هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
نقطة مضيئة في النفق السوداني المظلم
في مؤشر على توقعات كثير من الدول، وفي مقدمتها الدول التي تتمتع بعيون استخباراتية ثاقبة، بالتطورات المستقبلية للأوضاع في السودان الشقيق نتيجة استمرار الاقتتال بين الطرفين المتناحرين، وهما الجيش السوداني وقوات التدخل السريع، بدأت هذه الدول إلى جانب دول أخرى في إجلاء رعاياها وأفراد بعثاتها الدبلوماسية من السودان، ومطلوب من هذه الدول أن تبادر، وهي تمتلك كثيرا من الأدوات المؤثرة والفاعلة، إلى التدخل الفعال من أجل وقف هذه الحرب العبثية التي تهدد مستقبل السودان كوطن ودولة موحدة، خاصة أن هذه الحرب تدور في مجتمع متعدد الانتماءات العرقية والدينية والقبلية أيضا.
من حيث المبدأ، والمسؤولية أيضا، فإن واجب التحرك الجدي لوقف إراقة دماء أبناء الشعب السوداني الشقيق، يقع بالدرجة الأولى على عاتق السودانيين أنفسهم، أحزابا وتجمعات وقوى سياسية وعسكرية، وبالقدر نفسه تقع هذه المسؤولية على عاتق الدول العربية كونها الأقرب للشعب الشقيق، وليس لها أي مصلحة في هذا الصراع العبثي الذي لن يحقق استمراره أي نتيجة إيجابية تخدم السودان، على كل الأصعدة والمستويات، بل على العكس من ذلك، فإن استمرار الصراع وأي نتيجة تتمخض عنه هو هزيمة للجميع، ذلك أن الأضرار التي يخلفها ستقع على عاتق جميع أبناء الشعب السوداني.
لا اعتراض على قيام مختلف الدول بإجلاء مواطنيها من السودان في ظل الأوضاع الأمنية الخطرة التي يمر بها، فهي تفعل ما يجب عليها القيام به في مثل هذه الأوضاع، فهذه الدول، بل جميع الدول تتحمل مسؤولية حماية والدفاع عن مواطنيها أينما وجدوا ومساعدتهم على الخروج من التهديد الخطير الذي يتعرضون له نتيجة الصراع الدموي في السودان، ومع قيام هذه الدول بمسؤوليتها القانونية تجاه مواطنيها، فإنها مطالبة بالتحرك العاجل والسريع واستخدام الأدوات القانونية، حتى لو تطلب الأمر اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار تحت البند السابع.
فالأطراف المتناحرة مع لجوئها إلى استخدام كل أنواع الأسلحة في المواجهة، لا يبدو أنها قادرة على تغليب المصلحة الوطنية لأبناء الشعب السوداني على المصالح الفئوية الضيقة، ولم يبد أي من طرفي الصراع المرونة السياسية التي تساعد على إنجاح الدعوات التي تأتي من الخارج لوقف النزيف الدموي، وعلى ما يبدو فكلا الطرفين يعتقد، وربما على قناعة، بقدرته على دحر الطرف الآخر وهنا يكمن الخطر الأكبر، لأن مثل هذا الاعتقاد وهذه القناعة يعد بمثابة سكب للمزيد من الزيت على النار المشتعلة، وفي نفس الوقت يعرقل الجهود الخارجية التي تدعو إلى وضع حذ لهذا التناحر.
الأنباء التي تتحدث عن مبادرة دولية لإنهاء الحرب بين الطرفين المتناحرين في السودان، وهو ما صرح به مسؤول أمريكي لــ«سكاي نيوز عربية»، تقودها عدة دول منها المملكة العربية السعودية ومصر وأمريكا إلى جانب الاتحاد الأفريقي، هي أنباء، إن صحت، فإنها تبشر بانفراجة من شأنها أن تسهم في حقن دماء أبناء الشعب السوداني، مثل هذا التحرك الدولي جاء متأخرا حيث تسبب الصراع الدموي في إزهاق أرواح مئات المواطنين السودانيين وألحق إصابات متفرقة بآلاف آخرين، لكن أن يكون هناك تحرك دولي، وإن جاء متأخرا، فهو بكل تأكيد أفضل من الصمت المطبق الذي لازم القوى الدولية والإقليمية طوال فترة الاشتباكات.
لم يكن مقبولا على الإطلاق من المجتمع الدولي ألا يكون هناك تحرك جدي وقوي من جانب الدول التي تمتلك من الأوراق ما يكفي لاستخدامها في الضغط على طرفي الصراع وإلزامهما بوقف الاقتتال والاحتكام إلى لغة العقل والمنطق، ذلك أن طرفي الصراع يأخذان أبناء الشعب السوداني رهائن في نزاعها ذي الصبغة الفئوية والتي لا تمت بأي صلة للمصالح الحقيقية للغالبية الساحقة من أبناء هذا الشعب، ولكن مهما كانت الجهود الدولية مخلصة ومؤثرة، فإن نجاحها بكل تأكيد يعتمد على مدى التزام طرفي الصراع بالتجاوب مع مثل هذه المبادرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك