العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن هشاشة الدول (1)

صار‭ ‬مصطلح‭ ‬الدولة‭ ‬الفاشلة‭ ‬متداولاً‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬مقومات‭ ‬وعناصر‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬وقوانين‭ ‬وأعراف‭ ‬واستقرار،‭ ‬وليس‭ ‬لمواطنيها‭ ‬حقوق‭ ‬صريحة،‭ ‬لعدم‭ ‬اهتمام‭ ‬الحكومة‭ ‬بأمور‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والمعيشة،‭ ‬لأنها‭ ‬مهتمة‭ ‬فقط‭ ‬بأمن‭ ‬أعضائها،‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬واجبات‭ ‬محددة‭ ‬سوى‭ ‬ممارسة‭ ‬السلب‭ ‬والنهب‭ ‬والسحل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬إحساس‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬الدول‭ ‬الفاشلة‭ ‬بالولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬ضعيف،‭ ‬بل‭ ‬يعتبر‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ (‬الوطن‭) ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬البلاء‭ ‬يجب‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬بالهجرة‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬ناجحة،‭ (‬في‭ ‬تقييم‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ -‬2015‭- ‬صارت‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬توصف‭ ‬بالـ«هشة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬فاشلة‭ ‬لأنها‭ ‬توحي‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬مرشح‭ ‬للتفتت‭ (‬اليمن‭ ‬والسودان‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬والصومال‭ ‬والعراق‭ ‬‮«‬نموذجا‮»‬‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬التقييم‭/‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬مطالع‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭).‬

ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬المرء‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬لإثبات‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تتمتع‭ -‬عن‭ ‬جدارة‭- ‬بعضوية‭ ‬نادي‭ ‬الدول‭ ‬الهشة،‭ ‬ولأن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عيوب‭ ‬ونواقص‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬يعتبر‭ (‬خيانة‭ ‬وعمالة‭)‬،‭ ‬لأن‭ ‬بني‭ ‬العرب‭ ‬أدمنوا‭ ‬خداع‭ ‬النفس‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬وردي‭ ‬افتراضي،‭ ‬سأقدم‭ ‬لك‭ ‬أمثلة‭ ‬لدول‭ ‬غير‭ ‬عربية‭ ‬لها‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفشل‭ ‬وكثرة‭ ‬الجدل‭ ‬وقلة‭ ‬العمل،‭ ‬ولأن‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬لا‭ ‬تخوض‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬المواضيع‭ ‬السياسية‭ ‬لأن‭ ‬كاتبها‭ ‬جبان‭ ‬بحكم‭ ‬أنه‭ ‬صاحب‭ ‬عيال،‭ ‬ولأنها‭ -‬أي‭ ‬الزاوية‭- ‬لا‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الخطابة‭ ‬المباشرة‭ ‬والحذلقة‭ ‬السياسية‭ ‬فإنني‭ ‬سأورد‭ ‬فقط‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭: ‬نبدأ‭ ‬بحال‭ ‬أفغانستان‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬واحة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬حكم‭ ‬طالبان‭ ‬ووقوعها‭ ‬تحت‭ ‬الامريكان‭ ‬الذين‭ ‬أباحوا‭ ‬لعب‭ ‬الكنكان‭ ‬وتقصير‭ ‬الفستان‭ ‬وعمروا‭ ‬حديقة‭ ‬الحيوان‭. ‬بقيادة‭ ‬الطرطور‭ ‬حامد‭ ‬كرزاي،‭ ‬وكانت‭ ‬ألمانيا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬قد‭ ‬تبرعتا‭ ‬بمبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬لتطوير‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬بل‭ ‬تم‭ ‬تشكيل‭ ‬فريق‭ ‬كرة‭ ‬نسائي،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬اصطحب‭ ‬مدرب‭ ‬منتخب‭ ‬أفغانستان‭ ‬الوطني‭ ‬الفريق‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬أوروبية‭ ‬كي‭ ‬يكتسب‭ ‬اللاعبون‭ ‬مهارات‭ ‬من‭ ‬الاحتكاك‭ ‬باللاعبين‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬احتكت‭ ‬أقدام‭ ‬اللاعبين‭ ‬بأرض‭ ‬إيطاليا‭ ‬حتى‭ ‬صاروا‭ (‬فص‭ ‬ملح‭ ‬وداب‭). ‬يعني‭ ‬اختفوا‭ ‬نهائياً‭ ‬عن‭ ‬الانظار‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬‮«‬الدبان‭ ‬الأزرق‭ ‬والجن‭ ‬الأحمر‮»‬‭ ‬يعرف‭ ‬طريقه‭ ‬إليهم‭. ‬لماذا‭ ‬هرب‭ ‬فريق‭ ‬بكامله‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬واحة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬فتاة‭ ‬أفغانية‭ ‬اشتركت‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬ملكة‭ ‬جمال‭ ‬العالم؟‭!! ‬كلك‭ ‬نظر‭ ‬ومفهومية‭! ‬واليوم‭ ‬عادت‭ ‬طالبان‭ ‬الى‭ ‬الحكم‭ ‬وقرروا‭ ‬أن‭ ‬تعليم‭ ‬المرأة‭ ‬حرام‭.‬

وبعد‭ ‬اختفاء‭ ‬المنتخب‭ ‬الوطني‭ ‬الأفغاني‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬بفترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬برادفورد‭ ‬في‭ ‬انجلترا‭ ‬فريق‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬من‭ ‬زيمبابوي،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬المحدد‭ ‬لمباراة‭ ‬استعراضية‭/ ‬ودية،‭ ‬نزل‭ ‬الحكم‭ ‬أرض‭ ‬الملعب‭ ‬ودخل‭ ‬الفريق‭ ‬الانجليزي‭ ‬وراءه‭ ‬وهو‭ ‬شديد‭ ‬التوتر‭ ‬لأن‭ ‬الفريق‭ ‬الزيمبابوي‭ ‬يضم‭ ‬لاعبين‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬المهارة،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يدخل‭ ‬الملعب‭ ‬سوى‭ ‬3‭ ‬لاعبين‭ ‬من‭ ‬زيمبابوي،‭ ‬فصاح‭ ‬فيهم‭ ‬مدربهم‭: ‬وين‭ ‬باقي‭ ‬نفرات‭ ‬مال‭ ‬تيم؟‭ ‬أبلغه‭ ‬اللاعبون‭ ‬الثلاثة‭ ‬بأنهم‭ ‬لم‭ ‬يروا‭ ‬زملاءهم‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬دخلوا‭ ‬الفندق‭ ‬وبحثوا‭ ‬عنهم‭ ‬واكتشفوا‭ ‬أنهم‭ ‬تركوا‭ ‬غرفهم‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭ ‬من‭ ‬دخولهم‭ ‬إليها،‭ ‬حاملين‭ ‬معهم‭ ‬حقائبهم‭. ‬وأذكر‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬عندما‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬مانشستر‭ ‬بإنجلترا‭ ‬دورة‭ ‬ألعاب‭ ‬الكومنولث،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬58‭ ‬لاعباً‭ ‬من‭ ‬نيجيريا‭ ‬وغانا‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭ ‬سوى‭ ‬خمسة‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬اختفى‭ ‬منتخب‭ ‬الكرة‭ ‬الاثيوبي‭ ‬بأكمله‭ ‬خلال‭ ‬توقف‭ ‬طائرتهم‭ ‬في‭ ‬روما‭!! ‬دعونا‭ ‬نقم‭ ‬بـ‭(‬تخريمة‭) ‬سريعة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬عربية،‭ ‬فعندما‭ ‬هزم‭ ‬النادي‭ ‬الأهلي‭ ‬المصري‭ ‬نده‭ ‬التقليدي‭ ‬الزمالك‭ ‬ذات‭ ‬عام‭ ‬طلّق‭ ‬رجل‭ ‬زوجته‭ ‬لأنها‭ ‬أهلاوية‭ ‬وهو‭ ‬زملكاوي‭. ‬وقبلها‭ ‬طلق‭ ‬رجل‭ ‬زوجته‭ ‬لأنها‭ ‬تأخرت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الشاي‭ ‬له‭ ‬لانشغالها‭ ‬بمتابعة‭ ‬حفل‭ ‬غنائي‭ ‬متلفز‭ ‬لكاظم‭ ‬الساهر‭. ‬وعندنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬تبرع‭ ‬رجلان‭ ‬ثريان‭ ‬بمليارات‭ ‬الجنيهات‭ ‬لناديي‭ ‬الهلال‭ ‬والمريخ‭ ‬لإقامة‭ ‬ملاعب‭ ‬ومكاتب‭ ‬ومساطب،‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬بأن‭ ‬أيا‭ ‬منهما‭ ‬بنى‭ ‬عيادة‭ ‬أو‭ ‬مدرسة‭ ‬أو‭ ‬مسجدا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا