العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

نقطة مضيئة في النفق السوداني المظلم

في‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬توقعات‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بعيون‭ ‬استخباراتية‭ ‬ثاقبة،‭ ‬بالتطورات‭ ‬المستقبلية‭ ‬للأوضاع‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الشقيق‭ ‬نتيجة‭ ‬استمرار‭ ‬الاقتتال‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬المتناحرين،‭ ‬وهما‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬وقوات‭ ‬التدخل‭ ‬السريع،‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬إجلاء‭ ‬رعاياها‭ ‬وأفراد‭ ‬بعثاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬من‭ ‬السودان،‭ ‬ومطلوب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬تبادر،‭ ‬وهي‭ ‬تمتلك‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬المؤثرة‭ ‬والفاعلة،‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬الفعال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬السودان‭ ‬كوطن‭ ‬ودولة‭ ‬موحدة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬متعدد‭ ‬الانتماءات‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬والقبلية‭ ‬أيضا‭.‬

من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬والمسؤولية‭ ‬أيضا،‭ ‬فإن‭ ‬واجب‭ ‬التحرك‭ ‬الجدي‭ ‬لوقف‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الشقيق،‭ ‬يقع‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬السودانيين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬أحزابا‭ ‬وتجمعات‭ ‬وقوى‭ ‬سياسية‭ ‬وعسكرية،‭ ‬وبالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬تقع‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كونها‭ ‬الأقرب‭ ‬للشعب‭ ‬الشقيق،‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬العبثي‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يحقق‭ ‬استمراره‭ ‬أي‭ ‬نتيجة‭ ‬إيجابية‭ ‬تخدم‭ ‬السودان،‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة‭ ‬والمستويات،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬وأي‭ ‬نتيجة‭ ‬تتمخض‭ ‬عنه‭ ‬هو‭ ‬هزيمة‭ ‬للجميع،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬يخلفها‭ ‬ستقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬جميع‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭.‬

لا‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬بإجلاء‭ ‬مواطنيها‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬الخطرة‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها،‭ ‬فهي‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع،‭ ‬فهذه‭ ‬الدول،‭ ‬بل‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬حماية‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬مواطنيها‭ ‬أينما‭ ‬وجدوا‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬يتعرضون‭ ‬له‭ ‬نتيجة‭ ‬الصراع‭ ‬الدموي‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬ومع‭ ‬قيام‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بمسؤوليتها‭ ‬القانونية‭ ‬تجاه‭ ‬مواطنيها،‭ ‬فإنها‭ ‬مطالبة‭ ‬بالتحرك‭ ‬العاجل‭ ‬والسريع‭ ‬واستخدام‭ ‬الأدوات‭ ‬القانونية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬لاستصدار‭ ‬قرار‭ ‬تحت‭ ‬البند‭ ‬السابع‭.‬

فالأطراف‭ ‬المتناحرة‭ ‬مع‭ ‬لجوئها‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬المواجهة،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تغليب‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬لأبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الفئوية‭ ‬الضيقة،‭ ‬ولم‭ ‬يبد‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬المرونة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬إنجاح‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬لوقف‭ ‬النزيف‭ ‬الدموي،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬فكلا‭ ‬الطرفين‭ ‬يعتقد،‭ ‬وربما‭ ‬على‭ ‬قناعة،‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬دحر‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وهنا‭ ‬يكمن‭ ‬الخطر‭ ‬الأكبر،‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاعتقاد‭ ‬وهذه‭ ‬القناعة‭ ‬يعد‭ ‬بمثابة‭ ‬سكب‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬المشتعلة،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬يعرقل‭ ‬الجهود‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬حذ‭ ‬لهذا‭ ‬التناحر‭.‬

الأنباء‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬مبادرة‭ ‬دولية‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬المتناحرين‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬مسؤول‭ ‬أمريكي‭ ‬لــ«سكاي‭ ‬نيوز‭ ‬عربية‮»‬،‭ ‬تقودها‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬منها‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬وأمريكا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي،‭ ‬هي‭ ‬أنباء،‭ ‬إن‭ ‬صحت،‭ ‬فإنها‭ ‬تبشر‭ ‬بانفراجة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬حقن‭ ‬دماء‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني،‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التحرك‭ ‬الدولي‭ ‬جاء‭ ‬متأخرا‭ ‬حيث‭ ‬تسبب‭ ‬الصراع‭ ‬الدموي‭ ‬في‭ ‬إزهاق‭ ‬أرواح‭ ‬مئات‭ ‬المواطنين‭ ‬السودانيين‭ ‬وألحق‭ ‬إصابات‭ ‬متفرقة‭ ‬بآلاف‭ ‬آخرين،‭ ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تحرك‭ ‬دولي،‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬متأخرا،‭ ‬فهو‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬المطبق‭ ‬الذي‭ ‬لازم‭ ‬القوى‭  ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬الاشتباكات‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬مقبولا‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تحرك‭ ‬جدي‭ ‬وقوي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لاستخدامها‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬وإلزامهما‭ ‬بوقف‭ ‬الاقتتال‭ ‬والاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬يأخذان‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬رهائن‭ ‬في‭ ‬نزاعها‭ ‬ذي‭ ‬الصبغة‭ ‬الفئوية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬بأي‭ ‬صلة‭ ‬للمصالح‭ ‬الحقيقية‭ ‬للغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الشعب،‭ ‬ولكن‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬مخلصة‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬فإن‭ ‬نجاحها‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التزام‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬بالتجاوب‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا