لوحظ خلال الآونة الأخيرة انتشار ما يعرف بجرائم الاحتيال الإلكتروني أو الاحتيال الإلكتروني المالي، التي في حقيقتها تُعد ظاهرةً دوليةً غزت معظم دول العالم وإن تعددت أساليبها وتطورت أدواتها، وبذل فيها الجناة مساعي جمة لتوظيف نتاج تفكيرهم في استحداث وسائلٍ مبتكرة حديثة بإمكانها أن تنطلي على الأشخاص غير الحذرين في تعاملاتهم اليومية، ولعل أبرز تلك الأساليب ما انتشر مؤخراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي -في دولةٍ شقيقة- من قيام الجناة بإنشاء صفحة إلكترونية وهمية، ونسبها إلى إحدى الجهات الرسمية بالدولة، ودعوة الأفراد لتقديم أي شكاوى من خلال تلك الصفحة والتي تأخذ بالفرد إلى رقم اتصال أرضي ومحادثة مدونة بإتقان، وتحمل شعارات الجهة الرسمية، ومواعيد عملها، وعناوينها على نحو يحمُل الفرد على الثقة بتلك المحادثة ومُجريها، فيسارع إلى تسليم المتحدث المنتحل صفة موظف الجهة بياناته الشخصية والبنكية، ومن ثم يُفاجأ بوقوعهِ ضحيةً للاحتيال الإلكتروني وسحب كافة المبالغ من حسابه البنكي.
إن جرائم الاحتيال الإلكتروني ما هي إلا أفعال مؤثمة بموجب القانون رقم 60 لسنة 2014 الخاص بتقنية المعلومات في المادة الثامنة منه التي عاقبت مرتكبيها بالحبس متى قارفوا أفعالاً أدت إلى الاستيلاء على أموال مملوكة للغير وذلك دون مسوغ قانوني، أو الحصول على مزية لنفسهم أو لغيرهم، أو التوقيع على سند أو إلغائه أو إتلافه أو تعديله، بالاستعانة بأسماء كاذبة أو صفات غير صحيحة أو أي طرق احتيالية أخرى، وذلك بالتلاعب في بيانات وسيلة تقنية المعلومات أو التدخل في عمل أنظمة تقنية المعلومات.
والجرائم أعلاه نظراً إلى ازدياد معدلات ارتكابها مقارنةً بالسنوات الماضية، فإن مختلف الجهات سواء في القطاع العام والخاص في المملكة بذلت من الجهود العملية والتوعوية للحد من معدلاتها عاكسةً مدى اهتمامها بهذه الظاهرة وسعيها الجدي إلى بترها من جذورها في المجتمع، إلى جانب ما بذلته النيابة العامة -ومازالت- من جهود إيماناً منها بأن دورها لا يقتصر عند حد أعمال التحقيق وإنما لها دور مجتمعي يتمثل في حماية المجتمع وتوعيته من الجريمة، وسُبل ارتكابها.
وتمثلت تلك الجهود بدءًا من إنشاء نيابة الجرائم الإلكترونية باعتبارها نيابة متخصصة بالتحقيق في الجرائم التي ترتكب باستعمال وسائل إلكترونية وذلك في نوفمبر الماضي، مروراً بحملة التوعية التي أطلقتها عبر حساباتها الرسمية في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، فضلاً عن بدء تنظيمها طاولة مستديرة بعنوان «الاحتيال الإلكتروني.. التحديات والمواجهة» برعاية النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين بالتعاون مع مصرف البحرين المركزي، ومعهد الدراسات القضائية والقانونية، ومعهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية، وبمشاركة واسعة من متخذي القرار بمختلف الجهات والمؤسسات العامة والخاصة بالدولة، وذلك خلال يومي 28 و29 مايو الجاري، حيث ما يميز تلك الطاولة المستديرة مشاركة القطاع البنكي والمصرفي ومؤسسات المجتمع المدني في النقاش إيماناً بمدى فعالية دورهم المجتمعي والعملي، إذ تهدف النيابة العامة من خلال هذا اللقاء إلى التباحث بشأن مدى فاعلية الآليات والإجراءات المتبعة حالياً، وبحث التوصيات المقترحة بشأن الحد من معدلات ارتكاب جرائم الاحتيال الإلكتروني، والبدء في تفعيل التوصيات المتفق عليها والمناسبة منها على أرض الواقع.
ختاماً، وبالرغم من كافة الجهود التي تبذل بالتعاون مع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالمملكة، سواء من ناحية التعامل مع هذه الجرائم وتشديد العقوبة ضد مرتكبيها، فإننا نُعول على وعي الجمهور وفطنته في التعامل مع ما يتلقاه من اتصالات هاتفية ورسائل نصية من مرتكبي هذه الجرائم، فمتى أصبح الجمهور حذراً في تعاملاته، حريصاً على المحافظة على أمن وسرية بياناته الشخصية والبنكية، وعدم تداولها مع الغير دون مبرر، أصبحنا قادرين على صد كافة ما يستحدثه الجناة من أساليب احتيالية مهما بلغت من الحداثة والجِدة.
{ رئيس نيابة الجرائم الإلكترونية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك