خاطرة
عبدالرحمن فلاح
المعالم.. العدل!
الحق سبحانه وتعالى عندما وضع الموازين، وضعها بالقسط في الأرض، وجعلها هي الحَكَمَ بين الناس في تعاملاتهم، قال تعالى: ( والسماء رفعها ووضع الميزان (7) ألا تطغوا في الميزان(8) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان(9)) سورة الرحمن.
إذًا، فالحق سبحانه وتعالى تكفل بحفظ السموات والأرض، وحضَّ الناس على أن يعدلوا فيما بينهم، في أخذهم وعطائهم، وألا يكونوا أقل من المخلوقات الأخرى التي ارتضت الموازين بالقسط لتحكم حركتها، وتسدد سعيها، فلا يعتدي هذا على ذاك، ولا يجور ذاك على هذا، قال تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم(38) والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم(39) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون(40)) سورة يس.
هذا التوازن المحكم، وهذه الحركة المحسوبة بدقة متناهية تنبئ عن كون منظم غاية التنظيم، ووجود متعانق متعاون، وصدق الله العظيم حين قال: (ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) النمل / 88.
إذ ا، فهذا الإتقان، وهذا الإحكام يقتضي أن يتأسى به الإنسان في حركاته، وفِي سكناته، وفيما يأخذ أو يدع من شؤون حياته، وألا تسبقه المخلوقات غير العاقلة إلى الطاعة، والامتثال لأمر الله تعالى، قال سبحانه: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين) فصلت / 11.
وعلمت هذه المخلوقات غير العاقلة بفطرتها السليمة أن الحياة الدنيا زائلة لا دوام فيها، وأن الدوام والخلود للدار الآخرة التي وعد الله تعالى عباده فيها بالثواب الجزيل الطائعين له، المسبحين له في الليل والنهار، كما توعد الخاطئين بالعذاب الأليم، وهو سبحانه لا يحاسب ولا يعذب حتى يقيم الحجة على الناس، قال تعالى: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) الإسراء / 15، بل إنه سبحانه قد حرم الظلم على نفسه وجعله محرمًا بين الناس، قال تعالى في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم: -يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا…- ورُوِي عن الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله تعالى قوله: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث.
إذًا، فالعدل من المعالم البارزة التي تهدي السالكين والباحثين عن الصراط المستقيم، فمن أدركه وسار على هديه نجا هو ومن اتبعه، ومن تاه في الطريق ولَم يلوح له العدل، فقد ضل وأضل، وكما يكون العدل في الأفعال مطلوبًا، فهو كذلك في الأقوال مطلوب أيضًا، ويكون نبراسًا مضيئًا يسير على هديه السالكون، الباحثون عن الحق، قال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) الأنعام / 152.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك