العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

جهود مشتركة للتصدي لجرائم الاحتيال الإلكتروني

بقلم: نورة المعلا

الأحد ٢٨ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

لوحظ‭ ‬خلال‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬انتشار‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بجرائم‭ ‬الاحتيال‭ ‬الإلكتروني‭ ‬أو‭ ‬الاحتيال‭ ‬الإلكتروني‭ ‬المالي،‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬تُعد‭ ‬ظاهرةً‭ ‬دوليةً‭ ‬غزت‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وإن‭ ‬تعددت‭ ‬أساليبها‭ ‬وتطورت‭ ‬أدواتها،‭ ‬وبذل‭ ‬فيها‭ ‬الجناة‭ ‬مساعي‭ ‬جمة‭ ‬لتوظيف‭ ‬نتاج‭ ‬تفكيرهم‭ ‬في‭ ‬استحداث‭ ‬وسائلٍ‭ ‬مبتكرة‭ ‬حديثة‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬غير‭ ‬الحذرين‭ ‬في‭ ‬تعاملاتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬ولعل‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬الأساليب‭ ‬ما‭ ‬انتشر‭ ‬مؤخراً‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ -‬في‭ ‬دولةٍ‭ ‬شقيقة‭- ‬من‭ ‬قيام‭ ‬الجناة‭ ‬بإنشاء‭ ‬صفحة‭ ‬إلكترونية‭ ‬وهمية،‭ ‬ونسبها‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬بالدولة،‭ ‬ودعوة‭ ‬الأفراد‭ ‬لتقديم‭ ‬أي‭ ‬شكاوى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الصفحة‭ ‬والتي‭ ‬تأخذ‭ ‬بالفرد‭ ‬إلى‭ ‬رقم‭ ‬اتصال‭ ‬أرضي‭ ‬ومحادثة‭ ‬مدونة‭ ‬بإتقان،‭ ‬وتحمل‭ ‬شعارات‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية،‭ ‬ومواعيد‭ ‬عملها،‭ ‬وعناوينها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يحمُل‭ ‬الفرد‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬بتلك‭ ‬المحادثة‭ ‬ومُجريها،‭ ‬فيسارع‭ ‬إلى‭ ‬تسليم‭ ‬المتحدث‭ ‬المنتحل‭ ‬صفة‭ ‬موظف‭ ‬الجهة‭ ‬بياناته‭ ‬الشخصية‭ ‬والبنكية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يُفاجأ‭ ‬بوقوعهِ‭ ‬ضحيةً‭ ‬للاحتيال‭ ‬الإلكتروني‭ ‬وسحب‭ ‬كافة‭ ‬المبالغ‭ ‬من‭ ‬حسابه‭ ‬البنكي‭. ‬

إن‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتيال‭ ‬الإلكتروني‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬أفعال‭ ‬مؤثمة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬60‭ ‬لسنة‭ ‬2014‭ ‬الخاص‭ ‬بتقنية‭ ‬المعلومات‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الثامنة‭ ‬منه‭ ‬التي‭ ‬عاقبت‭ ‬مرتكبيها‭ ‬بالحبس‭ ‬متى‭ ‬قارفوا‭ ‬أفعالاً‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬مملوكة‭ ‬للغير‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬مسوغ‭ ‬قانوني،‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مزية‭ ‬لنفسهم‭ ‬أو‭ ‬لغيرهم،‭ ‬أو‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬سند‭ ‬أو‭ ‬إلغائه‭ ‬أو‭ ‬إتلافه‭ ‬أو‭ ‬تعديله،‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بأسماء‭ ‬كاذبة‭ ‬أو‭ ‬صفات‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬طرق‭ ‬احتيالية‭ ‬أخرى،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتلاعب‭ ‬في‭ ‬بيانات‭ ‬وسيلة‭ ‬تقنية‭ ‬المعلومات‭ ‬أو‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬أنظمة‭ ‬تقنية‭ ‬المعلومات‭.‬

والجرائم‭ ‬أعلاه‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬ازدياد‭ ‬معدلات‭ ‬ارتكابها‭ ‬مقارنةً‭ ‬بالسنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬فإن‭ ‬مختلف‭ ‬الجهات‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬بذلت‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬العملية‭ ‬والتوعوية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬معدلاتها‭ ‬عاكسةً‭ ‬مدى‭ ‬اهتمامها‭ ‬بهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وسعيها‭ ‬الجدي‭ ‬إلى‭ ‬بترها‭ ‬من‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬بذلته‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ -‬ومازالت‭- ‬من‭ ‬جهود‭ ‬إيماناً‭ ‬منها‭ ‬بأن‭ ‬دورها‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬أعمال‭ ‬التحقيق‭ ‬وإنما‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬مجتمعي‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬المجتمع‭ ‬وتوعيته‭ ‬من‭ ‬الجريمة،‭ ‬وسُبل‭ ‬ارتكابها‭. ‬

وتمثلت‭ ‬تلك‭ ‬الجهود‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬نيابة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬باعتبارها‭ ‬نيابة‭ ‬متخصصة‭ ‬بالتحقيق‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬باستعمال‭ ‬وسائل‭ ‬إلكترونية‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬مروراً‭ ‬بحملة‭ ‬التوعية‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬عبر‭ ‬حساباتها‭ ‬الرسمية‭ ‬في‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المختلفة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬بدء‭ ‬تنظيمها‭ ‬طاولة‭ ‬مستديرة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الاحتيال‭ ‬الإلكتروني‭.. ‬التحديات‭ ‬والمواجهة‮»‬‭ ‬برعاية‭ ‬النائب‭ ‬العام‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬فضل‭ ‬البوعينين‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي،‭ ‬ومعهد‭ ‬الدراسات‭ ‬القضائية‭ ‬والقانونية،‭ ‬ومعهد‭ ‬البحرين‭ ‬للدراسات‭ ‬المصرفية‭ ‬والمالية،‭ ‬وبمشاركة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬متخذي‭ ‬القرار‭ ‬بمختلف‭ ‬الجهات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬بالدولة،‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬يومي‭ ‬28‭ ‬و29‭ ‬مايو‭ ‬الجاري،‭ ‬حيث‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬تلك‭ ‬الطاولة‭ ‬المستديرة‭ ‬مشاركة‭ ‬القطاع‭ ‬البنكي‭ ‬والمصرفي‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬النقاش‭ ‬إيماناً‭ ‬بمدى‭ ‬فعالية‭ ‬دورهم‭ ‬المجتمعي‭ ‬والعملي،‭ ‬إذ‭ ‬تهدف‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬إلى‭ ‬التباحث‭ ‬بشأن‭ ‬مدى‭ ‬فاعلية‭ ‬الآليات‭ ‬والإجراءات‭ ‬المتبعة‭ ‬حالياً،‭ ‬وبحث‭ ‬التوصيات‭ ‬المقترحة‭ ‬بشأن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتيال‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬التوصيات‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬والمناسبة‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬

ختاماً،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذل‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬والقضائية‭ ‬بالمملكة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬وتشديد‭ ‬العقوبة‭ ‬ضد‭ ‬مرتكبيها،‭ ‬فإننا‭ ‬نُعول‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬الجمهور‭ ‬وفطنته‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتلقاه‭ ‬من‭ ‬اتصالات‭ ‬هاتفية‭ ‬ورسائل‭ ‬نصية‭ ‬من‭ ‬مرتكبي‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم،‭ ‬فمتى‭ ‬أصبح‭ ‬الجمهور‭ ‬حذراً‭ ‬في‭ ‬تعاملاته،‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬وسرية‭ ‬بياناته‭ ‬الشخصية‭ ‬والبنكية،‭ ‬وعدم‭ ‬تداولها‭ ‬مع‭ ‬الغير‭ ‬دون‭ ‬مبرر،‭ ‬أصبحنا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬صد‭ ‬كافة‭ ‬ما‭ ‬يستحدثه‭ ‬الجناة‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬احتيالية‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬من‭ ‬الحداثة‭ ‬والجِدة‭.‬

{‭ ‬رئيس‭ ‬نيابة‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا