زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الضحك للعافية
أحب البشاشة والابتسام والضحك ولهذا أعود إلى موضوع التعافي بالضحك كثيرا، وأسرد عليكم اليوم حكاية نورمان كاينز الذي أصيب بمرض قاتل، (الثقافة الاجتماعية العربية تقضي بعدم ذكر كلمة «سرطان»، بل إن هناك من يتكتمون على إصابة أحد الأقارب بالسرطان ويقولون لكل من يسأل عنه أنه مصاب بمرض هضمي أو تنفسي، بل وقد يزعمون أن الأطباء «الحمير» فشلوا في تشخيص الحالة على نحو دقيق، أما المصريون فلا يحبون «سيرة» المرض مطلقا، فالمريض عندهم «بعافية شوية»، ولا تأتي على ألسنتهم كلمة حمى فيستعيضون عنها بـ«سخونية»، ويذهبون إلى أبعد من ذلك في أمور الوفاة، فلا يقولون فلان توفي بل «ربنا افتكره»، وكما انتبه قبلي كثيرون فإن هذه العبارة تعني - من حيث لا يقصدون طبعا - أن الله لا «يفتكر» عباده من المصريين إلا عندما يسترد وديعته بواسطة عزرائيل، وكل هذا أخف وطأة من قول بعض العرب عند إبلاغك عن وفاة شخص ما: أعطاك عمره. هل تحسبون أن المرحوم أعطاني توكيلا بالعيش بدلا منه لبضع سنوات وبالتالي تعتقدون أنني عايش أوانطه على حساب من انتقل الى رحمة مولاه؟).
المهم أن الأطباء أبلغوا كاينز بأن حالته ميؤوس منها وأنه ليس هناك ما يمكن أن يفعلوه لتخفيف وطأة المرض سوى بعض المسكنات، لأنه سيعيش شهوراً معدودات، فما كان من نورمان هذ إلا أن اشترى مئات أشرطة الفيديو الكوميدية، وجلس في بيته نحو ستة أشهر وهو يضحك ويضحك. ثم أنتبه ذات يوم إلى أنه لم يعد يحس بأي ألم وبأن وزنه وشهيته في ازدياد، فعاد إلى طبيبه الذي فحصه من الرأس إلى القدم وصاح: من الطبيب الذي عالج مرضك القاتل؟
المهم: اتضح أن كاينز شفي تماماً ونشر كتابا بعنوان «تشريح المَرَض Anatomy of Illness » واهتم الأطباء في استراليا بتجربة نورمان وأجروا دراسات مكثفة ومطولة عن دور الضحك في تحسين صحة الإنسان، وكانت نتيجة تلك الدراسات أن تقرر إنشاء غرف للضحك في بعض مستشفيات استراليا والولايات المتحدة، لمن يعانون أمراضاً مزمنة أو مجهولة المنشأ، حيث يتم عرض أفلام وبرامج تلفزيونية فكاهية والاستعانة بممثلين لتقديم عروض أمام المرضى وكانت النتيجة أن نحو 40 بالمائة من نزلاء تلك الغرف استغنوا عن المسكنات والمهدئات، وأن نحو 25 بالمائة منهم غادروا المستشفى أصحاء. فعندما تضحك من القلب يطلق المخ الاندورفين وهي مادة طبيعية تماثل تركيبها المورفين الذي هو من أقوى المسكنات التي يلجأ إليها الأطباء، وثبت أن الضحك يعزز جهاز المناعة وينظم نبضات القلب وينشط عملية التنفس، ولهذا فإن الشخص الباسم الضحوك قليل المرض، وحتى لو مرض فإنه قليل الشكوى.
وبالمقابل فإن من لا يستطيعون تقبل تصاريف القدر بالصبر والابتسام يطلبون الخلاص في المخدرات والخمر، والمعروف أن الخمر تجعل الشارب يتخفف من المحظورات ومن ثم يصبح ميالا إلى الضحك بسبب وبغير سبب، وباختلاط الإندورفين مع الكحول في الجسم يصحو الشارب في اليوم التالي ووجهه يلعن قفاه! ولكن وفي كثير من الحالات فإن الخمر تجعل من يلجؤون إليها هرباً من (التعاسة) ميالين إلى العنف والشر.
والضحك أداة تنفيس بدليل أننا نبكي إذا ضحكنا كثيراً، ولولا القدرة على البكاء لأصيب 90 بالمائة من البشر بأمراض نفسية وعقلية، ولعل من يعرف أهمية وخطورة الضحك أكثر من الأطباء هم الديكتاتوريون، ولهذا تجد أن كثيراً من الدول تعاقب مروجي النكات السياسية بالسجن والحرمان من العمل، ولعل كثيرين مازالوا يذكرون كيف قتل رسام الكاركاتير الفلسطيني المبدع ناجي العلي لأنه كان ينشر رسومات تجرد الإمبراطور من ثيابه.. وفي كل بلاد العالم تسمع نفس النكتة بصيغ متشابهة: في بلد ما شكا رجل لصاحبه من أن طابع البريد الذي يحمل صورة الرئيس الملهم يرفض الالتصاق بالمظروف فيرد صاحبه: لأنك تبصق على الجانب الخطأ من الطابع.
ولكن تذكّر أن الضحك على ضعف وعيوب الآخرين دليل مرض وليس دليل عافية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك