـروريـات الـتـي نحتاج إليها فـي بناء مجتمع منتج، كما مرت مجتمعات أخرى بهذه التجارب ونجحت في ذلـك، ولنا في هونج كونج وسنغافورة مثال جلي، فهما دولتان وصلتا إلى آفاق متطورة اقتصاديا رغم أنهما لا تمتلكان أيا من المواد الخام» (انتهى الاقتباس)... في هذه الفقرة الصغيرة طرح الكاتب موضوعا في غاية الأهمية، إلا أنه مر على الجمهور المتلقي مرور الكرام، رغم أهميته الشديدة.
ولمناقشة هذه المحصلة التي وصل إليها السيد رئيس تحرير «أخبار الخليج» في مقاله القصير، تحت عنوان «ما بين الممكن والمأمول»، لا بد أن نبدأ بالسؤال المهم والخطير، «لماذا؟»، نعم، لماذا البيروقراطية الرسمية في بلادنا تفتقد المفكرين؟! أليس الفكر عمود كل بناء معرفي؟ والمعرفة أساس نجاح كل مشروع وخطة ورؤية؟! هل يمكن أن يعيش جسد دون عقل! وهل ممكن لدولة أن تتقدم بدون مفكرين!
إن المفكرين ركيزة النهضة؛ والعقل والمعرفة أساس التطور البشري، بل إن تخلف المجتمعات يعود أساسا إلى افتقارها إلى العقل المفَكِّر.
يا ترى كيف يمكن وضع الخطط والاستراتيجيات الطويلة والقصيرة الأجل بدون فكر ناضج معرفياً، وثقافياً، واجتماعياً... وكيف يمكن بدون فكر ناضج معرفياً، وثقافياً، واجتماعياً، وضع الدراسات والبحوث حول السياسات والخيارات الوطنية، والتمييز بينها وبين دراسات ومقترحات صندوق النقد والبنك الدوليين، بعد أن عرف العالم سوءاتهما!
أليس غريباً أنه بعد أن كانت البحرين منارة الثقافة والتعليم في المنطقة منذ بدايات القرن العشرين إذ بنا نصل في القرن الواحد والعشرين إلى حقيقة افتقار البحرين إلى المفكرين، وفي كافة القطاعات، العلمية والأدبية والاقتصادية والفلسفية والاجتماعية والقانونية والطبية والهندسية وغيرها من العلوم!
أليس غريباً أنه بعد مرور مائة عام على التعليم في البحرين لا تزال الدولة تستعين بالشركات الأجنبية لإصلاح مؤسسة التعليم وسوق العمل والاعلام، وغيرها، وبالرغم من ذلك لا يزال الفشل ملازماً لكل هذه المؤسسات والقطاعات؟
أليس غريباً أنه بعد أكثر من نصف قرن على الاستقلال لا يزال الأجنبي هو المستشار المفضل لأصحاب القرار؟ ولا تزال بيوت الخبرة الأجنبية هي صانعة البحوث والدراسات لشؤوننا الداخلية والخارجية!
أليس غريباً أنه بعد مرور أكثر من نصف قرن على تاريخ بناء أول مشروع اسكاني في البحرين لا يزال القطاعان العام والخاص يعتمدان على شركات الاستشارات الهندسية الأجنبية لبناء البنية التحتية، ومشاريعنا الإسكانية الكبرى!
أليس غريباً ألا يصدر عن السلطة التشريعية أو التنفيذية ملخص اقتصادي مرموق، ومقنع، يحمل اسم اقتصادي بحريني مرموق، حول الحالة الاقتصادية للبلاد عند مناقشة الميزانية العامة، قبل أن يفاجأ الشعب بإعلان الموافقة على رفع سقف الدين العام الذي يعد أخطر مؤشر على فشل خطة الموازنات العامة، ولا يعتبر التوافق بين السلطتين عليه «مبعثاً للبهجة والسرور بقدر ما هو مبعث للخجل والفشل»... هل حقاً تفتقر البحرين إلى المفكرين الاقتصاديين، الذين يُعتبرون أهم العقول في رسم سياسات الدول ورؤيتها للمستقبل!
نضع كل هذه الملاحظات في الوقت الذي نشاهد العديد من أبنائنا يتم استقطابهم للعمل في دول الخليج والعالم، يستثمرون كفاءاتهم أفضل استثمار في بيئات عمل إبداعية، ويتم تقديرهم بأجور عالية، ويحققون النجاحات الكبيرة... لهذا كانت ملاحظاتنا هنا عبارة عن علامات تعجب!!، أكثر منها علامات تساؤل؟
لنصل إلى السؤال الأهم والأكبر وهو: هل فعلاً تفتقر بلادنا إلى العقول المفكرة، أم أن هناك مرض عدم الثقة في العقل البحريني؟
إن كان الجواب «نعم» فتلك مصيبة، وإن كان الجواب «لا» فالمصيبة أعظمُ... وأيا كان الجواب سيكون للحديث بقية.
تحياتي
مي زيادة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك