العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الصحافة وقنوات السخافة

كلما‭ ‬التقيت‭ ‬بشباب‭ ‬واعد‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬المطبوعة،‭ ‬واكتسب‭ ‬خبرة‭ ‬معقولة‭ ‬أنصحه‭ ‬بتنويع‭ ‬خبرته‭ ‬بالانتقال‭ ‬إلى‭ ‬التلفزيون،‭ ‬ولست‭ ‬ممن‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬المطبوعة‭ ‬ستختفي‭ ‬كليا‭ ‬بازدهار‭ ‬الصحافة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬فهناك‭ ‬الملايين‭ ‬وأنا‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يستمتعون‭ ‬بقراءة‭ ‬الصحف‭ ‬إلا‭ ‬بالإمساك‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أيديهم،‭ ‬ولكن‭ ‬الانتشار‭ ‬السريع‭ ‬للتلفزيون‭ ‬والإنترنت‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬كأداة‭ ‬لبث‭ ‬الأخبار‭ ‬ونشر‭ ‬المعرفة‭ ‬سيعجل‭ ‬باختفاء‭ ‬الصحف‭ ‬العرجاء،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬إلا‭ ‬الصحف‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬الاستشرافية،‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحدثنا‭ ‬عما‭ ‬وقع‭ ‬بالأمس،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬دلالات‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬ذيوله‮»‬‭ ‬ونتائجه‭ ‬وعواقبه‭ ‬ويسمي‭ ‬البعض‭ ‬هذه‭ ‬الصحف‭ ‬‮«‬صحافة‭ ‬الرأي‮»‬،‭ ‬ففي‭ ‬عصرنا‭ ‬الراهن‭ ‬قليلون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يقرأون‭ ‬الصحف‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الأخبار‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬التلفزيونات‭ ‬تبث‭ ‬تلك‭ ‬الأخبار‭ ‬قبل‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬عرضها‭ ‬عبر‭ ‬الصحف‭ ‬المطبوعة‭ ‬‮«‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭. ‬ومنصة‭ ‬يوتيوب‭ ‬توصل‭ ‬الخبر‭ ‬أسرع‭ ‬مما‭ ‬يفعل‭ ‬التلفزيون،‭ ‬وبعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬الصحف‭ ‬تنشر‭ ‬أخباراً‭ ‬‮«‬مستعملة‮»‬،‭ ‬سكند‭ ‬هاند،‭ ‬بائتة‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬محطات‭ ‬التلفزة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تطالبك‭ ‬بفتح‭ ‬جهاز‭ ‬التلفزيون‭ ‬لمعرفة‭ ‬أهم‭ ‬الأخبار،‭ ‬فترسلها‭ ‬إليك‭ ‬أولا‭ ‬بأول‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبثها‭ ‬هي‭ (‬شخصيا‭ ‬أتلقى‭ ‬الأخبار‭ ‬الطازجة‭ ‬الطالعة‭ ‬من‭ ‬الفرن‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬مصادر‭ ‬ذات‭ ‬موثوقية‭ ‬عالية‭ ‬نسبيا‭ ‬كل‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭ ‬ستظل‭ ‬تشهد‭ ‬نمواً‭ ‬هائلاً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البث‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬دعك‭ ‬من‭ ‬المستقبل‭ ‬وارفع‭ ‬نظرك‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الآن‭: ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬تلك‭ ‬السحب‭ ‬الداكنة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬موسم‭ ‬الأمطار‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬بعيداً؟‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬ليست‭ ‬سحبا،‭ ‬بل‭ ‬غبارا‭ ‬وأدخنة‭ ‬تغطي‭ ‬فضاءاتنا‭ ‬بسبب‭ ‬المواد‭ ‬المقرفة‭ ‬التي‭ ‬تبثها‭ ‬نحو‭ ‬300‭ ‬قناة‭ ‬فضائية‭ ‬عربية‭. ‬وهناك‭ ‬نحو‭ ‬70‭ ‬قناة‭ ‬تلفزيونية‭ ‬عربية‭ ‬‮«‬يستعر‮»‬‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬منها‭ ‬وتتنافس‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬بعضاً‭ ‬على‭ ‬استدراج‭ ‬المشاهدين‭ ‬بمخاطبة‭ ‬غرائزهم‭. ‬وهناك‭ ‬القنوات‭ ‬التي‭ ‬تتخصص‭ ‬في‭ ‬مدح‭ ‬وتجميد‭ ‬الحكام‭ ‬العباقرة‭ ‬أصحاب‭ ‬النظريات‭ ‬التي‭ ‬ستنقذ‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬والتسونامي‭ ‬وكاترينا‭ (‬هل‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأمريكان‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭ ‬متساوون‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬ولكنهم‭ ‬وكلما‭ ‬فاجأهم‭ ‬إعصار‭ ‬مدمر‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬اسما‭ ‬نسائيا؟‭). ‬طبعاً‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الشغلة‭ ‬مربحة‭ ‬لما‭ ‬اتسع‭ ‬الفضاء‭ ‬لكل‭ ‬تلك‭ ‬القنوات‭.‬

وبقلب‭ ‬جامد‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬لو‭ ‬خصص‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬فقط‭ ‬لقناة‭ ‬تلفزيونية‭ ‬وجعلني‭ ‬مديرها‭ ‬العام‭ ‬ومدير‭ ‬الشؤون‭ ‬المالية‭ ‬وكبير‭ ‬المذيعين‭ ‬فيها‭ ‬فإنني،‭ ‬ورغم‭ ‬ملامحي‭ ‬التي‭ ‬تقطع‭ ‬الخميرة،‭ ‬أضمن‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬استرداد‭ ‬رأس‭ ‬ماله‭ ‬خلال‭ ‬سنتين‭ ‬وجنى‭ ‬الأرباح‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬التالية‭ ‬بالطن،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬استعين‭ ‬بأي‭ ‬فتاة‭ ‬قليلة‭ ‬الملابس‭ ‬والحياء،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬القناة‭ ‬ستكون‭ ‬نظيفة‭ ‬وراقية‭ ‬ولا‭ ‬تنقض‭ ‬الوضوء،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬ثقيلة‭ ‬الظل،‭ ‬بل‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬لدي‭ ‬من‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬التلفزيوني‭ ‬ما‭ ‬يجعلني‭ ‬أحترم‭ ‬جمهور‭ ‬المشاهدين،‭ ‬وأعد‭ ‬برامج‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنة‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬أغنية‭ ‬واحدة‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬تشد‭ ‬الناس،‭ ‬وأقول‭ ‬هذا‭ ‬وقد‭ ‬ودعنا‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم‭ ‬قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬الفضائيات‭ ‬العربية‭ ‬قرفت‭ ‬عيشة‭ ‬الملايين،‭ ‬بأنها‭ ‬درجت‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬رمضان‭ ‬شهر‭ ‬طقطقة‭ ‬وتهريج‭ ‬وسلق‭ ‬بيض‭ ‬منتهي‭ ‬الصلاحية‭ (‬شخصيا‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬التلفزيون‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬مبطلات‭ ‬الصوم‭ ‬ولا‭ ‬أتابع‭ ‬الأخبار‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬هاتفي‭ ‬العبقري‭)!!‬

باختصار‭ ‬فإن‭ ‬صناعة‭ ‬الترفيه‭ ‬هي‭ ‬القطاع‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬نمواً‭ ‬متواصلاً‭ ‬ومطرداً،‭ ‬وفتشوا‭ ‬جيوبكم‭ ‬جيداً،‭ ‬ففي‭ ‬غضون‭ ‬أشهر‭ ‬ستطرح‭ ‬في‭ ‬أسواقنا‭ ‬نسخة‭ ‬متطورة‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬بلاي‭ ‬ستيشن‭ ‬المحمولة psp صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬وخفيفة‭ ‬الوزن،‭ ‬تحملها‭ ‬في‭ ‬جيبك‭ ‬لتمارس‭ ‬ألعاب‭ ‬الفيديو‭ ‬وسماع‭ ‬الموسيقى‭ ‬ومشاهدة‭ ‬الأفلام‭ ‬وتخزين‭ ‬الصور‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬الانترنت‭ ‬لاسلكيا،‭ ‬ومشاهدة‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية‭. ‬ولو‭ ‬تزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭: ‬يكون‭ ‬المدرس‭ ‬يشرح‭ ‬الدرس‭ ‬والطالب‭ ‬مشغول‭ ‬بجهاز‭ ‬بي‭ ‬اس‭ ‬بي‭ ‬الذي‭ ‬يضعه‭ ‬على‭ ‬حجره‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬السنة‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬بي‭ ‬اس‭ ‬بي‭ ‬وهي‭ ‬اختصار‭ ‬لـ‭ (‬بره‭. ‬ساقط‭. ‬بجدارة‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا